معاناة حد الموت بسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي
- الجزيرة نت الأحد, 15 نوفمبر, 2020 - 04:38 مساءً
معاناة حد الموت بسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي

[ مطار صنعاء الدولي ]

خلف إغلاق التحالف السعودي الإماراتي لمطار صنعاء الكثير من المآسي. وقصة المواطن اليمني أحمد العجل العائد من الولايات المتحدة الأميركية إلى بلاده قبل اندلاع الحرب لزيارة والدته المريضة واحدة من آلاف القصص.

 

بقى أحمد في اليمن لشهور بعيدا عن زوجته وأبنائه الستة المقيمين في أميركا بعد وفاة والدته، ومع اشتعال الحرب تدهورت صحته، خصوصا أنه كان يعاني من أمراض القلب حسب أقاربه.

 

عندما قرر السفر خارج اليمن للعلاج والعودة إلى أميركا كان مطار صنعاء مغلقا بقرار من التحالف، وكانت صحته لا تسمح له بالتنقل لساعات طويلة وبطرق شاقة إلى مطار عدن، حسب الأطباء.

 

يقول محمد عنتر قريب أحمد للجزيرة نت إن الأطباء أكدوا أن عضلة قلب أحمد كانت لا تعمل سوى بنسبة 25%، مما منعه من السفر، وتحمل مشاق التنقل بين المحافظات والوصول إلى مطاري عدن أو سيئون للسفر إلى الخارج.

 

معاناة وقهر

 

في الوقت الذي كان فيه أحمد يتألم في صنعاء كانت زوجته و6 من أبنائه ينتظرونه في أميركا لكن الموت كان أسرع.

 

توفى أحمد العجل الحامل للجنسية الأميركية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2018 في بلد انهارت فيها المنظومة الصحية بفعل الحرب، وأغلق التحالف السعودي الإماراتي منافذ النجاة في وجهه والآلاف من اليمنيين الذين حرموا من السفر إلى خارج.

 

"لم نستطع أن نفعل له شيئا" هكذا بمرارة وقلة حيلة تحدث محمد عنتر متأسفا على عجزهم عن إخراج أحمد عبر رحلات الأمم المتحدة للعودة إلى أميركا.

 

لم يحلق أحمد في السماء بحثا عن أبواب نجاة في بلد أغلقت منافذه الجوية عنوة، بل عاد إلى قريته في مديرية النادرة محافظة إب جثة هامدة محمولا على الأكتاف المنكسرة لتفتح له أبواب السماء قبل استجابة قيادة التحالف.

 

هذه المعاناة القاهرة ليست سوى عنوان لتفاصيل محزنة ليمنيين كثر تهدهم الأمراض وتعتقلهم النقاط العسكرية للأطراف المتصارعة، من الطرقات العامة أثناء سفرهم إلى عدن أو سيئون، لا لشيء ارتكبوه سوى انتماءاتهم المناطقية أو العائلية.

 

يقول محمد محسن، وهو سائق سيارة نقل للمسافرين، إنهم يقضون قرابة 24 ساعة للسفر من صنعاء إلى مطار سيئون بسبب التوقف في النقاط الأمنية وإجراءات التفتيش المتكررة، مما خلق معاناة لكبار السن والمرضى المسافرين.

 

وحسب محمد، فإن بعض المسافرين كانوا لا يكملون مشوار سفرهم معهم بسبب احتجازهم في النقاط الأمنية، لأسباب في الأغلب مرتبطة بانتماءاتهم المناطقية.

 

موتى ومعتقلون

 

يعتبر عبد الرشيد الفقيه المدير التنفيذي لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان أن إغلاق مطار صنعاء لم يحقق أي ميزة عسكرية، بقدر ما طالت آثاره الكارثية آلاف المدنيين، على رأسهم المرضى، وتضاعفت معاناة الناس مع الاستهداف متعدد الأوجه للقطاع الصحي المنهار والذي يعمل بطاقته الدنيا، الأمر الذي أدى إلى وفاة مئات المرضى الذين كان بإمكان السفر إنقاذ أرواحهم.

 

وحسب الفقيه، فإن هناك المئات من حالات الوفاة الموثقة لدى الجهات الطبية بسبب إغلاق المطار في وجوههم، كما وثقت "مواطنة" العشرات من وقائع الاحتجاز لمسافرين مدنيين من وإلى مطار سيئون، وهي ممارسات تهدف لإرهاب الناس وحرمانهم من حقهم في التنقل والعلاج.

