[ الهلال الأحمر التركي في اليمن كثف نشاطه منذ ديسمبر 2015 ]
يسود القلق في أوساط اليمنيين من أن يتسبب تسييس العمل الإنساني في اليمن، وتحويله إلى صراع بين الدول، إلى سحب أو تقليص بعض المنظمات الخارجية عملياتها الإنسانية في وقتٍ يحتاج ملايين اليمنيين إلى مساعدات عاجلة بسبب ما خلفته الحرب الدائرة منذ 2015.
وبينما تعمل تركيا عبر منظمتين تابعتين لها في تقديم مزيد من المساعدات لليمنيين، خصوصاً في المناطق التابعة للشرعية اليمنية، تواجه صعوبات ومضايقات مستمرة من قبل قوات موالية للإمارات، جنوب البلاد، تزامناً مع حملة تشويه واسعة في وسائل إعلام إماراتية وسعودية وأخرى تمولها الدولتان، واتهامات لها بالعمل في الجانب الاستخباراتي.
وتبدي أبوظبي والرياض حساسية مفرطة من النشاط التركي الإنساني، تترافق مع جملة من الإجراءات المعيقة له، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول دوافع تلك السياسات، ومدى تأثيرها على الجانب الإنساني في اليمن.
اعتقال واحتجاز
كان لافتاً أن العمليات الإنسانية لتركيا في اليمن ستواجه مضايقات واسعة من الإمارات، تمثلت مؤخراً، في 6 أكتوبر 2020، باعتقال قوات موالية للإمارات مسؤولي الهلال الأحمر التركي في اليمن، قبل أن يفرج عنهم لاحقاً.
وبينما اتهمت مصادر يمنية قوات موالية لأبوظبي باعتقال مسؤولي الهلال الأحمر التركي ونقلهم لمقر التحالف الذي تقوده السعودية بعدن، قال الهلال على صفحته بـ"تويتر"، إن احتجاز موظفيه كان "بسبب إجراءات الوثائق اللازمة. وعادوا على رأس عملهم من أجل دعم الشعب اليمني".
وأدان ناشطون يمنيون اعتقال مليشيا مدعومة إماراتياً لطاقم الهلال الأحمر التركي في العاصمة المؤقتة عدن، واقتيادهم إلى مقر قوات التحالف "السعودي الإماراتي" في المدينة، واعتبروه محاربة للعمل الإنساني في اليمن.
لم يكن هذا الاعتقال هو الأول، ففي ديسمبر 2018 احتجزت قوات موالية لأبوظبي أعضاء الهلال الأحمر التركي يومين في أحد الفنادق، مع حجز جوازات سفر أعضائه خلال المدة المذكورة.
ومنع المساعدات
لم تتوقف تلك المضايقات عند الاعتقال والاحتجاز، بل وصلت حد اعتراض قوات الانتقالي الموالية للإمارات، في يوليو 2017، سفينة مساعدات تركية في ميناء المعلا بعدن، ومنعت وفداً إغاثياً قدم على متنها من دخول المدينة، بتوجيهات إماراتية، حيث تم احتجاز المساعدات في أرصفة الميناء، قبل أن يعقب ذلك إعلان بأنها منتهية الصلاحية، نفته السلطات الرسمية في الميناء.
وفي مطلع الشهر ذاته من عام 2017، اعترضت قوات ما تسمى "الحزام الأمني" المدعومة إماراتياً، في نقطة أمنية بمحافظة لحج (شمالي عدن)، مشفى ميدانياً مقدماً من تركيا لمحافظة تعز (جنوب غرب البلاد)، لساعات، قبل أن تسمح له بالمرور.
وفي عام 2015، وعقب طرد الحوثيين من مدينة عدن، رفض الإماراتيون استقبال مساعدات إغاثية تركية، وظلت على متن السفينة أكثر من 10 أيام في عرض البحر، بحجة أنها "تركية وغير مرغوب فيها".
وتأتي حملات الإغاثة ضمن سلسلة من الجهود والأنشطة التي تقوم بها الحكومة والمؤسسات التركية منذ اندلاع الحرب في اليمن، حيث أطلقت عدة حملات ومساعدات منذ ديسمبر 2015، عبر "الهلال الأحمر التركي" والوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا".
حرمان اليمنيين
يقول الناشط السياسي عبد الله السامعي، إن ما تقوم به الإمارات والسعودية "محاولة لتشويه سمعة بعض المنظمات والهيئات الإغاثية بهدف حرمان اليمنيين من المساعدات والخدمات التي تقدمها هذه الهيئات".
