قال الباحث والمحلل العسكري اليمني، علي الذهب، إن الحرب المستمرة منذ نحو 5 سنوات أججت نزاعات طائفية ومناطقية وعرقية، ورجح أن يتحول اليمن من نظام الحكم المركزي إلى نظام اتحادي مع تقسيم جديد للأقاليم.
وأضاف الذهب، في مقابلة مع الأناضول، أن "من أبرز التأثيرات السلبية للحرب هي الإفرازات الطائفية، حيث أصبح يوجد حديث حول المذهبية بين سنة وشيعة، بين نواصب وروافض".
وتابع: "أصبح يوجد حديث عن هاشميين على المستوى العرقي.. حديث عن هاشميين وعن يمنيين، وبات الهاشميون يوصفون بالمُتوردين (من الخارج)، والهاشميون قدموا من خارج اليمن في ثمانينيات القرن الثالث الهجري".
وأردف: "أصبح هناك حديث عن شمال وجنوب، وعن زيدي وشافعي، وعن مناطق جغرافية معينة.. والصراع السياسي في إطار الجنوب بين (محافظة) أبين من جهة و(محافظة) الضالع من جهة أخرى، والذي أثار نزاعات أو دورات عنف في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات (من القرن الماضي)".
وقال الذهب إن "الحرب أحيت نزعة انفصالية ونزعة سياسية ونزعة مذهبية ما بعث على السطح تداعيات دورات العنف السياسي خلال العقود الأربعة الماضية".
واستطرد: "هناك تفكك وتراجع اقتصادي وإنهاك كبير للمورد البشري، الذي دفع بالكثير من شبابه إلى محارق الموت".
وزاد بأن "هذه النزعات أنهكت الاقتصاد وتعطلت كل عمليات الإنتاج ولم تبن مثلا إلا القليل جدا جدا من المدارس والمستشفيات ولم تشق الكثير من الطرقات، حيث توقفت العملية الاقتصادية وعملية البناء، وانهمكت جميع الأطراف في بناء قوتها العسكرية وتعظيم خزينة الحرب بكافة الموارد".
سيناريوهات عديدة
حول مستقبل اليمن، قال الذهب: "يُراد التقسيم إلى شمال وجنوب، وهذا واضح على الأرض، إلا لو كانت هناك تحولات مختلفة".
وتحدث عن سيناريوهات منها "أن يسيطر على الجنوب المجلس الانتقالي الجنوبي، وسيكون يد سياسية وعسكرية لتنفيذ أجندات الإمارات والسعودية، بما يضمن لهم تحقيق دولة بالتقاسم مع بعض الجنوبيين، لكن سيكون للمجلس الانتقالي الحصة الأكبر".
والسيناريو الآخر، وفق الذهب، هو "وجود الحوثي في الشمال، بما يضمن أيضا حقوق أطراف إقليمية في أمنها القومي، كالسعودية والإمارات، وقد تشارك في هذا جماعات سياسية شمالية ضمن الطرف الموجود مع السلطة الشرعية".
وتابع أنه يوجد سيناريو ثالث، وهو "الاتجاه نحو الأقاليم، بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أعماله في 2014، بحيث يكون اليمن دولة اتحادية من أقاليم".
وإثر مناقشات في مؤتمر الحوار، شكل الرئيس عبد ربه منصور هادي لجنة رئاسية لصياغة نموذج فيدرالي للبلاد.
وصادقت اللجنة على خريطة فيدرالية قسمت اليمن إلى ستة أقاليم، أربعة في الشمال واثنان في الجنوب، وهو ما رفضته أطراف عديدة، منها الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي.
واستطرد الذهب: "فربما يكون هناك إقليمان أو ثلاثة، إقليم في الشمال وإقليمان في الجنوب، أو إقليم في الجنوب وإقليم في الشمال، لأن هناك محاولة لأن تكون (محافظات) حضرموت والمهرة وسقطرى إقليم مستقل ضمن الدولة الاتحادية، وأن تكون (محافظات) عدن والضالع ولحج وأبين وشبوة إقليما آخر، وأن يكون الشمال إقليما بمفرده".
