[ تعيين محافظ لعدن أولوية في اتفاق الرياض الأخير (فرانس برس) ]
تدخل آلية تسريع اتفاق الرياض، الموقّع برعاية السعودية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم إماراتياً، أسبوعها الثاني، اليوم الثلاثاء، من دون الانتقال للخطوات التالية، وعلى رأسها تكليف معين عبد الملك بتشكيل حكومة جديدة وتعيين محافظ ومدير لأمن عدن، في مقابل تنازل الانفصاليين عن الإدارة الذاتية. ويبدو أن الفترة الزمنية المقررة لتنفيذ الالتزامات اللاحقة، وعلى رأسها إعادة تموضع القوات في عدن وأبين، والتشاور على تشكيل الحكومة، ستتحول إلى عقدة جديدة، مع مرور الأسبوع الأول من مهلة الـ30 يوماً التي اقترحتها آلية تسريع تنفيذ الاتفاق، وستكون هذه الفترة الزمنية شبيهة بالمواعيد التي شهدت تعثر الاتفاق بنسخته الأولى في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ولا يوجد مؤشرات واضحة حتى الآن على تعقيدات أو رفض رسمي لتنفيذ الالتزامات الجديدة، وهو ما دفع مصدر في مجلس الوزراء اليمني للقول لـ"العربي الجديد"، إن إجازة عيد الأضحى الطويلة، والمقررة أن تنتهي يوم السبت المقبل، هي السبب في الجمود الحاصل. وأضاف أن إجازة العيد تسببت أيضاً في عدم أداء محافظ عدن، أحمد حامد لملس، اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدربه منصور هادي في الرياض. وكان أعضاء الوفد الحكومي المفاوض قد انتقلوا إلى العاصمة المصرية القاهرة لقضاء إجازة العيد مع أسرهم، فيما انتقل أعضاء "المجلس الانتقالي الجنوبي"، إلى أبوظبي الإماراتية، ومن المقرر أن يعود الجميع يوم السبت المقبل، وفقاً للمصدر، على أن يعقب ذلك أداء محافظ عدن لليمين الدستورية.
وتنص الآلية الجديدة لتنفيذ اتفاق الرياض، على تشكيل الحكومة خلال 30 يوماً، يتخللها الجانب الأهم في الأزمة، وهو انسحاب القوات الانفصالية من عدن إلى معسكرات خارج المدينة بمحافظتي لحج والضالع وردفان، فضلاً عن فصل القوات بجبهة أبين، وانسحاب القوات العسكرية إلى مواقعها الأساسية.
بدورها، تشير مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، إلى أن لجنة سعودية ستبدأ الأسبوع المقبل عملية الإشراف على فصل القوات والانتقال بعدها إلى عدن، التي ستؤول مهمة تأمينها إلى إدارة الأمن فقط ومدير الشرطة الجديد، أحمد الحامدي. ووفقاً للمصادر، فإن إخلاء المدن من المعسكرات هو الاختبار الحقيقي للنوايا، وسيعقبها الدخول في مسألة تعيين محافظي المحافظات الجنوبية، ومديري أمن لها، ثم الإشراف على انسحاب باقي القوات من المدن، قبل الانتقال إلى الملف الاقتصادي، الذي سيتم بموجبه تشكيل المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومحافظ للمصرف المركزي.
وحتى في حال ضغطت السعودية على الشرعية والانفصاليين لتنفيذ باقي البنود، فإن تعقيدات عدة تحيط الاتفاق، خصوصاً بعد إعلان فصائل ومكونات جديدة رفضها له، بغية فرض نفسها شريكاً بالمحاصصة في حكومة من 24 وزيراً.
ومن بين هؤلاء، برز موقف القيادي في "الحراك الجنوبي"، المقيم في سلطنة عمان، حسن باعوم، الرافض للاتفاق جملة وتفصيلاً، ملوّحاً بورقة الشارع للدفاع عن مطلب الانفصال واستعادة الدولة الجنوبية، في إشارة إلى تخلي "المجلس الانتقالي الجنوبي" عن ذلك المطلب، في مقابل الشراكة. كما طالب الاتحاد العام للمهمشين بحقيبة وزارية، بعد مطالبات مماثلة من قبائل أبين.
