[ مليشيا الحوثي - أرشيفية ]
صعّدت جماعة الحوثي هجماتها في الداخل اليمني، للسيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجية، وفي العمق السعودي، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، بالتزامن مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإلغاء قرار سلفه دونالد ترامب تصنيف الجماعة "منظمة إرهابية أجنبية"، مع الإبقاء على قيادات منها ضمن لائحة العقوبات التي أقرّتها الإدارة السابقة.
وعلّلت الإدارة الأمريكية قرارها بأن تصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية" من شأنه أن يعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين اليمنيين، ومواصلة الجماعة رفضها الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب التي دخلت عامها السابع في 14 مارس/ آذار الجاري.
اعتمدت السياسات الخارجية لإدارة بايدن، على إعطاء الأولوية للجهود الدبلوماسية وملف حقوق الإنسان في العالم.
وفي اليمن، تتحدث الإدارة الأمريكية عن ضرورة إنهاء الحرب ووقف الأزمة الإنسانية بإلغاء قرار ترامب تصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية أجنبية"، وفتح قنوات اتصال للحوار المباشر معها، ووقف بيع الأسلحة والمعدات التي يمكن أن تستخدمها السعودية في العمليات الهجومية في الحرب باليمن.
وتأتي أهمية السيطرة على مأرب، من طرفي الحرب، من أنها تقع في وسط اليمن وتمثل عقدة مواصلات تربط بين محافظات حضرموت والجوف وشبوة والبيضاء والعاصمة صنعاء، إلى جانب كونها مركزا اقتصاديا لاحتياطات النفط والغاز والموارد المائية المتأتية من سد مأرب.
وتقع مأرب على مسافة 120 كيلومترا جنوب شرق العاصمة صنعاء، وتؤوي مئات آلاف النازحين، إضافة إلى سكانها الأصليين الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة.
بالإضافة إلى كل ذلك، فإن مدينة مأرب تحظى باهتمام دولي ومن الأمم المتحدة، بعد أن أصبحت مركزا لإيواء النازحين الفارين من الحرب في المحافظات والمدن الأخرى، وهي أيضا آخر معاقل الحكومة الشرعية في شمال اليمن، بعد أن قسمتها الحرب إلى شمال تسيطر عليه جماعة الحوثي والقوات الحليفة لها، وجنوب تسيطر عليه قوات الحكومة الشرعية والقوات المتحالفة معها المدعومة سعوديا وإماراتيا.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، فإن حرب السنوات الست أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 233 ألف شخص، وتردي الأوضاع المعيشية، وحاجة نحو 80 في المئة من سكان اليمن إلى مساعدات إنسانية عاجلة لتخطي أزمة تصفها بأنها "الأسوأ" في التاريخ المعاصر.
ومنذ 7 فبراير/ شباط الماضي، تشهد جبهة مأرب معارك عنيفة بين قوات جماعة الحوثي التي تحاول السيطرة على كامل المدينة، وقوات الحكومة الشرعية التي تدافع عنها.
وتوغلت جماعة الحوثي في المحافظة منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، وفتحت عدة جبهات جديدة تمتد من حدود مأرب الشمالية مع الجوف، إلى حدودها الجنوبية مع البيضاء.
ولا يزال طرفا الحرب بعيدين عن إمكانية حسم معارك مأرب عسكريا في المدى المنظور، مع تباين رواياتهما عن تحقيق إنجازات عسكرية في ميادين القتال.
وتسعى الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة لتخفيف التصعيد العسكري بالدعوة إلى "وقف فوري وغير مشروط" للأنشطة العسكرية واستئناف عملية السلام بين طرفي الحرب، للحفاظ على أوضاع النازحين وعموم الأوضاع الإنسانية لليمنيين وسط البلاد.
وصعّدت جماعة الحوثي هجماتها باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية على العمق السعودي والمدن الحدودية، فيما ترى الرياض على لسان المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية العميد تركي المالكي، أن التصعيد الأخير مرتبط "بإملاءات جنرالات إيران الذين يتحكمون بالمليشيات الحوثية في صنعاء".