 

ويؤكد أن منظمة مواطنة طرحت مطلب فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية مراراً على المجتمع الدولي ووضعته في صورة الآثار الكارثية لاستمرار الإغلاق، وتسلط الضوء على هذه المشكلة عبر التقارير والبيانات الخاصة بالمنظمة.

 

ويتعهد بمواصلة الضغط مع شركائهم حول العالم حتى يرضخ تحالف السعودية والإمارات لهذا المطلب الإنساني الملح.

 

ويشدد الفقيه على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته لفرض فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية، ومساءلة التحالف السعودي الإماراتي عن الآثار الإنسانية الهائلة لإغلاق المطار طيلة السنوات الماضية.

 

عزلة وقيود

 

من جهته تحدث المدير العام للنقل الجوي بصنعاء مازن غانم للجزيرة نت عن عجز أممي لرفع الحصار الجوي عن مطار صنعاء الدولي.

 

وأوضح غانم أن دول "تحالف العدوان" اتخذت قرارا غير قانوني ولا إنساني من وزارة الدفاع السعودية بتعليق حركة الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء، الشريان الرئيسي الآمن لتنقل مواطني اليمن، للرحلات الإنسانية والمدنية ابتداء 9 أغسطس/ آب 2016 وحتى إشعار آخر.

 

واعتبر أن هذا الإجراء عزل للبلاد وقيد لحرية ملايين اليمنيين وعطل حركة الملاحة أمام الإمدادات الحيوية والتجارية الضرورية للمواطنين.

 

يقول غانم إن استمرار فرض الحصار الجوي أمام مرأى ومسمع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية يُعد منافيا لجميع الأعراف والمعاهدات والمواثيق الدولية، ومخالفاً لنصوص اتفاقية منظمة الطيران المدني (إيكاو) شيكاغو 1944.

 

ويؤكد أن هذا الحظر فاقم الوضع الإنساني وأحدث مأساة كارثية لدى اليمنيين في الداخل والخارج، مستدلا بإحصائيات لوزارة الصحة بصنعاء تفيد بوفاة أكثر من 80 ألف مريض ممن كانوا بحاجة ماسة إلى السفر للعلاج بالخارج، ووجود أكثر من 65 ألف مريض بالأورام السرطانية.

 

إحصائيات وزارة الصحة تشير إلى وجود 450 ألف مريض بحاجة ماسة للسفر للعلاج في الخارج، يتوفى منهم من نحو 30 حالة مرضية يوميا، إضافة إلى 8 آلاف مريض بالفشل الكلوي بحاجة إلى عمليات زراعة الكلى بصورة عاجلة في الخارج، حسب غانم.

 

أكثر من مليون مريض في خطر

 

تتحدث حكومة صنعاء التابعة للحوثيين عن أكثر من مليون مريض مهدد بالموت نتيجة انعدام العديد من أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة، وكذا المحاليل والمستلزمات الطبية التي تنقل عبر الجو.

 

وعبر غانم عن استنكار وزارة النقل لاستمرار عجز الأمم المتحدة عن الوفاء بتعهداتها بتسيير جسر جوي لرحلات إنسانية للمرضى من والى مطار صنعاء، متطرقا إلى عدم جدية المجتمع الدولي والأمم المتحدة في وقف هذه المأساة الإنسانية.

 

وطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي العمل وفقا لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، التي أقرت حماية الإنسان وصون حقوقه الأساسية واحترام حق الشعب اليمني في الحماية الكاملة من أي انتهاك وتعزيز حقه في السفر.

 

ودعا إلى اتخاذ موقف حاسم تجاه إنهاء استمرار الحصار الجوي المفروض على المطارات اليمنية، وإصدار قرار دولي من مجلس الأمن لفك الحصار الجوي عن مطار صنعاء الدولي بشكل فوري وعاجل أمام كافة الرحلات المدنية.

 

وأكد غانم جاهزية مطار صنعاء الفنية والتشغيلية لاستقبال الرحلات المدنية والإنسانية والتجارية وفقا للمعايير والإجراءات القياسية الدولية الصادرة من الإيكاو.

 

ولا يعد إغلاق مطار صنعاء الحالة الوحيدة، فلا يزال مطار الريان بحضرموت مغلقا من قبل قوات التحالف السعودي الإماراتي أيضا، لكن يبقى إغلاق مطار صنعاء شاهدا حيا على معاناة موجعة تلخص كل مآسي تعسف حق السفر في بلد تستنزفه الحرب كل يوم .


التعليقات