لم يكبح التصعيد العسكري الكبير في اليمن، الذي تشهده مأرب وأطراف نهم والجوف، شهوة الحوثيين لفتح جبهات قتال جديدة، بشكل مفاجئ، وآخرها إشعال الجماعة معركة مؤجلة منذ نحو 6 أسابيع، مع قبائل آل عواض في البيضاء، تعود شرارتها الأولى إلى إقرار الحوثيين بقتل امرأة مدنية تدعى جهاد الأصبحي في منزلها خلال مداهمته، لكنهم رفضوا في المقابل تسليم القاتل للعدالة. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على مقتل الأصبحي، إلا أن الحوثيين عجزوا عن احتواء القضية بشكل قبلي، عبر إقناع قبيلة آل عواض، بقيادة الشيخ ياسر العواضي، بالقبول بتسوية لا تمس القاتل، والإعلان عن حدوث سوء فهم في ارتكاب جريمة القتل. وبدأ الحوثيون هجومهم مساء أول من أمس الأربعاء، وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ "جماعة الحوثي شنت قصفاً بقذائف الهاون والمدفعية على منطقة الشعف بمديرية آل ردمان، المعقل الرئيسي للزعيم القبلي، ياسر العواضي، الذي دعا في المقابل للاحتشاد القبلي ضد الحوثيين". وأشارت المصادر إلى أن اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة اندلعت بين رجال القبائل والحوثيين في منطقة الحماطة بين مديريتي آل ردمان والسوادية في البيضاء، فيما بدأ رجال القبائل بالانتشار على الهضاب لتأمين مناطقهم من الهجمات الحوثية المحتملة. وتحدث ناشطون عن استخدام الحوثيين لسلاح الطائرات المسيرة بدون طيار في قصف قبائل البيضاء، فيما ادّعى الحوثيون دخول طيران التحالف السعودي الإماراتي بخط المعركة لمساندة الشيخ ياسر العواضي الذي تم اتهامه رسمياً بـ"العمالة".
ولا تمثل قبيلة ردمان آل عواض أهمية استراتيجية عسكرياً واقتصادياً للحوثيين، لكن الجماعة التي أبدت مرونة في التعاطي مع القبائل طيلة أسابيع من باب احتواء قضية ينظر لها رجال القبائل بأنها "عيب" لأن الضحية امرأة، تخلّت عن الدبلوماسية غير المعتادة ولجأت إلى أسلوبها المعتاد وهو وأد القضية بقوة السلاح. فقد شعر الحوثيون بالإهانة من الزعيم القبلي ياسر العواضي، الذي تبنّى مطالب أهالي الدم، ووجه نداء استغاثة أو ما يعرف بـ"النكف القبلي" للقبائل المجاورة في البيضاء ومأرب وشبوة لنجدته ضد من وصفهم بـ"الطغاة"، احتجاجاً على هتك الأعراض وإهانة قبائل البيضاء.
ويبدو أن المعركة ستكون اختباراً جديداً لرجال الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فالشيخ ياسر العواضي، الذي يتقلد منصب الأمين العام لحزب المؤتمر المفكك على ثلاث نسخ تبدأ من صنعاء وتنتهي بالرياض وأبوظبي، يحظى بشعبية داخل أوساط الحزب، وتقدّمه لمقارعة الحوثيين، قد يشكل دفعة معنوية لأنصار صالح ويجعلهم يقومون بترتيب صفوفهم المبعثرة منذ أحداث ديسمبر/كانون الأول 2017 (تاريخ تصفية صالح)، وهو ما لا يتمناه الحوثيون. بالتالي يسعى الحوثيون لاستعراض قوتهم في معركة من المؤكد أنها غير متكافئة بالمطلق مع قبائل آل عواض، لكن الهدف الرئيسي منها هو تركيع العواضي، مع ظهور المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، مساء أول من أمس الأربعاء، واصفاً الشيخ بـ"المرتزق"، و"العامل مع التحالف السعودي الإماراتي"، في مقابل توجيه الثناء لمن وصفهم بـ" أحرار وشيوخ آل عواض".
وحشد المتحدث العسكري للحوثيين، سلسلة من المبررات لإطلاق المعركة، متهماً العواضي بـ"الاعتداء على المواطنين ومواقع مسلحي الجماعة بمساندة من قبل تحالف العدوان السعودي الأميركي، بكل أنواع الدعم المالي واللوجستي والتسليح والتدريب والانتشار في الجبال والتحريض الطائفي والمناطقي".
وادّعى سريع أن العواضي سعى لتفجير الوضع في المنطقة من دون أي مبرر، غير الانسياق مع دول التحالف وتنفيذ أجندتها، بعد أن تسلّم مساعدات عسكرية وأموالاً وسلاحاً ورفض كل الوساطات من شيوخ القبائل، كما وصفه بأنه من "قطاع الطرق وأدوات العدوان".
