[ مراسم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانتقالي ]
شكوك كثيرة لا تزال تحيط بالعمليات الجارية التي بدأت في جنوب اليمن منذ العاشر من الشهر الجاري.
يأتي هذا في سياق تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض الموقع في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بين الطرفين المتنازعين والذي قضى بالفصل بين قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال جنوب البلد عن شمالها، وكذلك انسحاب قوات المجلس من مدينة عدن كبرى مدن الجنوب، كل ذلك تمهيداً للإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة وعودتها لممارسة مهامها من عدن "العاصمة المؤقتة" المفترضة للبلاد.
ورغم رسائل التطمين التي يبعث بها أكثر من طرف للتأكيد على جدية الخطوات الجاري اتخاذها لإعادة ترتيب المشهد في جنوب البلاد أملاً في الانتقال إلى مرحلة جديدة لتطبيع الأوضاع في مختلف محافظات جنوب البلاد إلاَّ أن مراقبين يقولون إنهم لم يروا فرقاً بين هذه الخطوات وبين الانسحابات "الشكلية" التي سلم بها مقاتلو الحركة الحوثية ميناء الحديدة من يدهم اليمنى إلى يدهم اليسرى المتمثلة في قوات خفر السواحل الموالية لهم.
غير أن مراقبين يرجعون الخطوات الجارية الآن إلى ضغوط شديدة تمارسها السعودية على جميع الأطراف على الأرض سياسياً وعسكرياً لتنفيذ اتفاق الرياض.
ويرى هؤلاء أن تنفيذ الاتفاق الذي جرى بوساطة المملكة بات حاجة سعودية إماراتية قبل أن تكون يمنية، وذلك لاستباق أي تغييرات قد تطرأ على سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب، جو بايدن، بشأن دعم واشنطن للتحالف الذي تقوده السعودية.
يتوقع مركز صنعاء للدراسات، ومقره بيروت، أن يُجدد في فبراير/شباط المقبل 2021 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 - الذي شكل الأساس القانوني للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن - في أبريل 2015 ويضيف المركز بأن حملة بايدن كانت تعهدت بأن "سحب الدعم الأمريكي للجهود الحربية السعودية لن يكون كافياً لتحقيق السلام في اليمن ما لم يكن مصحوباً بزيادة تفعيل الدبلوماسية لمساعدة السعودية على "الخروج من المستنقع الذي أوجدته لنفسها".
معضلات التشكيل الحكومي
سبق تلك التدابير العسكرية المشار إليها نقاشات صعبة حول مسألة تقاسم السلطة وتأليف الحكومة اليمنية الجديدة المكونة من 24 وزيراً بـ(المناصفة) بين جنوب البلاد وشمالها وبـ(المحاصصة) بين حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي وبقية القوى السياسية اليمنية الأخرى كأحزاب الإصلاح، الاشتراكي، الناصري، والرشاد السلفي وغيرها.
يرى الكاتب والباحث السياسي اليمني، عبدالناصر المودع، في حديث لبي بي سي، أن السعودية تحاول تطبيق اتفاق الرياض الذي تأخر لأكثر من أحد عشر شهراً لأكثر من سبب " في مقدمة تلك الأسباب أن ذلك التأخير يحرجها" خصوصاً مع مجيئ إدارة أمريكية جديدة "تخشى الرياض أن تختلف سياستها عن الإدارة الحالية".
وعن التحديات التي يواجهها اتفاق الرياض يرى المودع أنه "يُطبق على أطراف متحاربة لا تتفق مع بعضها البعض، وبالتالي فلن يُنفذ بالسلاسة التي ترجوها السعودية".
كانت النقاشات التي سبقت التوصل إلى صيغة الحل هذه عكست عمق الخلافات بين الجانبين، ورسمت صورة لما يمكن أن يعترض مستقبل عمل تلك الحكومة من تحديات ومصاعب.
كنت قد سألت مسؤولاً سعودياً بارزاً وعلى اطلاع جيد على تلك المداولات التي سبقت هذه التطورات عن أسباب تعثرها، وعما إذا كان تنامي الخلافات بين الأطراف اليمنية يعبر عن تباين "أجندة" الرياض مع "أجندة" أبوظبي في التعامل مع تلك الأطراف؟ وألا تحتاج المملكة كقائد لتحالف "دعم الشرعية" إلى "دولة" على حدودها الجنوبية، وليس إلى طرف واحد بعينه؟ فكان جوابه إن المشكلة تكمن في أن "كل مكون يمني يبحث عن كيف يسيطر لا كيف يشارك، وإن شارك فلمدة قصيرة فمتى ينسحب".
قد يكون جواب المسؤول السعودي صحيحاً من زاوية واحدة وهي أن الحكومة دخلت في هذه الصفقة معتمدة على كونها الجهة المعترف بشرعيتها دولياً، لكن معضلتها أنها غيرموجودة على الأرض بما يكفي إضافة إلى ضعف أدائها عموماً، أما المجلس الانتقالي المطالب فيستمد ثقته بنفسه من كونه موجوداً على الأرض من خلال سيطرته التي فرضها بقوة السلاح على مدينة عدن وجزيرة سقطرى ذات الأهمية الاستراتيجية، لكن هذا المجلس يفتقر إلى الحد الأدنى من الاعتراف الدولي بشرعيته، ولا يحظى سوى بدعم إماراتي كامل ويواجه بموقف سعودي غامض، إضافة إلى ما يُنسب إليه من ممارسات إقصائية خصوصاً في حق مواطني شمال البلاد المقيمين في الجنوب.
وبالتالي فمن الواضح أن مشاركة كل طرف في ذلك الاتفاق والحكومة الجديدة لم تكن في نظر بعضهم سوى بقصد امتصاص الضغوط الإقليمية والدولية المفروضة عليه للقبول بتسوية ما.
ويرجح السياسي اليمني، مصطفى نعمان، أن تكون "(الحكومة الشرعية) هي الطرف الأضعف، ومن السذاجة التوقع بأنها ستتمكن من التحكم والسيطرة، كما لن تتمكن من العمل دون أن يكون المجلس الانتقالي حاضراً على الأرض بقوة تفوق ما تمتلكه" تلك الحكومة.
وبصرف النظر عن كثير من التفاصيل التي رافقت تشكيل الحكومة الجديدة والجدل حول أهلية رئيسها وبعض أعضائها وعدم إشراك النساء بأي من حقائبها (حتى الآن على الأقل) فإن محللين سياسيين يمنيين يرون أن المعيار في اختيار هذا الفريق الحكومي ومراقبة أدائه لن يكونا متعلقين بكفاءة أعضائه بل بمدى "التوافق سعودياً إماراتياً" على ذلك ولا سيما أن طريقة تفكير الرياض وأبوظبي وأسلوب عملهما على الأرض لم يعودا متوافقين منذ سنوات مثلما كانا عليه في بدايات تدخلهما العسكري في اليمن العام 2015.