وأردف: "لا يزال سيناريو فصل الجنوب عن الشمال معقد؛ فكل طرف يستخدم الآخر، فالمجلس الانتقالي موعود من فصيل المؤتمر الشعبي العام بدحر الحكومة الشرعية من شبوة وأبين وحضرموت مقابل أنهم بعد القضاء على هذه السلطة وأركان حركة (ثورة) 11 فبراير (شباط 2011) أو قوى 11 فبراير، ومنها حزب الإصلاح وحزب الرشاد السلفي وقوى شباب الثورة وحزب العدالة والبناء، وبعد ذلك يتوجهون لمواجهة الحوثي في الشمال".
ورأى أن "هذه مسألة معقدة، وتحتاج وقتا طويلا وإمكانيات، وربما الدعم الخارجي لن يستمر فيها، فربما تأخذ 10 سنوات أخرى".
وتابع: "أنا أرشح أن يكون هناك اتجاه نحو تنفيذ قرارات مجلس الأمن في حدودها الدنيا، وهي العودة إلى يمن اتحادي، وفق تقسيم جديد للأقاليم بما يمكن الحوثيين من مناطق أو في التشكيلة الحكومية مع الجنوبيين والسلطة الشرعية".
السعودية.. أهداف خفية
منذ عام 2015، ينفذ تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الموالية للحكومة، ضد الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات منها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.
وحول ما حققته أطراف الصراع، قال الذهب: "هناك أهداف خفية للتحالف، فالسعودية تريد أن تشكل ثقلا سياسيا وعسكريا يخدم أجندتها في اليمن".
وتابع: "السعودية توظف الكثير من السياسيين والإعلاميين وموجهي الرأي داخل اليمن لتحقيق هذه الأجندة، بناء على ضغوط أو ممارسات أو مصالح مشتركة".
ورأى أن "السعودية حققت، نسبيا، جزءا من هذه الأهداف، هي: أولا لم تُمكن حزب التجمع اليمني للإصلاح، وقوى الثورة الأخرى العسكرية والقبلية من الظفر بالسلطة".
واستطرد: "خلقت السعودية كيانات مناوئة لها في المحافظات الجنوبية، وأعادت، بالتعاون مع الإمارات، تشكيل "حزب المؤتمر الشعبي" فصيل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح (1942: 2017)، عن طريق أدواته المسلحة في الساحل الغربي، بقيادة طارق صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل)".
الإمارات.. أداة للقوى الكبرى
بالنسبة للإمارات، قال الذهب إنها "أيضا خلقت لها وسائل ضغط عسكرية وسياسية ممثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المنتشرة خارج إطار السلطة الشرعية، وهي تدعم أيضا أجندتها، ولذلك ينسجم وجود هذه القوى المسلحة أو السياسية في المناطق الساحلية بما يُكمل أهداف ومصالح الإمارات في منطقة القرن الإفريقي".
وأوضح أن "الإمارات لها أهداف في منطقة ما وراء بحر العرب تخدم اقتصادها الأزرق، وهو يقوم في جانب منه على نشاط هيئة موانئ دبي، التي لها أفرُع كثيرة في منطقة القرن الإفريقي أو دول حوض البحر الأحمر وغربي المحيط الهندي".
ورأى أن "الإمارات تريد أن تحقق تكاملا بين ضفتي خليج عدن، بما يخدم مصالحها، وبما يحد من نفوذ دول أخرى، وخاصة تركيا".
واعتبر أن "الإمارات وفق هذا الدور تنفذ أجندة خارجية، فهي ليست إلا أداة من أدوات القوى الكبرى، التي لها مصالح استراتيجية بالمنطقة".
الحوثيون.. نهوض من الصفر
وتطرق الذهب إلى الحوثيين بقوله إنهم "تمكنوا من تحديد مناطق وجودهم بقوة، وجعلوا من مناطقهم مناطق متماسكة جغرافيا، بحيث لا يوجد هناك فصل جغرافي كما هو حاصل لدى السلطة الشرعية".
