تعيش عدن والكثير من المدن اليمنية على وقع أزمة خبز طاحنة، وسط ارتفاع في أسعاره وتراجع ملحوظ في إنتاجه نتيجة إغلاق نحو 50% من المخابز أبوابها والتوقف عن العمل منذ نهاية الشهر الماضي.
وفي الوقت الذي يتبلور فيه اتفاق جديد بين وزارة الصناعة والتجارة وجمعية الأفران والغرفة التجارية والصناعية في عدن على تسعيره جديدة للخبز تتضمن بيعه بالكيلوغرام بسعر 500 ريال للكيلوغرام الواحد بدلاً من الرغيف، تتصاعد احتجاجات وشكاوى الأفران من الارتفاعات المتصاعدة في أسعار المواد الداخلة في إنتاج الرغيف وأقراص الروتي (نوع من الخبز).
وزاد سعر كيس الدقيق (50 كيلوغراماً) خلال أقل من شهر من 12 ألف ريال إلى أكثر من 16 ألف ريال (حوالي 25 دولاراً)، إضافة إلى بقية الاحتياجات، مثل الزيوت والوقود، إذ ارتفعت أسعار صفيحة الديزل 20 لتراً من 3600 ريال إلى 5800 ريال.
وتشهد أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، ومنها رغيف الخبز وأقراص الروتي، ارتفاعات متواصلة، إذ وصل سعر الرغيف الواحد من الخبز إلى 30 ريالاً من 25 ريالاً، في ظل انهيار مستمر للعملة وأزمات غذائية ومعيشية حادة تعيشها معظم المدن اليمنية ضاعفها انتشار فيروس كورونا.
في السياق، قال مسؤول في جمعية الأفران في العاصمة المؤقتة عدن، جنوب اليمن، رفض الكشف عن هويته، إن وضعية المخابز صعبة للغاية في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والمشقة التي تواجهها في توفير مكونات الخبز، خصوصاً الدقيق، الذي يزيد سعر الكيس الواحد منه المقدر بحوالي 50 كيلوغراماً بشكل أسبوعي.
وأضاف المسؤول، لـ"العربي الجديد"، أنه بسبب ذلك تواجه كثير من هذه المنشآت شبح الإفلاس مع انسداد أفق الحلول والتعسف الذي أصبحت تفرضه السلطات المحلية بحقهم، إضافة إلى الجبايات.
وقال فهمي ثابت، وهو مالك أحد المخابز، إن الكثير من المخابز لم يعد بمقدورها مواجهة كل هذه الضغوطات والاستمرار بالعمل، ما دفع بهم مضطرين إلى رفع بسيط في أسعار الرغيف مقارنة بتكاليف الإنتاج الباهظة.
وأكد ثابت لـ"العربي الجديد"، على الضغط الذي يمارس بحقهم للبيع بالكيلوغرام حسب ما هو معروض عليهم من بنود اتفاقية من قبل مكتب الصناعة والتجارة بعدن.
وتواجه كثير من الأسر اليمنية مشقة كبيرة في توفير متطلبات الحياة المعيشية التي غدت قاسية عليهم مع توسع دائرة الصراع في البلاد على كافة المستويات لتمس بشكل مباشر أرزاق الناس ولقمة عيشهم، وانعدام وجود السلطات الرسمية التي يمكنها أن تعمل على التخفيف من معاناتهم المتفاقمة.
وأكد المواطن نبيل اليافعي، وهو من سكان عدن، لـ"العربي الجديد"، أن الأزمات تنهال عليهم من كل اتجاه، ولا يكادون يخرجون من أزمة لتظهر أزمة أخرى، "الأمر الذي أصاب الكثير من المواطنين والأسر بالاضطراب الشديد والارتباك في توفير ما أمكن من متطلبات الحياة".
ومنذ نحو شهر فقط واجه سكان عدن ومناطق يمنية أخرى سلسلة من الأزمات الخدمية والمعيشية، إذ بدأت بتأخر الإمدادات من شبكة المياه الحكومية في العاصمة المؤقتة لعشرة أيام، وعدم صرف رواتب الموظفين المدنيين في موعدها، وتدهور متواصل في منظومة الكهرباء العامة وأزمات في الصرف الصحي وأسعار المواد الغذائية التي أصبحت تفوق قدرات المواطنين.
ويتحدث المواطن عصام غانم، وهو من سكان منطقة الحوطة، في محافظة لحج المحاذية لعدن، عما يدور في الرياض من مفاوضات لتقاسم السلطة وسعي كل طرف لتحقيق مكاسب خاصة تنعكس عليه بمناصب ووزارات ورواتب بالعملة الصعبة، بينما ليس في جدول أعمالهم، وفق حديث غانم لـ"العربي الجديد"، أي نقاشات أو برامج للتخفيف من معاناة الناس وتوفير الخدمات والرواتب.
وتجتاح أزمات الوقود معظم المناطق اليمنية في ظل حرب طاحنة وصراع وسلطات متعددة وتمردات قوضت المؤسسات العامة، وآخرها ما حدث في عدن مع إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً ما يسمى بالإدارة الذاتية لعدن والمحافظات الجنوبية وقيامه بنهب الأموال العامة والموارد الحكومية، وهو ما فجر سلسلة من الأزمات الخدمية والمعيشية تضرب مختلف المحافظات الجنوبية.
وفي المقابل، تعاني العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين اختناقا تجاريا كبيرا وانخفاضا ملحوظا في السلع الغذائية نتيجة تراجع حركة الإمداد السلعي بين المحافظات بسبب أزمة الوقود الراهنة، في حين لوحظ نفاد بعض السلع الضرورية، مثل "الزبادي" والألبان ومشتقاتها من الأسواق ومراكز بيع المواد الغذائية.
وحذرت شركة الغاز اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء، من أزمة خانقة محتملة في غاز الطهو في ظل استمرار التحالف "السعودي الإماراتي" في احتجاز سفينتين محملتين بالغاز منذ أكثر من 50 يوماً.
بدوره، يوضح الخبير في المرصد الاقتصادي اليمني علي سيف كليب، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، أن السواد الأعظم في اليمن هم الذين يدفعون ثمن الصراع الدائر في البلاد والأزمات المعيشية الناتجة عنه. ويرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ما يعانيه اليمن من أزمات غذائية وتحديات إنسانية واقتصادية جسيمة تتطلب حلولا جذرية سريعة، لأن انشغال السلطات الرسمية وجميع الأطراف بالصراعات الطاحنة بينهم لتحقيق مكاسب ذاتية على حساب معاناة الناس وأزماتهم ومنها نقص الخبز، يسرع من اقتراب كارثة المجاعة الشاملة التي ستعم كافة المناطق اليمنية.