الزائر لمدينة عتق بمحافظة شبوة اليمنية يلحظ هدير الآلات في مواقع البناء وجرافات تسوي الأرض لرصف وتعبيد الطريق المؤدي إلى بوابة المدينة، ضمن طفرة تنموية تشهدها المحافظة التي كانت ساحة لمواجهات بين أطراف عدة منذ بداية الصراع الحالي في اليمن عام 2014.
حركة البناء والتشييد مشهد لا يغفل عنه الزائر لمحافظة شبوة، وهي المحافظة التي كانت في السابق تنام وتصحو على أصوات الرصاص والمدافع، واليوم تنمو وتزدهر وتنعم بنسبة عالية من الاستقرار مقارنة بغيرها من مناطق اليمن الغارق في أتون الحرب.
الطريق المعبّد بالأسفلت والأضواء التي تبدو من بعيد، أول الأشياء التي تخبرك بالوصول إلى مدينة عتق مركز محافظة شبوة، فبقية مدن ومناطق اليمن تعاني قلة الإنارة، وتهالك الطرق بسبب غياب الصيانة مع استمرار النزاع المسلح الذي دخل عامه السابع.
عصر ذهبي
وفي مدينة عتق يلفت انتباهك في ساعات النهار هدير الآلات في مواقع البناء، وعند المدخل الجنوبي تعمل حفارات على تعبئة الرمال في الشاحنات في حين تسوّي الجرافات الأرض لرصف وتعبيد الطريق المؤدي إلى بوابة المدينة.
يقول إبراهيم العمري، وهو عامل ثلاثيني في الموقع، إن "البوابة هي ضمن 3 بوابات شُيدت على مداخل عتق لتحسين المظهر الجمالي للمدينة"، ويضيف للجزيرة نت "وهي ضمن مشروعات التطوير وأعمال التشجير لمواكبة حركة التنمية في المدينة".
ويصف المواطن نائف باجمال -من سكان عتق- حال المدينة بأنها تعيش عصرها الذهبي في ظل ما تشهده من حركة سريعة في التنمية، ويضيف للجزيرة نت "لم تكن المدينة قبل عامين إلا شارعا صغيرا، واليوم هي مدينة مترامية الأطراف، مكتظة بالسكان".
وشبوة هي ثالث أكبر محافظة يمنية مساحة، تقع (جنوب شرقي البلاد) ضمن ما تعرف بالمحافظات الجنوبية، وهي ذات أهمية اقتصادية وجغرافية وإستراتيجية كبيرة كونها تعدّ إحدى المحافظات الرئيسة المنتجة للنفط في اليمن إلى جانب حضرموت ومأرب.
وتمثل أهم معاقل الشرعية، وتحوي مخزونا كبيرا من النفط والغاز المسال وكثير من المعادن والثروات، وتطلّ على خليج عدن والمحيط الهندي الممر البحري الملاحي الدولي الرابط بين الشرق والغرب، وتقع عند منتصف الساحل الشرقي، وطريق الإمداد التجاري نحو أقاليم شمالي البلاد.
ساحة صراع
ومع بداية الصراع الحالي في اليمن أواخر عام 2014، كانت شبوة ساحة صراع لمواجهات عنيفة بين أطراف عدة بدأت بسيطرة قصيرة لتنظيم القاعدة على أجزاء من ريفها مطلع عام 2015، قبل شهرين من اجتياح الحوثيين والسيطرة عليها مدة أطول استمرت حتى نهاية صيف 2018.
وفي أغسطس/آب 2019 واجهت سلطات شبوة تمرّدا من قبل قوات النخبة الشبوانية التابعة للمجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم إماراتيا، والتي فرضت سيطرتها على 90% من المحافظة، لكن قوات الحكومة الشرعية تمكنت من دحرهم بمساندة العشائر المسلحة هناك.
ومنذ هزيمة المجلس الانتقالي ظلّت شبوة تحت سيطرة الحكومة الشرعية بشكل كامل، وتمكنت من الحصول على حصة 20% من عائدات بيع النفط من الحكومة المركزية، وذلك ساعد السلطة المحلية على تحريك اقتصاد المحافظة وإدارة شؤونها بقدر من الحكم الذاتي لأول مرة في تاريخها.
وسمحت احتياطيات النفط في المحافظة للسلطات المحلية بتوجيه اهتمامها نحو التنمية، وإطلاق مشروعات تنموية طالما بدت بعيدة المنال، كان من أبرزها افتتاح أول ميناء بحري للمحافظة النفطية على شواطئ بحر العرب مطلع العام الحالي.
وقال مدير الدائرة الهندسية بمحافظة شبوة معاذ الجبل -للجزيرة نت- إن عدد المشروعات التنموية في العامين الماضيين بلغ 385 مشروعا في مختلف القطاعات، من ضمنها بناء مستشفى عتق، وتشييد محطة كهرباء غازية، وإنشاء ميناء قنا النفطي ومنتجع قنا السياحي.
وعلى الرغم من مظاهر الازدهار فإن آثار النزاع المسلح وتداعياته ما زالت حاضرة في هذه المحافظة حتى الآن، بما في ذلك الألغام ومخلفات الحرب التي لا تزال تواصل حصد أرواح المدنيين بين حين وآخر، خصوصًا في بلدات بيحان وعين وعسيلان بريف المحافظة.
و"لا تزال أيضا هناك خلافات عميقة بين سلطات شبوة الموالية للحكومة الشرعية ودولة الامارات، على خلفية استمرار سيطرة أبو ظبي العسكرية على قاعدتين، هما معسكر العلم شمال عتق، ومنشأة بلحاف للغاز الطبيعي المسال، أكبر مشروع استثماري في تاريخ اليمن"، حسب ما تحدثت مصادر -للجزيرة نت- من داخل المحافظة.
عوامل النجاح
ومنذ انتهاء آخر صراع مسلح عمل محافظ شبوة، محمد بن عديو، على توحيد القوى المدنية خلف السلطة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقال مستشار المحافظ يسلم البابكري -للجزيرة نت- إن "شبوة انحازت للدولة فحققت هذا النجاح".
وأشار البابكري إلى أن "شبوة اليوم محررة بالكامل من مليشيا الحوثي والإمارات، وهي كذلك موحدة السلطة والقرار، وتشهد استقرارا أمنيا وتُبنى بنفطها الذي ينتج من صحرائها ويصدر عبر سواحلها"، وهذه العوامل هي التي جعلتها اليوم تبدو مختلفة عن المحيط العام في اليمن.
وأكد مستشار المحافظ أن "شبوة تمتلك مقومات النهوض لكنها أُشغلت في الماضي بمشاكل داخلية أرهقتها وكانت مواردها تستنزف"، وأضاف "كانت شبوة تحتاج إلى أمرين هما الرؤية والإرادة، وحين توفرا تم تحشيد كل الطاقات التي كانت تستنزف في الماضي ووجهت نحو البناء".