وخلافاً للرواية الحوثية، أعلن العواضي، أنه كان يسعى للسلام وحقن الدماء بكرامة وشرف، لكن بعد استهداف الجماعة لمنطقة ردمان بقذائف صاروخية في ظل الوساطة ووجود شيوخ البيضاء، كان لزاماً دعوة آل عواض وكافة تحالف القبائل الموالية لها، للاحتشاد فوراً وتشكيل سرايا محور ردمان الدفاعية. ومن حسابه على "تويتر" الذي يتابعه نحو 800 ألف، أطلق العواضي دعوة للقبائل بالمحافظات المجاورة باللهجة العامية الدارجة، وقال "أدعو الجميع لفزعة قبلية خالصة لاتخاذ القرار الذي يرونه حال وصولهم إلى ردمان ومن تأخر وفى، ومن حضر كفى، ومن وصله البلاغ أخبر ذا وصله النابي، ولا نامت أعين الجبناء"، وهي دعوة تُعرف بـ"النكف القبلي".
وعلى الورق، تبدو المعركة غير متكافئة بين الحوثيين وقبائل آل عواض، فالجماعة التي عملت على امتصاص ثورة الغضب القبلية عقب مقتل الأصبحي رغم توافد المئات حينها، راوغت أيضاً من أجل دراسة حظوظ المعركة وإحكام القبضة على مديرية ردمان آل عواض، فلا يكون بمقدور قبائل أخرى تلبية دعوة العواضي. وحول مراوغات الحوثيين، يشرح مصدر قبلي في البيضاء لـ"العربي الجديد" ، أن القبائل "لم تكن تتوقع أن يسلم الحوثيون الجناة، لكنها أرادت العمل بعاداتها وهو مجاراة الكاذب حتى النهاية وإحراج الجماعة، التي واجهتهم بنكث الوعود والرفض المطلق".
وفيما تزايدت المخاوف لدى غالبية المناهضين للحوثيين من وأد سريع لانتفاضة قبائل البيضاء وتكرار سيناريو انتفاضة الرئيس السابق صالح التي انتهت بمقتله، في ظل صعوبة خطوط الإمداد، يكشف مصدر مطلع في البيضاء، أن مخططات الحوثيين بإحكام الحصار الكامل على ردمان أثناء سير المفاوضات الوهمية، فشلت بشكل ذريع بسبب معرفة القبائل نوايا الجماعة. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الطرق لا تزال مفتوحة إلى ردمان آل عواض من مديرية قانية عبر منطقة حوران. وتحاذي مديرية ردمان، مديرية الوهبية التي تشهد معارك بين الجيش الوطني والحوثيين، كما تحاذي الجريبات ونعمان.
ويشير المصدر إلى أن "هناك خطوط إمداد عدة لوصول القبائل الأخرى، لكن أقربها هو الممتد من قانية إلى حوران ثم ردمان آل عواض، وخلال رمضان الأخير (من الأسبوع الثالث في إبريل/نيسان إلى الأسبوع من مايو/أيار الماضيين) حاول الحوثيون تحقيق مكاسب في قانية من أجل حصار قبائل آل عواض من دون أن ينجحوا". ويقول إنه "في حال لبّت قبائل يافع دعوة العواضي، فسيتوجب عليها الاتجاه إلى شبوة أولاً من أجل الوصول إلى مديرية ردمان آل عواض، التي تبعد عن مدينة البيضاء، عاصمة المحافظة، نحو 80 كيلومتراً".
وينظر الشارع اليمني بحذر للتطورات الحاصلة في البيضاء، قياساً على تجارب مُرّة في انتفاضة قبائل حجور في محافظة حجة، أو ما عُرف بـ"انتفاضة صنعاء" التي قام بها الرئيس السابق صالح ولم تستمر سوى 48 ساعة. وتعرب السياسية اليمنية، بلقيس اللهبي، عن مخاوفها إزاء أحداث آل عواض ودور القبائل بشكل عام، معتبرة في تغريدة على "تويتر" أن "أكثر ما أخشاه من حركة آل عواض هو قتل أمل التغيير في نفوس عموم اليمنيين ودفعهم لليأس من أي عمل مقاوم".
ولا يُعرف ما إذا كانت الحكومة الشرعية ستدعم بشكل رسمي تحالف قبائل آل عواض في معركتهم ضد الحوثيين أم لا، لكن القوات الحكومية تستميت في الدفاع عن منطقة قانية كونها خط دفاع رئيسيا لمأرب، كما أن إطالة أمد المعركة مع قبائل البيضاء قد تستنزف جماعة الحوثي، وتخفف الضغط الكبير على المناطق الشمالية من محافظة مأرب النفطية.
ومساء أول من أمس الأربعاء، اكتفى رئيس الحكومة الشرعية، معين عبد الملك، بإرسال دعم معنوي لقبائل البيضاء. ووصف، في تدوينة مقتضبة على "تويتر"، البيضاء بأنها "درع الجمهورية وروحها، ومقاومة للإمامة عبر التاريخ، فضلاً عن كونها في قلب المعركة الحالية منذ اليوم المشؤوم في 21 سبتمبر/أيلول 2014"، في إشارة إلى تاريخ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء والانقلاب على السلطة.