في مدينة عدن الساحلية بجنوب اليمن يكافح نوفل المجمل من أجل استمرار عمل معدات ترجع إلى العهد السوفيتي في محطة الكهرباء الرئيسية في الوقت الذي ينهك فيه انقطاع التيار الكهربائي أعصاب السكان الذين طفح كيلهم من سوء الخدمات والخلافات السياسية.
ولا يعمل حتى الآن سوى وحدتي توليد من بين خمس وحدات في محطة الحسوة التي تعمل بوقود الديزل وتنتجان ما يصل إلى 50 ميجاوات من الكهرباء في منطقة يبلغ فيها العجز حوالي 300 ميجاوات.
وتتراكم أكوام النفايات بما يوحي بأن المبنى مهجور كما يملأ الغبار وجزيئات وقود الديزل الجو.
قال المجمل مدير محطة الحسوة إن المحطة خلال تاريخها الممتد 35 عاما لم تشهد أي أعمال صيانة باستثناء مرة في عام 2016 تم فيها إصلاح وحدتي التوليد.
وقد شهدت عدن المقر المؤقت للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عدة احتجاجات بعد أن تسبب انقطاع الكهرباء في اضطراب توزيع المياه وإمدادات المساعدات والخدمات الطبية.
وبعد أن أخرج تحالف عسكري تقوده السعودية حركة الحوثي المتحالفة مع إيران من عدن في 2015 لا يزال التوتر قائما في المدينة التي تسودها حالة من الشلل بسبب تنافس بين الحكومة المدعومة من السعودية والحركة الانفصالية الرئيسية في جنوب اليمن.
فقد سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات مرتين على عدن ومناطق أخرى في الجنوب قبل أن تتوسط السعودية في اتفاق لاقتسام السلطة لتركيز اهتمام حلفائها المختلفين على المعركة ضد الحوثيين.
شكل المجلس الانتقالي الجنوبي في إطار سعيه للاستقلال إدارة موازية بالسيطرة على عدد من المباني التابعة للدولة واستغل انهيار الخدمات العامة في نشر الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
ولا تزال قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية متحصنة في مواقعها في عدن رغم اتفاق على إعادة نشر القوات بمقتضى اتفاق الرياض.
مدينة متوترة
ترفرف أعلام دولة اليمن الجنوبي السابقة التي توحدت مع اليمن الشمالي عام 1990 في شوارع عدن التي تنتشر فيها النفايات. وأثناء الليل يزداد خوف السكان من الوضع الأمني الهش بسبب عدم إضاءة أنوار الشوارع.
وينتشر في كل الأحياء طنين أجهزة توليد الكهرباء الخاصة رغم مخصصات الوقود التي تقررها السعودية لمحطات الكهرباء في عدن. كذلك فإن بطاريات السيارات أصبحت ضرورة في كل بيت لضمان استمرار إضاءته.
ولا تزال أعلام اليمن ذات الألوان الأحمر والأبيض والأسود ترفرف على محطة كهرباء الحسوة وهي من المباني القليلة في المدينة التي لا تزال تخضع لسيطرة الحكومة.
واكتمل هذا العام بناء محطة جديدة قدرتها 240 ميجاوات لكن الحكومة تقول إنها تحتاج لوحدة لفصل الغاز وشبكة توزيع. ويقول المجلس الانتقالي الجنوبي إن التأخير هدفه معاقبة المحافظات الجنوبية على المطالبة بتقرير المصير.
وقالت إحدى المقيمات في المدينة وهي في الخمسينيات من عمرها وتدعى فوزية سيف إن الكهرباء تصل بيتها ساعة أو ساعتين وتختفي خمس أو ست ساعات كل يوم وإن ذلك أدى إلى تعطل البرادات (الثلاجات) وأجهزة تكييف الهواء.
وقد أعاقت الحرب المتشعبة التي دخلت عامها السابع الاقتصاد اليمني وقسمت البلاد وأصبح الحوثيون يسيطرون على أغلب المراكز العمرانية الكبرى وتسببت الحرب فيما تقول الأمم المتحدة إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وفي مارس آذار اقتحم عشرات المحتجين قصرا رئاسيا في عدن مطالبين بصرف أجور العاملين في الدولة.
وأدت جائحة فيروس كورونا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وقال الموظف الحكومي شهيم عبد الله مستور "عندنا مشكلة كهرباء لكن عندنا أيضا مشكلة مرتبات فلم تُصرف لنا (المرتبات) منذ ثمانية أشهر".
وساطة سعودية
من أجل احتواء التوترات المتصاعدة استضافت السعودية هذا الأسبوع محادثات بين مسؤولين من حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ الاتفاق الذي تمت الموافقة عليه في 2019.
وفي حين تم تشكيل مجلس وزراء جديد يضم أعضاء من المجلس الانتقالي الجنوبي لم يسحب أي من الجانبين قواته في عدن ومحافظة أبين المجاورة.
قال مسؤول في حكومة هادي طلب عدم نشر اسمه "المأمول أن نتفق أيضا على أشخاص لتعيين حكام للمحافظات الجنوبية".
ولا تستطيع الرياض أن تتحمل فتح جبهة جديدة في الجنوب في الوقت الذي يحارب فيه التحالف الحوثيين في مأرب آخر معقل للقوات الحكومية في الشمال.
وتطالب الولايات المتحدة والأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في مختلف أنحاء البلاد من أجل إحياء المفاوضات المتوقفة الرامية إلى إنهاء الحرب. ويريد المجلس الانتقالي الجنوبي إدراج تقرير المصير للجنوب في المحادثات.
غير أن مصادر مطلعة على المباحثات قالت لرويترز إن القوى الغربية تخشى أن تؤدي أي حركة انفصالية إلى إطالة أمد الاضطرابات.
وقال أحد المصادر "الولايات المتحدة وحلفاؤها بما فيهم السعودية قالوا لكل من يريد أن ينصت إنه لا تهاون إزاء قيام دولة مستقلة في جنوب اليمن".