[ صور من داخل سجن بئر أحمد التابع للإمارات في عدن (مواقع التواصل الاجتماعي) ]
معاناة غير مرئية تتفاعل تحت أنقاض وقساوة الحرب التي دخلت عامها السادس في اليمن غير مبالية بمآسي المواطنين.
ثمة منسيون كثر من البسطاء والمدنيين الذين جارت عليهم الحرب وكوتهم نارها ووحشيتها.
الجزيرة نت حاولت تسليط الضوء على مواجعهم المنكسرة خلف القضبان، ومخاوف عوائلهم من أن يلحق بذويها أذى داخل المعتقلات.
منتصف أكتوبر/تشرين الأول الفائت سلطت اتفاقية تبادل المعتقلين والأسرى بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي بإشراف الأمم المتحدة الضوء على مشهد غير مرئي لمئات المعتقلين المنسيين ممن لا يتبعون أطراف الصراع.
وتضمنت آلية تنفيذ الاتفاقية -التي تعد امتدادا لاتفاقية ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018- أن يسلم كل طرف كشوفات أسراه ومعتقليه للطرف الآخر، وأفضت مرحلتها الأولى إلى الإفراج عن 1061 معتقلا من الطرفين.
عذابات الغياب
وفي الوقت الذي كانت فيه أسر المعتقلين تنتظر استقبال ذويها في مطاري صنعاء وسيئون كتب والد المعتقل عبد الله ماجد ورو في حساب نجله على فيسبوك "ها أنا ذا أفرح كما يفرحون، صور شتى من فرحة الأسرى بحريتهم في اليمن الكبير، أبارك لأمهاتهم وذويهم هذا الفرح المحبوس في الصدور وخرج ليشع بنوره على اليمنيين.. بقي أن نفرح نحن أيضا بخروج ولدينا الغاليين عبد الله وحسام ورو".
قصة عبد الله الطالب في قسم الحاسوب بكلية التربية في مدينة زبيد والبالغ من العمر 23 عاما بدأت منذ العاشر من يناير/كانون الثاني 2019 عندما اختطف من داخل محل بيع ملابس كان يعمل فيه بمدينة الحديدة غرب البلاد.
يقول والد عبد الله للجزيرة نت إنه ذهب إلى إدارة الأمن بعد معرفته بواقعة الاختطاف، ووجد ابنه داخل سيارة معصوب العينيين بقطعة قماش سوداء، ولم يرد عليه المسؤولون هناك عن سبب الاختطاف، قبل أن يقتادوه إلى سجن المخابرات بصنعاء.
لكن محاميه أفادنا بأن التهمة الموجهة إلى عبد الله وللمئات غيره هي التعاون مع "دول العدوان" (التحالف السعودي الإماراتي).
وبنبرة حزينة يتحدث ماجد عن معاناة أسرته بعد غياب ابنها الذي خلف حزنا لم يفارقها ووجعا تعيشه زوجته العاجزة عن الإجابة عن أسئلة طفلها محمد البالغ من العمر 3 سنوات وهو يبحث عن أبيه.
وتعيش أم المعتقل ظروفا قاسية ووضعا صحيا متدهورا وهي تقاوم قساوة انتظار عودة ابنها، وفقا لماجد الذي يضيف أنه فوض أمره لله وقرر ألا يتسول طلب الإفراج عن ابنه من أحد بعد تعرضه لحالات ابتزاز كثيرة من قبل أناس أوهموه بقدرتهم على الإفراج عنه.
ويشير إلى الأضرار المادية والنفسية والصحية التي لحقت بهم، خصوصا مع توقف العمل الذي كان يقوم به عبد الله باعتباره العائل الأساسي للأسرة.
ويتساءل ماجد: أي قانون هذا الذي يجيز سجن شخص ما لأكثر من عام دون محاكمة؟ وأي إنسانية تلك التي تحرم هذا الشاب العشريني من إكمال دراسته الجامعية وعيش حياته بحرية وأمان؟
ومثل عبد الله مئات المعتقلين المنسيين، سواء في سجون الحكومة أو جماعة الحوثي، أو حتى في سجون السلطات الأخرى، كالمجلس الانتقالي بعدن التابع للإمارات والسلطات في حضرموت.
وهناك قرابة 15 ألف معتقل لدى طرفي الحرب حسب ما أعلن في مشاورات ستوكهولم بالسويد نهاية العام 2018، إلا أن حقوقيين ومختصين يرون أن العدد أكثر من ذلك.
مخالفات ومخاوف
ويقول المحامي عبد المجيد صبرة رئيس هيئة الدفاع عن المعتقلين في حديث للجزيرة نت إن قضية عبد الله هي إحدى قضايا المنسيين الذين لا يلتفت إليهم، خصوصا مع تخوف عوائلهم من الإبلاغ عنهم للمحامين أو الحقوقيين خشية أي آثار سلبية ارتدادية على المعتقلين.
ويعتبر أن حالات الاعتقال الحاصلة في اليمن تعد خارج إطار القانون وفقا للدستور اليمني الذي يعتبر أن حجز الحرية لمدة 24 ساعة هو سجن تعسفي.
ويشير إلى وجود معتقلين منذ 4 أو 5 سنوات ولم يحالوا إلى المحاكمة أو يفرج عنهم، ناهيك عن ظروف الاحتجاز القاسية التي يعيشونها في مخابئ أرضية ضيقة تفتقد للتهوية الجيدة والإضاءة.
وبشأن اتفاقية تبادل الأسرى التي تمت، يقول صبرة إن تبادل أسرى حرب بمدنيين يأتي خارج المشروعية القانونية المحلية والدولية.
وكانت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان أعلنت في تقريرها المعنون "في العتمة" توثيق 1605 واقعات احتجاز تعسفي، و770 واقعة اختفاء قسري منذ العام 2016 وحتى أبريل/نيسان 2020.
وقالت المنظمة إن الحكومة تتحمل المسؤولية عن 282 من الاحتجازات، و90 من الإخفاء القسري، و14 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز، فيما يتحمل الحوثيون المسؤولية عن 904 واقعات احتجاز، و353 من وقائع الإخفاء القسري، و27 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.
وتتحمل القوات الإماراتية وجماعات مسلحة تابعة لها مسؤولية احتجاز 419 شخصا، و327 حالة إخفاء قسري، و25 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.