فوجئ الخمسيني اليمني عبدالله المنزلي، لدى تسلمه كشف حساب علاج ابن أخيه شاهر (18 عاما)، باحتوائه على 55 بندا، 24 منها تحت مسمى "إجراءات" من دون ذكر أسماء الخدمات الطبية المقدمة له خلال فترة علاجه في 8 مارس/آذار الماضي بمستشفى الرباط الخاص وسط العاصمة.
وبلغت قيمة بنود الإجراءات الغامضة، 546 ألفاً و800 ريال يمني (900 دولار أميركي) من إجمالي تكاليف الخدمات الطبية البالغة مليونين و7 آلاف ريال (3500 دولار) كما يقول المنزلي، وهو ما لا ينفيه مدير عام المشفى، الدكتور توفيق الشرعبي، لكنه يبرر ذلك بالقول: "لجأنا إلى بنود إجراءات أسوةً ببقية المستشفيات الخاصة بسبب العدد الكبير للخدمات"، مفسرا أن الخدمات التي تضمنتها بنود الإجراءات في كشف الحساب تتمثل في "توفير الأوكسجين والمعاينة واستدعاء طبيب خارجي ونقل المريض بسيارة الإسعاف إلى مستشفى آخر لإجراء الأشعة".
وتفرض مشافي اليمن على المرضى دفع ما يسمى ببنود الإجراءات رغم الحرب والفقر المتفاقم في اليمن، في ظل تردي الخدمات الطبية، وهو ما يعد مخالفة للمادة العاشرة من القانون رقم 60 لعام 1999 المتعلق بالمنشآت الطبية والصحية الخاصة، والتي تنص على أن "كل منشأة تحدد أجور الإقامة والخدمات الطبية التي تقدمها، ويتم الإعلان عن هذه الأجور بقوائم معتمدة من اللجنة في أماكن بارزة يسهل على العاملين والمرضى الاطلاع عليها وعلى المنشأة الالتزام بهذه الأجور وعدم إدخال أي تعديلات عليها إلا بموافقة اللجنة".
غموض تكلفة الخدمات
حصل "العربي الجديد" على كشوف حسابات لأربعة مرضى عولجوا في ثلاث مستشفيات خاصة في صنعاء، وهي "الرباط، والسعودي الألماني، ويوني ماكس"، منها كشف واحد أوضح ماهية الخدمات الطبية التي تضمنها بند الإجراءات. بينما اكتفى المشفيان الآخران بوضع رقم مالي بجانب كل بند، من دون توضيح طبيعة الخدمة الصحية التي وردت تحت ذلك المسمى. ولدى استفسار معد التحقيق عن حقيقة تلك البنود المبهمة، رفضت إدارة المستشفى السعودي الألماني، توضيح الخدمات التي تضمنتها بنود "إجراءات تمريض"، واكتفى مسؤول العلاقات في المستشفى حمود العلفي بالقول: "ليس للصحافة علاقة بذلك"، إلا أن مصدراً في ذلك المستشفى (طلب عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالتصريح للإعلام) لا ينكر أن كشوف حساب العلاج تتضمن بنود إجراءات تمريض، من دون توضيح ماهيتها. لكنه يفسر الخدمات الطبية الواردة ضمن هذه البنود بـ "متابعة مختص التمريض للحالة والتأكد من العلامات الحيوية كل ست ساعات وقياس درجة الحرارة والحقن والتعامل مع الجروح وإعطاء الأدوية للمريض وفق تعليمات الطبيب".
ما فسره مصدر المستشفى السعودي الألماني، لم يتم الإفصاح عنه للمرضى لدى تسلمهم فاتورة المشفى وفق ما يؤكده الخمسيني اليمني عبدالله السلعة والذي لم يحصل على تفاصيل بنود إجراءات التمريض التي تضمنها كشف حساب علاجه في المستشفى السعودي الألماني، أو توضيح ماهية ذلك البند المتكرر في الكشف أكثر من مرة، والبالغة قيمته 113 ألفاً و500 ريال (190 دولاراً) من إجمالي مليون و331 ألف ريال ( 2200 دولار) تكاليف الرعاية الصحية المقدمة له من قبل المستشفى خلال 9 أيام وفق فاتورة العلاج التي حصل عليها معد التحقيق.
