مع استمرار سيطرة الانفصاليين المدعومين من الإمارات على عدن، عاصمة الدولة الجنوبية قبل الوحدة مع الشمال، لا يزال "الانتقالي الجنوبي" يفكر دوماً بإنشاء دولة في الجنوب، مدعوماً بغياب دولة على الأرض تعيد المشهد إلى ما قبل انقلابه عام 2019.
ورغم اتفاق الرياض الموقع بين "الانتقالي الجنوبي" والحكومة اليمنية برعاية سعودية في نوفمبر 2019، عقب الاشتباكات المسلحة في عدن والمحافظات الجنوبية، فإن فكرة الانفصال ما زالت تغلب في تصريحات قيادات الانفصاليين، متسلحين بدعم سياسي وعسكري من أبوظبي، وصمت من الرياض.
ويسعى الانفصاليون إلى استعادة استقلال الجنوب إلى ما قبل عام 1990، لكنهم يواجهون عوائق كبرى في المنطقة، من بينها تأكيد المجتمع الدولي استقرار ووحدة اليمن، وكذا الرفض الشعبي داخل تلك المحافظات لأي خطوة نحو الانفصال.
دعوات مستمرة للانفصال
دخل جنوب اليمن وشماله وحدة طوعية في 22 مايو 1990، بعد اتفاق بين رئيسي الشطرين حينها، علي عبد الله صالح (شمال)، وعلي سالم البيض (جنوب)، غير أنه بعد مرور 3 عقود، تعالت الأصوات المطالبة بالانفصال.
يقود المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، هذه الأصوات، مقابل تمسك معظم المكونات اليمنية الفعالة بضرورة استمرار الوحدة، ضمن دولة أقاليم، ونبذ كل دعوات الفرقة.
في 12 أكتوبر 2020، وخلال لقائه السفير الروسي لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين، في العاصمة السعودية الرياض، جدد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي، الإعراب عن تمسُّكه بانفصال جنوب اليمن، معتبراً ذلك "الحلَ الوحيد للقضية الجنوبية".
وفي الـ5 من الشهر ذاته، جدد "الانتقالي" تمسُّكه بـ"خيار الانفصال"، وعودة الأوضاع إلى ما قبل الوحدة اليمنية عام 1990، وهي دعوات متكررة منذ نحو سنوات.
وقال الزبيدي: "الإرادة الشعبية الجنوبية، التي انطلقت قبل 3 سنوات، مستمرة في واجبها الوطني، وسنعمل على تحرير الجنوب، وبناء وطن كامل السيادة، كحق مشروع وسامٍ".
دعوات جوفاء
يصف الناشط السياسي الجنوبي، محمد ثابت الردفاني، الأصوات المتكررة من قبل الانتقالي للانفصال، بـ"الجوفاء"، قائلاً: إن المجلس "لا يمثل كل الجنوبيين وإنما جزء منهم، وسيواجَه بمعارضة حادة، لكونه لا يمثل الأصوات كافة في الجنوب".
وأشار إلى وجود كثير من الأحزاب الفاعلة والكيانات الجنوبية، التي تؤكد "أهمية التمسك بالوحدة، وحل القضية الجنوبية بعيداً عن أية دعوات تقود إلى التمزق والانفصال".
وأكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن أي محاولة للانفصال ستقف أمامها أولاً السعودية، لكونه "سيؤدي إلى نزع الشرعية بشكل تام عن التدخل الأجنبي (التحالف العربي) في اليمن وأهدافه؛ لأن هدفه الرئيس كان إنهاء انقلاب الحوثيين والحفاظ على استقرار ووحدة اليمن".
ويشير إلى ما اعتبره "أمراً خطيراً"، قائلاً إن الدور الإماراتي في اليمن "أسهم بشكل غير مباشر، في تعزيز قدرات الجماعة الحوثية، فقد أدى تلاشي الشرعية في المناطق المحررة إلى فقدان الثقة الشعبية بقدرة الأخيرة على إنجاز عملية التحرير لإسقاط المشروع الحوثي".
الإمارات ودعم الانفصال
ربما ترى الإمارات أن انفصال الجنوب اليمني يمثل مفتاح التحكم والسيطرة والنفوذ، حيث لجأت عقب نجاحها في السيطرة عبر وكلائها المحليين، على معظم الخطوط الجوية والقواعد والموانئ البحرية على طول الساحل الجنوبي الاستراتيجي لليمن، إلى إطلاق دعاية إعلامية للترويج للانفصال، وقدمت دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وعلى الرغم من إعلانها سحب أجزاء من قواتها في اليمن، لم تُظهر الإمارات أي تراجع على صعيد استراتيجيتها في تقسيم اليمن، واعتبرت تلك الخطوة محاولة لذرِّ الرماد في العيون، تتيح لها مواصلة الاستراتيجية التي تعمل على تنفيذها.
ومع الدعم الإماراتي خلال السنوات الثلاث الماضية، توالت الأحداث ونجح المجلس الانتقالي في بسط سيطرته على العاصمة المؤقتة، عدن، وطرد الحكومة الشرعية، وتدخلت وشنت غارات جوية استهدفت تجمعات الجيش على مشارف العاصمة المؤقتة، وسط صمت سعودي ودولي.
ولم تتوقف عند ذلك الأمر، بل دعمت الانفصاليين فتمكنوا من فرض سيطرتهم على سقطرى جنوب شرقي البلاد، وأحكموا بذلك سيطرتهم على معظم السواحل والمواقع الاستراتيجية في البلاد.
أجندة دولية
ويعتقد الإعلامي اليمني صلاح بابقي، أن اليمن "صار ضحية أجندات إقليمية ودولية"، إلى جانب ما تفعله الإمارات في البلاد.
ويرى أن المجلس الانتقالي "أداة لتلك الأجندات التي ترغب في استدامة التوتر والفوضى ومنع استقرار البلاد وعودة الحكومة"، مضيفاً: "الانتقالي يدرك استحالة الانفصال، لكنه يؤدي دوراً مطلوباً منه، لكيلا تعود الشرعية وتحل محل القوى الأجنبية وأدواتها".
ويؤكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن السبيل الوحيد لإيقاف ما يقوم به "الانتقالي"، هو عودة الشرعية إلى البلاد و"الالتحام مع شعبها في الداخل، والاستجابة لمطالبهم المتعلقة بوضع حد لانحراف التحالف عن أهدافه".
وأضاف: "المفترض أن يكون عمل الحكومة من الداخل وفرض النظام في مناطق سيطرتها حتى لو كان ذلك بعيداً عن عدن، وهو ما سيضع التحالف كمُدان رئيس بتهديد سلامة وحدة اليمن، وهو الأمر المرفوض وفق القرارات الدولية".
وتابع: "الاستمرار في المنفى سيعزز من استمرار كل التجاوزات، وهذا أمر لن يقبله اليمنيون، مما قد بجعل الأمر يخرج عن سيطرة الجميع".