مع بدء شهر رمضان المبارك في اليمن، يزداد التكافل والتعاون الاجتماعي بشكل ملحوظ بين السكان أنفسهم، في بلد يشهد حربا منذ أكثر من 6 سنوات خلفت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ففي الشهر الكريم تبرز أنشطة المشاريع الخيرية والمبادرات الشبابية الاجتماعية بشكل لافت، ما يؤثر إيجابا على حياة الكثيرين الذين يعتبرون رمضان موسم الخير والعون وتخفيف الأوجاع والهموم.
في العاصمة صنعاء التي تعد من أكبر التجمعات السكانية في اليمن، هناك الكثير من المبادرات الخيرية التي تقدم العون للفقراء والمساكين في شهر رمضان المبارك.
"رسالة خير"
"رسالة خير للإغاثة والتنمية" واحدة من المبادرات الإنسانية الخيرية، تديرها الشابة سلوى الساري، التي تقول: "رمضان المبارك هو شهر الخير والعطاء، ويعد فرصة عظيمة يتنافس فيها أهل الخير في اليمن على البذل والعطاء أسوة برسول الله (ص) الذي كان أجود ما يكون في هذا الشهر الكريم".
وأضافت الساري في حديثها للأناضول: "نعمل في هذا الشهر الكريم على تلبية احتياجات الفقراء والأرامل والمطلقات والمرضى لتأمين لقمة العيش لهم، من الإفطار والعشاء والسحور".
وتابعت: "في مبادرتنا نعمل على تنفيذ عدد من المشاريع الخيرية في رمضان، منها المطبخ الرمضاني الذي عن طريقه نقدم الطعام للعديد من المحتاجين، إضافة إلى مشروع كسوة العيد، حيث سنقوم بتوزيع الملابس على الأسر الفقيرة في نهاية الشهر الكريم".
ولفتت إلى أن "المبادرة ستقوم أيضا بمشاريع تنموية صغيرة في هذا الشهر، كتوزيع دراجات نارية ومكائن خياطة لبعض الأسر الفقيرة، عن طريقها يتم خلق فرص عمل، ما يؤثر إيجابا على حياة هذه الأسر التي تصبح حينها تعتمد على نفسها بنفسها في مواجهة صعوبات الحياة في ظل الحرب".
ومضت الساري قائلة: "رمضان هو الشهر الذي يثبت فيه اليمنيون معنى التكافل والتضامن الاجتماعي، والذي يعتبر من أخلاقيات الإسلام الذي أسس مبادئ قيم الإنسانية في التراحم والتلاحم والإنفاق على الفقراء والمرضى والمحتاجين وعتق الرقاب والإفراج عن المساجين".
وأعربت ساري عن أملها بألا يقتصر هذا التكافل والتعاون في شهر رمضان المبارك، موضحة: "لو أننا نعمل 6 أشهر سنويا بتلك الروح الرمضانية، فلن نجد محتاجا أو مريضا".
وتقول تقارير الأمم المتحدة إن الحرب في اليمن جعلت 80 بالمئة من السكان بحاجة إلى مساعدات، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة، فيما هناك ملايين الأطفال يعانون سوء التغذية، إضافة إلى وجود 4 ملايين نازح، وافتقار معظم السكان إلى الرعاية الصحية وسط توقف نصف المرافق الطبية بسبب الصراع.
بناء إنساني يواجه دمار الحرب
في ظل الدمار الهائل الذي يشهده اليمن جراء الحرب، ثمة من يعمل في المقابل على بناء الإنسان وعونه وتخفيف أوجاعه.
الناشط الإنساني اليمني عبد الفتاح أحمد الحمادي، قال للأناضول: "في ظل أوضاع استثنائية من حرب ودمار وحصار وعمليات نزوح واستمرار انقطاع رواتب الموظفين، إضافة إلى
انتشار الفقر والمرض، ظهرت العديد من المبادرات والجمعيات الخيرية التي تعمل بشكل موسمي، خصوصا في شهر رمضان المبارك".
وأضاف: "هذه المبادرات تقوم بالتخفيف من هذه المعاناة لدى المجتمع اليمني، وكل مبادرة أو جمعية لها اجتهاداتها ونشاطاتها ومصادر دعمها، فيما هناك أنشطة خيرة ذات دافع إنساني بحت وبجهود ذاتية وشخصية".
ولفت إلى أنه مع عدد من الأصدقاء قاموا بإنشاء مجموعة على "فيسبوك" تحت مسمى "مجموعة بصمة خير"، وعن طريقها يتم القيام بمشاريع خيريه موسمية، خصوصا في رمضان، "بدعم ذاتي من أعضاء موقع فيسبوك وفاعلي الخير من داخل اليمن وخارجه".
وأشار: "تم تحويل فيسبوك من موقع افتراضي إلى موقع حقيقي يقدم الخير للمجتمع".
وتابع: "أطلقنا حملة بصمة خير الرمضانية للسنة الثانية، يتم فيها توزيع السلال الغذائية على الأسر الفقير والمتعففة في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى".
وبيّن أن "السلال الغذائية مكونة من دقيق وأرز وزيت طبخ وسكر وتمر وصلصة وحساء ومعكرونة".
وأردف: "تنشط أغلب الجمعيات في رمضان كونه موسم خير، وبعض التجار يقدم زكاة ماله فتجد فيها من يقدم السلال الغذائية ومنهم من يقيم المطبخ الخيري لإفطار الصائم لمن تقطعت بهم السبل وهم بعيدون عن أسرهم".
وختم الحمادي بتقديم نصيحة: "إن تفقدت جاري الذي لا يمتلك قوت يومه وغيري قام بنفس المهمة، فإن السلسلة ستتكامل وسنكون بذلك خففنا ولو جزءا من المعاناة التي يعيشها جزء كبير من المجتمع اليمني".
مساعدات نقدية وغذائية
في محافظة تعز، أكبر المحافظات اليمنية سكانا، تنشط الأعمال الخيرية بشكل أكبر في شهر رمضان المبارك، بهدف تخفيف أوجاع السكان.
يقول الشاب عامر عبد الله في حديث للأناضول: "إن تعز تعاني ظروفا إنسانية صعبة، عمقها الحصار المفروض عليها من قبل الحوثيين منذ سنوات، ما يستلزم منا القيام بعونها".
وأضاف: "هذه الأوضاع الصعبة دفعت ببعض الشباب إلى القيام بمبادرات خيرية برزت في شهر رمضان المبارك، يتم فيها تقديم العون للفقراء والمساكين عن طريق تقديم تبرعات مالية وغذائية".
وتابع: "حاليا أعمل مع بعض الشباب على تجميع مبالغ نقدية من فاعلي الخير ومن بعض الموظفين ميسوري الحال".
وأوضح: "سنقوم بوقت لاحق من هذا الشهر بتوزيع مبالغ مالية على الأسر الأشد فقرا، إضافة إلى منح سلال غذائية لأسر أخرى، وسنعمل على كسوة بعض الأسر قد استطاعتنا".
ولفت إلى أن "بعض الأسر أتت إلينا على استحياء تذكرنا بما قدمناه في رمضان الماضي من مساعدات لها، ما يجعلنا نعمل بكافة السبل من أجل إعانتها في هذا الشهر الكريم".