ويؤكد نقيب الصيادلة اليمنيين، ورئيس نقابات المهن الطبية، الدكتور فضل حراب، لـ"العربي الجديد" وجود ظلم للمرضى بسبب تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة في ظل الأحوال الصعبة الحالية، ومنها بند "الإجراءات"، الذي يضم خدمات أساسية يجب أن يحصل عليها المريض ضمن الرقود أو العمليات الجراحية"، مشيرا إلى ضرورة أن تحدد الخدمة وسعرها من دون الحاجة لبند إجراءات.
يتفق معه الدكتور ياسر النجار والذي عمل في خمسة مستشفيات خاصة، آخرها مستشفى العودي التخصصي بمدينة دمت في محافظة الضالع جنوب اليمن، قائلا: "يهمل الكثير من المستشفيات تفاصيل الخدمات المقدمة في هذا البند من أجل زيادة المبلغ المالي على المريض، والربح من ورائه، باعتباره فرصة استثمارية"، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن بند الإجراءات غير منطقي، والمفروض كل خدمة تفصل وتوضح حتى يحصل المريض ومرافقه على كل المعلومات بكل دقة وشفافية ووضوح".
استغلال المرضى
يوجد 76 مستشفى خاصاً في العاصمة صنعاء، بحسب تأكيد مدير مكتب الصحة بأمانة العاصمة، الدكتور مطهر المروني لـ"العربي الجديد". لكن معظم تلك المستشفيات الخاصة التي تعتمد بند الإجراءات في عملها، لا تعود إلى مكاتب وزارة الصحة أو تحصل على موافقة منها وفق تأكيد الدكتور محمد الصوملي مدير عام المنشآت الطبية والصحية الخاصة وعضو لجنة تنظيم رسوم الخدمات للقطاع الخاص بوزارة الصحة في صنعاء، وهي اللجنة التي وثقت ذلك عبر اطلاعها على قوائم رسوم الخدمات في المشافي الخاصة بحسب قوله لـ"العربي الجديد".
ويعترف مدير عام مستشفى يوني ماكس، الدكتور باسم العامري، بعدم وجود آلية ربط بين المستشفيات الخاصة ووزارة الصحة في صنعاء بشأن الرقابة على أسعار الخدمات، "لأنها تعود إلى ضمير إدارة المستشفى".
لكنه يبرر اعتماد المستشفيات الخاصة لبند الإجراءات، بالعدد الكبير للخدمات الذي لا يتسع له كشف الحساب، قبل أن يعود للقول: "غياب الوضوح في المستشفيات الخاصة حول بند الإجراءات يجعل بعض المشافي تقيد مبالغ غير مستحقة على المرضى الذين يقعون ضحايا لاستغلال بعض المنشآت الطبية"، مضيفا أن المشافي الخاصة كافة تعتمد بند الإجراءات وتعمل به، لكن كل مستشفى خاص له سياسته الخاصة في وضع خدمات علاجية معينة تحت بند الإجراءات بحسب إفادته لـ"العربي الجديد".
و"تتضمن بنود إجراءات مستشفى يوني ماكس خدمات علاجية مثل الأوكسجين الذي يحتاجه 80% من حالات الرقود، وتخدير واستدعاء الأطباء من خارج المستشفى"، بحسب تأكيد الدكتور العامري، مضيفا: "نوضح ذلك في كشوف حسابات المرضى"، مضيفا أن نسبة بند الإجراءات تتراوح من 20 إلى 25% من إجمالي فاتورة علاج المريض، وهو ما يقره الصحافي منصور الآنسي، لكنه يستغرب من وجود 14 خدمة تحت مسمى "إجراءات" من إجمالي 51 بندا شملت كشف حساب تكاليف علاج عمه صالح الأنسي خلال الفترة من 22 فبراير/شباط وحتى 29 من الشهر ذاته، قبل أن يفارق الحياة في إحدى غرفة العناية المركزة، واصفا بنود الإجراءات بـ "نصب واحتيال على المرضى"، كونها تتضمن مبالغ كبيرة لإجراءات متابعة واستدعاء أطباء وإسعاف وأوكسجين، موضحا لـ"العربي الجديد" أن بنود الإجراءات التي تضمنها كشف الحساب بلغت قيمتها 212 ألف ريال (853 دولاراً) من إجمالي قيمة العلاج البالغة 672 ألف ريال (1100 دولار).
