أعادت وفاة الأسير الفلسطيني "سعدي الغرابلي" (75 عاما)، داخل السجون الإسرائيلية، التذكير بقضية الأسرى الفلسطينيين "القُدامى"، ممّن أمضوا 20 عاماً فأكثر خلف قضبان السجون.
والأربعاء، أعلنت "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" الفلسطينية (رسمية)، استشهاد الأسير "الغرابلي"، نتيجة "سياسة الإهمال الطبي"، بعد يومين من نقله للمستشفى إثر تدهور حالته الصحية.
وأمضى "الغرابلي" أكثر من 26 عاماً في سجون إسرائيل حتى وفاته، حيث اعتقل في يوليو/ تموز لعام 1994، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وفق وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا".
وحمّلت فصائل وهيئات فلسطينية (في بيانات منفصلة)، إسرائيل، المسؤولية عن استشهاد "الغرابلي" في سجونها، والتعمّد في إهماله طبيًا.
ملف إنساني مؤرّق
ويُطلق الفلسطينيون مصطلح "عُمداء الأسرى" على المعتقلين الذين أمضوا 20 عاماً فأكثر داخل السجون الإسرائيلية، وما زالوا رهن الاعتقال.
وتُشكل هذه القضية ملفاً إنسانياً مؤرقاً، نتيجة قضائهم عقوداً طويلة بين جدران السجون، بفعل الأحكام العالية المفروضة عليهم، في ظل تضاؤل فرص الإفراج عنهم.
وبحسب "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، فإن 51 أسيراً قضوا أكثر من 20 عاماً، بينهم 14 أسيرا قضوا أكثر من 30 عاماً، و26 أسيراً معتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاقية "أوسلو" أي أنهم قضوا أكثر من 27 عاما.
ووفق الهيئة، يقبع أكثر من 5400 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية حاليا، منهم 42 أسيرة، وقرابة 200 طفل، و450 معتقلاً إدارياً (بدون محاكمة).
وفارق الحياة، من الأسرى داخل السجون منذ عام 1967م وحتى الآن، 224 معتقلا، من بينهم 73 أسيراً استشهدوا نتيجة التعذيب، و69 بسبب الإهمال الطبي، إلى جانب 75 نتيجة القتل العمد بعد الاعتقال، و7 آخرين بعد إصابتهم برصاصات قاتلة وهم داخل السجن، بحسب الهيئة.
على مدار العقود الماضية، برزت محاولات فلسطينية عديدة للإفراج عن الأسرى القدامى، سواء عبر المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، أو من خلال عمليات اختطاف لجنود إسرائيليين ومحاولة مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين.
ونجحت بعض تلك المحاولات في الإفراج عن العشرات من "عمداء الأسرى"، والمئات من ذوي الأحكام العالية، إلا أن كثيراً منهم لا زال يقبع داخل السجون، بفعل التعنّت الإسرائيلي.
أسرى ما قبل أوسلو
وضمن قائمة "عمداء الأسرى"، ما زال 26 أسيراً معتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاقية "أوسلو" (بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل) عام 1993م، تطالب السلطة الفلسطينية بالإفراج عنهم.
وفي عام 2013، أطلقت إسرائيل سراح 78 من أسرى "ما قبل أوسلو" (من أصل 104 تم الاتفاق على خروجهم على 4 دفعات)، على هامش المفاوضات مع السلطة الفلسطينية برعاية أمريكية.
ولاحقاً، امتنعت إسرائيل عن إطلاق سراح الدفعة الرابعة المتبقية بموجب الاتفاق، وعددهم 26 أسيراً المتبقين.
وتُعد "صفقة شاليط – وفاء الأحرار" (أكتوبر/تشرين أول 2011) أبرز عملية تبادلٍ للأسرى جرت خلال العقدين الأخيرين داخل الأراضي الفلسطينية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، تم بموجبها الإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة فلسطينيين مقابل تسليم الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط".
واختطف "شاليط" في يونيو/ حزيران 2006 خلال عملية عسكرية لفصائل عسكرية أبرزها "كتائب عز الدين القسام" الذراع العسكرية لحركة "حماس"، ضد موقع عسكري إسرائيلي مُحاذٍ للشريط الحدودي جنوب قطاع غزة
ومن بين المفرج عنهم في "صفقة شاليط"، 477 أسيراً كانوا يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة.
أبرز عمداء الأسرى
وعلى رأس قائمة الأسرى القدامى، يتربّع "كريم يونس" (62 عاماً) الملقب بـ "عميد الأسرى" الفلسطينيين، الذي قضى أكثر من 37 عاماً، وما زال، بفعل حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل جندي إسرائيلي عام 1983.
وإلى جانب عميد الأسرى، تخطّى ابن عمه "ماهر يونس" (61 عامًا)، عامه السابع والثلاثين في السجن، والذي يقضي حُكماً مؤبداً بذات التهمة.
أما الأسير "نائل البرغوثي" (63 عاماً)، فيقترب من إنهاء أربعة عقود من الاعتقال، حيث اعتقلته إسرائيل عام 1978 وحُكم عليه بالمؤبد بتهمة قتل جندي إسرائيلي، وقضى 34 عاماً في السجن.
وأُطلق سراح "البرغوثي" ضمن "صفقة شاليط" عام 2011، ليُعاد اعتقاله مجدداً بعد ثلاث سنوات، برفقة 70 آخرين من محرري "الصفقة".
ويستكمل "البرغوثي" حالياً، حكم المؤبد الذي كان يقضيه قبل الإفراج عنه عام 2011.
ظروف صعبة
ويواجه الأسرى الفلسطينيون، لاسيما قدامى الأسرى، ظروفاً إنسانية مُركّبة تجمع بين فراق الأهل لعقود طويلة، وأوضاعٍ صحيةٍ مُتردّية نتيجة الأمراض المُزمنة، وكبر السنّ، بخلاف الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم.
وفي السياق، قال "عبد الناصر فروانة"، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين، إن أبرز ما يفاقم معاناة الأسرى، "الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة السجون الإسرائيلية، والامتناع عن توفير الأدوية، وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم".
وأضاف "فروانة"، في حديث خاص لوكالة الأناضول، أن إدارة السجون الإسرائيلية تمارس التعذيب والضغوط النفسية والجسدية بحق الأسرى الفلسطينيين، وتحرمهم من زيارات الأهل والأقارب، مما يتسبب بزيادة معاناتهم.
وقال إنه في خضم أزمة فيروس كورونا، جرت عدة مطالبات لإسرائيل، بالإفراج عن الأسرى القدامى والمرضى وكبار السن؛ سعياً لتجنيبهم خطر الإصابة بالفيروس، إلا أنها قوبلت جميعاً بالتجاهل.
ودعا فروانة، وهو أسير سابق، إلى مضاعفة الجهود السياسية والقانونية والحقوقية، محلياً ودولياً؛ والعمل على "توفير الحماية للأسرى الفلسطينيين من خطر الانتهاكات الإسرائيلية"، فضلاً عن المطالبة بالإفراج عنهم.
وطالب بخطوات "أكثر جدّية في المحافل الدولية؛ من أجل محاكمة إسرائيل على ممارساتها بحق الأسرى، وردعها عن ذلك"، معتبراً أن التلويح بهذه الخطوة كورقة ضغط (من قبل السلطة الفلسطينية) غير كافٍ حتى الآن.