ويشير إلى أحد أسباب ما تتعرض له هذه المنظمات من مضايقات، وهو امتلاك الدولتين "هيئات خاصة تمنح مساعدات بسيطة وتقدمها إعلامياً كمشاريع عملاقة، أما الهيئات الأخرى كالتركية فتمنح مساعدات كبيرة ولا توليها اهتماماً إعلامياً".
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هذا ما يجعل المواطنين يستنقصون ما تقدمه السعودية والإمارات اللتان تطلبان من المستفيدين أن يشكروهم على الفتات الذي يقدمونه لهم".
واتهم السامعي في سياق تصريحه "بعض الهيئات الإغاثية التابعة للإمارات والسعودية بالقيام بأعمال استخباراتية"، قائلاً: "هذا الأمر جعلهما ترميان هذه التهم على الهلال الأحمر التركي وهيئات إغاثية أخرى".
وتابع: "هذا الأمر تظهره الدولتان وأدواتهما في اليمن ليس في الجانب الإغاثي فقط وإنما في الجوانب السياسية والعسكرية أيضاً، خاصة أن فضيحة الهلال الأحمر الإماراتي لم يستطيعوا إخفاءها عندما سحب المعدات والأدوات التي أعلن سابقاً تقديمها لليمن، بسبب رفض اليمنيين ممارسات الإمارات العسكرية والتي أظهرتها كدولة احتلال".
تشويه في الإعلام
ولجأت السعودية والإمارات خلال السنوات الماضية إلى تشويه صورة الإغاثة التركية باليمن، عبر وسائل الإعلام التابعة لها أو التي تمولها.
ومن أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإماراتية ما طرحه موقع 24 الإماراتي، الذي رأى أن المنظمات التركية خطر على اليمنيين، متجاهلاً الاتهامات للهلال الأحمر اليمني بأنه "أداة استخبارات إماراتية".
وزاد الموقع من تشويه العمل الإغاثي التركي بإيراد أسماء منظمات تركية تعمل في المجال الإنساني، وهي "جمعية الرباط التركية، وهيئة الإغاثة التركية، وجمعية الحق للإغاثة، ومنظمة تيكا التركية، والهلال الأحمر التركي، ومنظمة آفاد التركية وممثلها مصطفى دياز وهيئة الإغاثة التركية".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد نشرت قناة "سكاي نيوز" الإماراتية وثائقياً تحت اسم "الوعد الكاذب"، وقالت إن تركيا ترسل لليمن السلاح بدلاً من الخبز، وإنها لا تقدم أي مساعدات إنسانية لليمن.
وفي وسائل الإعلام السعودية، قالت صحيفة عكاظ إن المنظمات الإغاثة التركية "لا تقدم خدماتها بدافع إنساني، مثل المنظمات الدولية والجهود الإماراتية والسعودية، بل تعمل لخدمة أهداف الرئيس أردوغان".
ارتباك التحالف
يرى الصحفي والناشط الحقوقي محمد الأحمدي، أن محاولات عرقلة النشاط الإغاثي والإنساني الذي يقوم به الهلال الأحمر التركي وغيره من الجمعيات التركية العاملة باليمن، "هي سياسية وجزء من حالة الارتباك التي يعاني منها التحالف السعودي الإماراتي باليمن".
ويشير إلى أن التحالف "يحاول الخلط بين خلافاته مع الدولة التركية وبين النشاط الإغاثي والإنساني وغيره من المجالات".
ويقول لـ"الخليج أونلاين": "في الحقيقة إن هذا الأمر هو تجسيد لعدم الشعور بالمسؤولية لدى التحالف إزاء معاناة اليمنيين جراء الحرب".
الهلال الأحمر الإماراتي.. أداة استخباراتية لأبوظبي في اليمن
ووصف هذا السلوك الذي تقوم بها أدوات الإمارات في اليمن بأنه "مؤشر على أزمة أخلاقية ونفسية تعاني منها هذه الأدوات التي تعمل بأوامر من أبوظبي في محاولة للتضييق على أي نشاط، سواءً كان دوراً إنسانياً أو إغاثياً لتركيا في اليمن".
ويؤكد أن هذا التصرف "لا يعبر عن الشعب اليمني ولا يمثل سلوكه، وإنما يمثل الأدوات التي تستخدمها الإمارات للإضرار بمصالح الشعب اليمني".