لماذا تأخر إقرار تسعيرة الخدمات؟
استقبل مكتب الصحة بأمانة العاصمة 29 شكوى حول ارتفاع أسعار الخدمات العلاجية في المستشفيات الخاصة خلال الفترة من يوليو/تموز 2019 وحتى مايو/أيار الماضي، بحسب الدكتور الخليدي مدير إدارة المنشآت الطبية والصحية الخاصة بمكتب وزارة الصحة في أمانة العاصمة، والذي يؤكد أن مكتبه يشكل لجنة للنزول إلى المستشفى المقدم حوله الشكوى ويسحب كشف حساب للمريض، إلا أن إدارة المستشفى تسارع بحل المشكلة مع المريض ودياً من خلال تخفيض المبلغ المتبقي عليه كما يقول.
76 مستشفى خاصاً في العاصمة صنعاء معظمها تعتمد "بند الإجراءات"
وخلال السنوات السابقة، لم تعمل وزارة الصحة بالمادة العاشرة من القانون رقم 60 بشأن المنشآت الطبية والصحية الخاصة، نتيجة لعدم تقسيم المستشفيات الخاصة إلى فئات، وتصنيف الخدمات فيها بحسب الدكتور الخليدي، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن وزارته صنفت المستشفيات حاليا إلى ثلاث فئات وأعدت تسعيرة خاصة بكل فئة حسب قوله.
وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 شُكلت لجنة لوضع المعايير وفئات السعر الخاصة بخدمات الهيئات والمستشفيات الحكومية والخاصة بما فيها "بند الإجراءات" بموجب قرار تكليف صادر عن وزير الصحة بحكومة الإنقاذ التابعة للحوثيين، الدكتور طه المتوكل. بيد أن الدكتور فضل حراب يتهم اللجنة المكلفة بوضع المعايير والتسعيرات بعدم إنجاز أو وضع تصور أولي للمعايير والتسعير، رغم حلول الشهر الثامن على تشكيلها، مؤكدا أن القيادات المتعاقبة على وزارة الصحة أهملت تنفيذ القانون الذي يخص تسعيرة خدمات المستشفيات الخاصة.
ويبرر الدكتور الخليدي، تأخر اللجنة في تحديد آلية الأسعار حتى الآن بـ "حالة الطوارئ التي فرضتها جائحة كورونا العالمي"، مؤكدا أن مكتبه قد أنهى آلية تسعيرة الخدمات بالمستشفيات ورفعها لوزير الصحة نهاية مارس الماضي، وتم معالجة "بند إجراءات" في آلية الأسعار التي ستعلنها وزارة الصحة قريبا كما يقول.
وبحسب الفقرة الثالثة من المادة الخامسة لقانون المنشآت الطبية والصحية الخاصة رقم (60) "تشكل لجان للتحقيق بالتنسيق مع الإدارة المختصة للنظر في الشكاوى والتظلمات المقدمة أو المحالة إليها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بذلك وفقاً للائحة المنظمة لهذا القانون".
ومع استمرار اعتماد المستشفيات الخاصة بند الإجراءات، يدعو الدكتور المرونى إلى تقديم شكاوى حول أي مخالفات يتعرض لها أي مواطن بأي منشأة طبية ليتسنى لهم القيام بالإجراءات القانونية واتخاذ العقوبات.