عند الحديث عن قضية الانتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن خلال فترة الحرب الراهنة، تجد أن الأطفال في رأس قائمة المتضررين والضحايا الدائمين لهذه الانتهاكات التي لا تنتهي، والتي تطالهم بشكل أكبر ومباشر أكثر من غيرهم، بحكم أنهم الفئة الأكثر ضعفا والأقل حماية، في ظل انحسار مؤسسات الدولة وانعدام وسائل الحماية للأطفال من قبل الجهات المحلية والدولية.
وأصبح الأطفال في اليمن في فوهة البندقية كل يوم بطريقة أو بأخرى، إما بتعرضهم للانتهاكات المباشرة أو غير المباشرة، وإما بتعرضهم لنتائج الحرب التي تطال أسرهم وتجبرهم على تغيير نمط حياتهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، كالحرمان من التعليم والغذاء الجيد والخدمات الصحية الضرورية واجبار الكثير منهم على الانضمام إلى عمليات تجنيد الأطفال، إما تحت الإجبار كما في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين، أو تحت الضرورة المعيشية كما في مناطق سيطرة القوات الحكومية وغيرها، حيث يضطرون إلى الانخراط في الصراع المسلح، تحت ضغط لقمة العيش.
التعليم الطائفي
وتعالت أصوات المنظمات الحقوقية والمهتمين خلال الأيام الأخيرة بهذه القضية التي أصبحت تمس كل بيت في اليمن، لما يتعرض له الأطفال من استهداف مباشر، في الوقت الحالي أو في المراحل المقبلة، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث لجأت الجماعة المسلحة إلى تبني برامج طويلة الأمد لغسل أدمغة الأطفال لضمان موالاتهم لجماعة الحوثي واقناع الكثير من البالغين منهم إلى الانخراط في جبهات القتال، بالإضافة إلى استخدام التعليم الطائفي الذي يسيطرون عليه لتحقيق النتائج المرجوة التي تستهدف الأطفال في هذا الجانب، لضمان التغيير الطائفي في المستقبل لصالح جماعة الحوثي.
وأطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» صفارة إنذار في هذا الجانب الأسبوع المنصرم فقالت في تغريدة بصفحتها الرسمية في موقع التدين المصغر إن 8.1 ملايين طفل يمني بحاجة إلى مساعدة تعليمية طارئة.
وأوضحت المنظمة ان «8.1 ملايين طفل يمني بحاجة إلى مساعدة تعليمية طارئة بسبب الصراع في البلاد». مؤكدة أن «هذه زيادة ضخمة مقارنة بـ1.1 مليون طفل قبل الحرب» التي اندلعت نهاية العام 2014 في البلاد الذي يعد من أكثر البلدان العربية فقرا في العالم. مشددة على أنه «يجب أن تتوقف الحرب حتى يستطيع الأطفال عيش طفولتهم».
وجاءت تغريدة منظمة يونيسف في الوقت الذي يستعد فيه أطفال العالم للانخراط بالمدارس ومع اقتراب موعد العام الدراسي الجديد في اليمن، المقرر أن يبدأ اليوم الأحد 15 آب (اغسطس) الجاري.
وكانت المنظمة أعلنت في تقرير لها في مطلع تموز (يوليو) الماضي، أن «أكثر من مليوني طفل في سن التعليم منقطعين حاليا عن الدراسة في اليمن». موضحة كذلك أن «ثلثي العاملين في التدريس – أي ما يزيد عن 170 ألف معلم – لم يتقاضوا رواتبهم بصفة منتظمة منذ 4 سنوات، فيما تم تجنيد أكثر من 3600 طفل منذ بدء الحرب».
وتجاوزت قضية الانتهاكات والحرمان التي تطال الأطفال في اليمن كافة الحدود القانونية والإنسانية، مع اتساع دائرة الحرب في البلاد التي اندلعت قبل 7 سنوات، وأودت بحياة 233 ألفا على أقل تقدير، وبات أكثر من 80 في المئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المعونات والمساعدات الإنسانية الدولية من أجل البقاء، والذين يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا لتوصيف الأمم المتحدة للوضع اليمني.
إلى ذلك قال رئيس منظمة «سياج» لحماية الطفولة أحمد القرشي لـ«القدس العربي» إنه «تزايدت منذ العام 2014 كافة الانتهاكات المحرمة في النزاعات المسلحة ضد أطفال اليمن بشكل غير مسبوق».
وكشف أن «تجنيد الأطفال تضاعف أكثر من خمسة أضعاف، خلال فترة الحرب، وتعرض نحو أربعة ملايين طفل للنزوح، 70 في المئة منهم دون 18 وخيّم الفقر على أسر الكثير منهم».