وأضاف: "هناك ترابط جغرافي يمتد من الشمال إلى مناطق الوسط، واستطاعوا أن يثبتوا أنفسهم في المفاوضات كطرف لا يمكن تجاهله في الأزمة، ولم يستطع الطرف الآخر أن يملي شروطه عليهم، رغم ما يمتلكه من دعم وتأييد دولي".
وأردف: "استطاع الحوثيون النهوض من الصفر، وخلقوا أدوات تهديد، بمساعدة إيران وقوى إقليمية أخرى تمثل أذرعا داعمة لإيران".
واستطرد: "استطاعوا أن يثبتوا وجودهم على الأرض بالحصول على المزيد من الأسلحة، ولا تزال هذه الأسلحة تمثل تهديدا للسعودية، وخاصة الصواريخ الباليستية التي وصل بعضها إلى الرياض، وكذلك الطائرات المسيرة، التي وصلت إلى المنطقة الشرقية في خريص، واستهدفت معامل النفط، وأحدثت خسائر كبيرة (على افتراض أن الاستهداف يقف خلفه الحوثيون بطريقة مباشرة)".
وتابع: "الحوثيون قادرون على تجديد مُلاكهم البشري، فهم يسيطرون على مناطق كثيفة السكان تؤهلهم للحصول على المزيد من المقاتلين، كلما فقدوا جزءا منهم.. كما يتمتعون بتماسك إرادتهم السياسية؛ فلم يحدث سوى تغيير طفيف في الحكومة (شكلها الحوثيون وغير معترف بها) منذ تكوينها في 2016".
ورأى أن "من أهم نقاط القوة للحوثيين أنهم تمكنوا من الحفاظ على مورد مادي لخزينة الحرب، بسيطرتهم على ميناء الحُديدة (على البحر الأحمر- غرب) بمباركة دولية وفقا لاتفاق ستوكهولم 2018".
وحول نقاط ضعف الطرف الحوثي قال الذهب: "سلطتهم قائمة على القمع وتتناوشهم تهديدات من مناطق كثيرة، فلم يعد عدوهم السلطة الشرعية فقط، فعدوهم الآن الشعب نفسه".
وأضاف أن "الحوثيين يعملون على إخضاع الشعب بالقوة، وهذه نقطة ضعف حقيقية، لو مُكن للانتفاضات أن تخرج في مناطق السلطة الحوثية لجرفتهم عن بكرة أبيهم".
وتابع: "إضافة إلى الحصار البحري والجوي، ولذلك عادة ما يحاولون في كل المفاوضات أن يطرحوا رفع الحصار كإحدى أولوياتهم".
وحول نقاط الضعف العسكرية قال: "ليس لديهم منظومة دفاع جوي تستطيع مواجهة هجمات طائرات التحالف، ولذلك فإن قادتهم ومنشآتهم العسكرية عرضة للاستهداف بطائرات التحالف".
كيان الشرعية.. دعم رغم النكبات
وحول كيان السلطة الشرعية في اليمن، قال الذهب إن "نقاط قوتها محدودة، لأسباب أهمها أنها واجهت انقلابات عديدة".
وتابع أنها "تملك قوة من خلال سيطرتها على مناطق استخراج الطاقة، سواء كانت طاقة النفط أو الطاقة الكهربائية، وبينها مأرب وشبوة وحضرموت".
وأردف: "كما أنها تتمتع بتماسك شعبي رغم ما تواجهه السلطة والحكومة الشرعية من صدمات ونكبات وخذلان من التحالف نفسه".
وختم بأن "هناك التفاف شعبي حولها (السلطة الشرعية) ومدها بالمقاتلين رغم تعرضها للنكبات وتخييبها آمال سكان هذه المناطق، كما يوجد دعم دولي وتأييد إقليمي، فهي الحكومة المعترف بها دوليا".