وبلغت الأهداف التي تصدت لها المملكة منذ بدء الحرب في اليمن، والتي "استهدفت الأراضي السعودية 526 هجوما بطائرات مسيرة، و346 هجوما بصواريخ بالستية".
وتحدث المالكي، عن أن جماعة الحوثي تكبدت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل في معارك مأرب الأخيرة.
ومؤخرا، تعرضت السعودية لهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ استهدفت عددا من المدن والمنشآت، بما فيها العاصمة الرياض ومنشأة حيوية لتصدير النفط في رأس التنورة شرق المملكة، ومطارا أبها وجدة.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها ملتزمة بالدفاع عن السعودية وأمنها واستقرارها.
وتعرضت الأراضي السعودية، بما فيها الرياض، لما لا يقل عن 17 هجوما خلال فبراير الماضي، بطائرات مسيرة وصواريخ بالستية، تقول السعودية إنها نجحت في اعتراضها قبل وصولها إلى أهدافها.
وكانت الولايات المتحدة علّقت الدعم العسكري للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن بعد أسابيع قليلة من وصول بايدن إلى البيت الأبيض، لخشيتها من وقوع مزيد من الضحايا المدنيين، والدفع باتجاه الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب في اليمن.
لكنّ مراقبين يرون في القرار الأمريكي شكلا من أشكال "التودد" لإيران التي ترعى وتدعم جماعة الحوثي، لدفعها للعودة إلى مفاوضات الملف النووي بما يعرف باسم خطة العمل المشتركة لعام 2015، بينما لا تزال طهران تتمسك بموقفها الرافض للعودة إلى المفاوضات قبل رفع عقوبات "الضغط الأقصى" التي أقرتها إدارة ترامب منذ انسحابها من الاتفاق في مايو 2018.
وعادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى بعد فرض الولايات المتحدة العقوبات عليها، وفق ما ترى أنه يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2231، والذي ينص على السماح لإيران بتعليق بعض التزاماتها في خطة العمل المشتركة في مواجهة عدم امتثال الأطراف الأخرى بالخطة، أي الدول الخمس الكبرى بالإضافة إلى ألمانيا.
وتتمسك إدارة بايدن بموقفها بالتزام إيران أولا بخطة العمل المشتركة قبل رفع العقوبات، وهو ما ترفضه طهران.
ووجهت هذه الإدارة دعوات عدة لاستئناف المفاوضات لم ترد عليها إيران.
وأثارت الخسائر في صفوف المدنيين انتقادات واسعة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، والتي تبحث عن مخرج من الحرب التي باتت تستهدف بشكل منظم البنية التحتية للطاقة والمنشآت المدنية والحيوية في العمق السعودي، دون أن يبدو أن هناك أي احتمال لهزيمة جماعة الحوثي عسكريا.
وتتحدث وسائل إعلام أمريكية نقلا عن مسؤولين في إدارة بايدن، عن أن واشنطن والرياض تدعمان خطة الأمم المتحدة للتوصل السريع إلى وقف شامل لإطلاق النار، ووقف جميع الأنشطة العسكرية، ورفع التحالف العربي الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، والدخول في مفاوضات سياسية بين الأطراف اليمنية المتحاربة، مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في اليمن.
وتعتقد الإدارة الأمريكية أن وقف الدعم العسكري للسعودية، والدخول في مفاوضات مع إيران حول الملف النووي، من شأنهما أن يشجعا طهران على ممارسة المزيد من الضغوط على جماعة الحوثي لوقف القتال والتوصل إلى حل سياسي.
ومع اعتقاد جماعة الحوثي بتحقيق مكاسب عسكرية في مأرب، وتوغلها في مناطق أخرى مجاورة لمركز المحافظة، فإن فرص قبولها بالتفاوض تبدو ضئيلة مع واقع قتالها لقوات الحكومة الشرعية والقوات المتحالفة معها التي تتسم بالضعف والانقسام.
وتسيطر جماعة الحوثي، وفق مراكز أبحاث غربية، على أراضٍ ومدن تمتاز بالكثافة السكانية العالية لنحو 75 في المئة من الشعب اليمني.