وأشار القرشي إلى مخاطر الاستهداف الحوثي الممنهج ضد أطفال اليمن سواء عبر التعليم الطائفي أو عبر تجنيد الأطفال، فقال ان «قرابة نصف مليون طفل تم استيعابهم في 6000 مركز صيفي تابع لجماعة الحوثي حسب افصاحات لكبار المسؤولين في الجماعة يتم تأهيلهم على القتال وعلى مناهج ذات بعد طائفي لا تخدم السلم الاجتماعي».
وأوضح أن أكثر من مليوني طفل منقطعون تماما عن التعليم بسبب الظروف المعيشية الصعبة نتيجة الحرب، وسيتوجه غالبيتهم إلى أسوأ أشكال عمالة الأطفال التي ازدادت بشكل مهول خلال فترة الصراع المسلح في البلاد، والذي تنتج عنه حتما انتهاكات عديدة ضدهم وفي مقدمة ذلك الاستغلال الجنسي والاشتراك في النزاع المسلح.
انهيار منظومة حماية الطفولة
وذكر أن منظومة حماية الطفولة انهارت بشكل كامل في اليمن منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء وعلى المؤسسات الحكومية فيها، ثم سيطرة جماعات مسلحة أخرى على محافظات ومناطق يمنية عديدة، كالمجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية وانحسار وجود مؤسسات الحكومة المعترف بها دوليا هناك.
وأشار إلى أن محافظة الحديدة، غرب اليمن، تعد الأعلى من حيث حرمان الأطفال من التعليم والتعرض للألغام المضادة للأفراد والتي تنفرد جماعة الحوثي بزراعتها في انتهاك واضح لاتفاقية اوتاوا الخاصة بهذا الجانب وقرار الأمم المتحدة 1612 لسنة 2005 وغيرها من المعاهدات والمواثيق الحامية لحقوق الطفل في الصراعات المسلحة.
وأضاف القرشي ان انتهاك حقوق الأطفال سيستمر ويتزايد من دون توقف كلما استمرت الحرب وبقيت الميليشيات المسلحة هي المسيطر وصاحبة القرار في البلاد، لأن من مصلحتها استمرار الاحتراب. مشيرا إلى أن «جماعة الحوثي مصنفة أمميا ضمن قائمة العار للعام العاشر على التوالي بصفتها تنتهك حقوق الأطفال وهي لا تخفي ذلك».
وذكر أن الانتهاكات التي تمارس ضد أطفال اليمن سوف يكون لها آثار بالغة السوء في المستقبل على الاستقرار في الجزيرة العربية وعلى الملاحة الدولية و«ستكون سببا في إعاقة السلام والتنمية وستسهم في توسيع دائرة العنف لتشمل بلدانا أخرى وتنال مصالحها واستقرارها ما لم تكن هناك معالجات حقيقية للحد من آثار الحرب في اليمن حاضرا ومستقبلا وهذه لا نراها حتى الآن للأسف الشديد».
التأهيل النفسي لمعالجة آثار الحرب
من جانبه ذكر الناطق الإعلامي باسم منظمة «رايتس رادار» لحقوق الإنسان وديع عطا لـ«القدس العربي» أن «الأطفال والنساء في اليمن يعدون من أكثر الفئات تضررا وتأثراً بالحرب المستمرة في اليمن منذ نحو سبع سنوات، فهم أسهل الضحايا وأكثرهم على الإطلاق كونهم يشكلون نحو 80 في المئة من إجمالي المتضررين على مختلف المستويات».
وأضاف انه يمكن القول ان «الأطفال في اليمن يعيشون أزمة مركبة صحية وجنائية ونفسية وتتمثل في انعدام الرعاية الصحية ثم في المقذوفات بكل أنواعها والألغام والمتفجرات إضافة للتداعيات النفسية والمعنوية فضلاً عن التجنيد القسري».
وقال «تجدر الإشارة في هذا السياق إلى وصف اليمن في تقرير للأمم المتحدة بأنه بات أسوأ مكان للأطفال في العالم، حيث انعكست آثار الحرب على قرابة 7 ملايين طفل». مشيرا إلى أن الحرب وتداعياتها تسببت في حرمان أكثر من 3 ملايين طفل من الذهاب إلى المدرسة، بعد أن طال الدمار الكلي والجزئي أكثر من 2000 مدرسة، وهو «وضع استثنائي سهّل للميليشيا الحوثية وغيرها عملية استقطاب الأطفال إلى جبهات القتال وقد نجحت جماعة الحوثي فعلاً في تجنيد عشرات الآلاف من الأطفال بمختلف الوسائل والطرق في أغلب المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها».
وأوضح عطا أن نحو مليوني طفل يمني لجأوا إلى الانضمام لسوق العمالة لأسباب معيشية بحتة، بسبب انقطاع مصادر الدخل لأسرهم أو بسبب فقدان عائل الأسرة خلال فترة الحرب و«يمكن القول إن أكثر من خمسة ملايين طفل يمني بحاجة حقيقية للتأهيل النفسي لمعالجة آثار الحرب التي انعكست على ظروفهم الحياتية والصحية، وهو وضع تكاد تنعدم فيه المساحات الآمنة وتعجز معه المنظمات الدولية والمحلية من تغطية ولو نسبة 10 في المئة مما هو مطلوب في هذا الجانب».
