يعيش صحفيو اليمن ظروفا بالغة الصعوبة جراء الانتهاكات التي مارستها أطراف النزاع بحقهم على مدى نحو 7 سنوات من الحرب.
وبات اليمن واحدا من أسوأ الأماكن عالميا من حيث الحريات الصحفية، إذ تعرض عشرات الصحفيين للقتل منذ بدء الحرب، بينما فقد مئات أعمالهم، وفق تقارير حقوقية.
ويقبع اليمن في المرتبة 169 (من أصل 180 بلدا) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود" المعنية بالدفاع عن حريات الصحفيين، في وقت سابق هذا العام.
وفي 19 أغسطس/آب المنصرم، أعلنت المنظمة نفسها (ومقرها باريس) أن جماعة الحوثي احتجزت مؤخرا الصحفيين فهد الأرحبي ويونس عبد السلام.
وقالت في بيان إن "قوات أمن تابعة للحكومة في مدينة تعز حاصرت، فجر 17 أغسطس/آب الجاري، منزل الصحفي نايف الوافي الذي تمكن من الفرار والاختباء في مكان مجهول".
كما حاصر الأمن "منزل الصحفي طه صالح الذي تصادف عدم وجوده في المنزل وقت المداهمة"، وفق المنظمة.
ومطلع يوليو/تموز الماضي أعلنت نقابة الصحفيين اليمنيين رصد 36 حالة انتهاك منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية يونيو/حزيران، طالت صحافيين ومصورين ومؤسسات إعلامية.
ووثقت النقابة، بحسب التقرير، 12 حالة اختطاف واحتجاز وملاحقة ومضايقة، و4 حالات تهديد وتحريض على الصحفيين، و5 حالات اعتداء على صحفيين ومقار إعلامية وممتلكات خاصة.
كما تم توثيق 18 حالة منع من التغطية ومصادرة صحف، و7 حالات محاكمات ومساءلة لصحفيين.
وأفادت النقابة بأن جماعة الحوثي ارتكبت 20 حالة من إجمالي الانتهاكات بنسبة 55%، بينما ارتكبت الحكومة الشرعية بمختلف تشكيلاتها 10 حالات انتهاك بنسبة 28%، بينما ارتكب المجلس الانتقالي الجنوبي 6 حالات بنسبة 17%.
حريات معدومة
يقول هيثم الشهاب الذي اعتقله الحوثيون لمدة 5 سنوات قبل أن يفرج عنه في صفقة تبادل أسرى مع الحكومة اليمنية في أكتوبر/تشرين الأول 2020 إن "الحرية الصحفية باليمن باتت معدومة تماما نتيجة لما يلاقيه الصحفي من مضايقات وسجن وإخفاء قسري".
ويضيف: "بعد سنوات من الاعتقال التعسفي والمعاناة الشديدة التي واجهتها داخل السجون الحوثية، أصبحت أعاني قساوة العيش بالمنفى خارج اليمن، وعدم التمكن من العودة للديار ولمّ الشمل بأهلي بعد سنوات من الغياب عنهم قسريا".
ويرى الشهاب أنه ليس في مأمن هو وزملاؤه الصحفيين، "حيث نعاني قسوة الظروف الصعبة وعدم وجود بيئة آمنة تضمن لنا الاستقرار والعيش بحرية بعد تلك السنوات التي قضيناها خلف السجون".
ويشير إلى أن 4 من زملائه الصحفيين الآن يواجهون حكما تعسفيا بالإعدام نتيجة آرائهم المعارضة فقط، ويواجهون أيضا مصيرا مجهولا حيث يرفض الحوثيون الإفراج عنهم ويستخدمونهم ورقة ابتزاز للطرف الحكومي، ويطالبون بالإفراج عنهم مقابل مقاتلين من الجبهات".
والمنظمات الحقوقية العاملة باليمن "تملك فقط إصدار بيانات، لكنها لا تشكل الحماية الأساسية التي من الممكن أن توفرها لهؤلاء الصحفيين ليعيشوا بأمان ويعبروا عن آرائهم دون قيود"، وفق الشهاب.
ويتابع الصحفي اليمني: "نحن خرجنا من السجن ووضع البلد كارثي، وأصبحنا نعاني وضعا مأساويا قد يكون أكثر مما كنا عليه في السجون".
تنكيل مستمر
بدوره، يقول الصحفي زكريا الكمالي رئيس لجنة الحقوق والحريات في نقابة الصحفيين بمحافظة تعز، كبرى المحافظات اليمنية سكانا، إن" بلاده كانت منذ السابق بيئة معادية للحريات الإعلامية، وعقب الانقلاب الحوثي، تم التنكيل بالصحافة بشكل بشع".
ويؤكد الكمالي أن عشرات الصحف والمؤسسات أغلقت وتعرض عشرات الصحفيين للملاحقة قبل أن يجدوا أنفسهم لاجئين في الخارج، بينما يقبع 9 آخرون في السجون، منهم 4 محكوم عليهم بالإعدام من قبل السلطات الحوثية.
وفي 11 أبريل/نيسان 2020، أصدر الحوثيون حكما بإعدام 4 صحفيين بعد اختطاف دام قرابة 5 سنوات، وهم: عبد الخالق عمران، وأكرم الوليدي، وحارث حميد، وتوفيق المنصوري، تتهمهم الجماعة بالتخابر مع دول التحالف العربي، وهو ما ينفيه الصحفيون.
ويضيف الكمالي: "وثقت النقابة 1400 انتهاك منذ اندلاع الحرب وحتى منتصف عام 2021 الجاري، لكن الحقيقة أن كل الصحفيين العاملين من داخل اليمن أو من هجروه، تعرضوا لانتهاكات".
وأردف: "هناك إرهاب نفسي ممنهج تمارسه أطراف الصراع ضد الصحفيين والإعلاميين، فهي لا تريد سوى أقلام وأصوات تسبح في فلكها فقط وتمجد إنجازاتها الوهمية".
ويعتبر الكمالي أن "الصحفي اليمني بحاجة لإعادة تأهيل نفسي وجسدي شامل، جراء الأضرار التي لحقت به خلال الحرب، جراء رحلة الكفاح التي خاضها منذ 2015".
ويشهد اليمن حربا منذ نحو 7 سنوات، أودت بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80% من سكانه البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.