ويبدو أن السعودية، قد تترجم تنفيذ الاتفاق بطريقة مختلفة، بعد بروز حملة إساءات شنّها إعلاميون سعوديون ضد قيادات الدولة اليمنية، وتحديداً نائب الرئيس الفريق علي محسن صالح، الذي تم اتهامه بـ"الإرهاب"، رغم إقامته داخل الرياض، فضلاً عن التلويح بـ"محاكمته". وعلى الرغم من أن الاتهامات لم تصدر عن دوائر القرار الرسمية في السعودية، إلا أن مراقبين، يرون أن استمرارها يكشف عن ضوء أخضر للنيل من قياديي الحكومة المعترف بها دولياً، وأنه لو تحدث أحدهم من دون توجيهات، لن ينام سوى في السجن. ويتناغم الهجوم الجديد، مع ما تنشره وسائل إعلام إماراتية وجنوبية تابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، التي تتهم قياديي الدولة اليمنية كافة، باستثناء هادي، بـ"الأخونة والإرهاب".
ورداً على الإساءات، تضامن قياديو الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مع بعضهم بعضاً، فدعا نائب رئيس البرلمان، عبد العزيز جباري، هادي إلى العودة من الرياض وإدارة شؤون البلاد من داخل الأراضي اليمنية. وقال جباري، إن الإساءة لهادي ونائبه والقياديين اليمنيين "ليست جديدة ولن تكون الأخيرة"، لافتاً إلى أن تصريحات السفير السعودي، محمد آل جابر، التي كشف فيها سابقاً عن طريقة خروج الرئيس ونائبه من صنعاء، بأنها واحدة من تلك الإساءات. ونشر جباري تغريدة على "تويتر" جاء فيها: "يقال من خرج من داره قلّ مقداره. يا فخامة الرئيس عودوا، تعود كل القيادات اليمنية"، في إشارة إلى أن مكوثهم في الرياض سبب رئيسي في عدم التقدير.
وامتدت حملة التضامن إلى وزراء داخل الحكومة الشرعية، مع تأكيد وزير حقوق الإنسان اليمني، محمد عسكر، أن احترام قياديي الدولة اليمنية، هو احترام لليمن أرضاً وشعباً، مشدّداً على عدم السماح بأي إساءة من الخارج لأحد من أولئك القياديين. في المقابل، أعلن وزير الأوقاف، أحمد عطية "أن التطاول أو الإساءة إلى قيادات اليمن ورموزها ورميهم بالتهم جزافاً، بدءاً من فخامة الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء وبقية القيادة السياسية، أمر غير مقبول، فاحترام قادة البلد هو احترام للشعب بأكمله".
وتركزت الإساءات السعودية بدرجة أساسية على شخص نائب الرئيس علي محسن صالح، المتمتع بعلاقات شخصية مع ملوك وأمراء الأسرة السعودية المالكة منذ أكثر من 40 عاماً، وفقاً للمسؤول الإعلامي في السفارة اليمنية بالرياض، عارف أبو حاتم. وكشف أبو حاتم في تدوينة على "تويتر" أن "صالح يقيم اليوم في المملكة ضيفاً كريم المقام على خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وهو أيضاً صديق شخصي لملوك وأمراء الأسرة المالكة منذ أكثر من 40 سنة، ومن العيب الأخلاقي والسياسي أن تتم مهاجمة رجل هو ضيف على قيادة الدولة".
واستغل الحوثيون الهجمة السعودية للنيل من خصومهم في الشرعية، واعتبروا أن تلك الإساءات، تعكس حقيقة نظرة النظام السعودي للحكومة المعترف بها دولياً. واعتبر وزير التعليم العالي في حكومة الحوثيين، حسين حازب، في تدوينة على "تويتر" أنه "حتى لو اعتذر الملك سلمان لهادي وصالح بالصوت والصورة عن أي إساءة، فقد أبلغوهما الرسالة، وما يمثلانه هما وزمرتهما لدى النظام السعودي، فهذا النظام لن يكون استثناء في التعامل مع من فرّط في وطنه، حتى يضعه في مكان الاحترام والإكرام عكس حقائق التاريخ".