وأوضح أنه في بلدٍ مثل اليمن، الذي انهارت منظومته الاقتصادية والصحية، تتضاعف معاناة الأطفال وتتفاقم مشاكلهم الصحية والمعيشية خصوصاً مع انعدام أبسط وسائل الحماية الأساسية، «الأمر الذي يهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال وفي مقدمتهم ضحايا المجاعة وسوء التغذية الحاد والوخيم ويقدرون وفق إحصاءات رسمية بنحو مليوني طفل 25 في المئة منهم مهددون بالموت جوعاً نتيجة سوء التغذية الحاد، والأوبئة الموسمية كالحمّيات والملاريا والتهاب الصفائح والكوليرا ونحوها».
تجنيد الأطفال
على صعيد آخر قال ضابط الشرطة المتخصص في قضايا الانتهاكات ضد الأطفال العقيد الركن عبدالرحمن محمد مكرد، لـ«القدس العربي» إن انتهاكات حقوق الأطفال في اليمن تضاعف بشكل كبير منذ ان قامت جماعات الحوثي بالانقلاب على السلطة الشرعية في اليمن وسيطرت على مؤسسات الدولة، حيث سخرت كل إماكانيات الدولة لصالحها وكوّنت لها ميليشيات تعبث بالدولة ومقدارتها وفقا لمنهجها الانقلابي.
وقال «تضاعفت انتهاكات ميليشيات الحوثي ضد حقوق الأطفال خلال فترة الحرب الراهنة بشكل كبيرة وغير مسبوق في البلاد، حيث قامت بتجنيد الأطفال والزج بهم فى جبهات القتال».
وأوضح مكرد أن «جماعة الحوثي جنّدت خلال الفترة من الحرب الحالية بين عامي 2015 إلى2021 نحو 30000 طفل تستخدهم لأغراض عسكرية مثل القتال المباشر في جبهات المواجهات المسحلة، أو تستخدمهم لنقل الغذاء والسلاح لمواقع المعارك أو كمرافقين عسكريين مع قادة ميدانيين في المعارك، بالإضافة إلى استخدامهم كحراس أمنيين في نقاط التفتيش الأمنية التابعة لجماعة الحوثي، رامية عرض الحائط بكافة القوانين الدولية التي تمنع تجنيد الأطفال في الحروب».
وأشار إلى ان ميليشيا جماعة الحوثي تنتهك أيضا حقوق الأطفال من خلال حرمانهم من التعليم الأساسي، حيث حُرم ما يقارب من 6 مليون طفل من الالتحاق بالمدارس، «وتتعمد ميليشيا الحوثي عدم صرف مرتبات المدرسين واستخدام بعض المدارس كمواقع عسكرية، واستهداف بعضها بالقصف، بهدف إجبار الأطفال على عدم الذهاب للمدارس وحرمانهم من التعليم، من أجل تسهيل عملية استدراجهم لبرنامج تجنيد الأطفال لدى الحوثيين».
وقال ان جماعة الحوثي تعمل كذلك على زرع الألغام في المناطق السكنية ومناطق التماس والتي بدورها تنفجر بالمارّة المدنيين وتقتل الأطفال أو تسبب لهم إعاقة دائمة وفي مقدمتها بتر الأطراف أو خلق تشوه في الوجوه وفقدان العيون، وتحرم هذه الاعاقة الطفل الضحية من أبسط الحقوق الأساسية نظرا لأنها تعيش معه طول حياته، حيث تقدر الإحصائيات الرسمية ان ما يربو على 2000 طفل يمني تعرض للإصابة جراء انفجار ألغام بهم في أكثر من منطقة يمنية.
وأضاف مكرد أن ميليشيا جماعة الحوثي تعمل كذلك على انتهاك حقوق الأطفال من خلال القصف العشوائي على المنشآت والأحياء السكنية التى ينتج عنها قتل مباشر لأطفال وتعرض آخرين لإصابات بعضها قد تكون جسيمة، والتي تسفر بعضها عن خلق إعاقات دائمة للأطفال الذين تعرضوا لذلك، «حيث تعرض نحو 2953 طفلا للقتل المباشر بسبب القصف العشوائي للأحياء السكنية من قبل الميليشيا الحوثية».
مشيرا إلى أن «أسوأ اشكال الانتهاكات لحقوق الطفل في اليمن هو القنص المباشر والمتعمد من قبل قناصة جماعة الحوثي للأطفال المارة في الشوارع أو في أماكن تواجدهم للعب أو أثناء الخروج لأماكن المتنزهات، حيث تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن عدد القتلى من الأطفال جراء القنص المباشر ضدهم تجاوز حاجز 1500 طفل».