[ الكاتب الصحفي أحمد الشلفي ]
لي وقفة اليوم مع كتابة التاريخ الوطني اليمني شماله وجنوبه عقب نقاشات دارت حول مسؤولية المشاركين في الأحداث على كتابة مذكراتهم لتكون سيرة ذاتية للأجيال القادمة.
فخلال الخمسين سنة الماضية لم تلتزم الدولة أو الهيئات العامة أو الخاصة بمسؤولياتها تجاه التراث الثقافي والتاريخي والشخصي ويبدو أن ذلك مستمر حتى اللحظة عدا مساهمات شخصية وقليلة جدا.
وقد ظل الهاجس الذي يلح على كثيرين خلال السنوات الماضية كيفية تشجيع المشاركين في الأحداث على كتابة سيرهم أو تجاربهم وخاصة أولئك الذين كان لهم دور في الأحداث اليمنية خلال ماقبل ثورة سبتمبر وما بعدها فعند التنقيب عن أحداث الثورة منذ 48م و55م وثورة 26م سبتمبر62م حتى يومنا هذا لا تجد في المكتبة اليمنية من المذكرات الشخصية الكثير.
غلاف مذكرة الرئيس القاضي عبدالرحمن ين يحيى الإرياني
أما الدراسات والبحوث حول تلك الأحداث الوطنية فقد تجد الكثير منها .
لقد كنت كل ما جاءت ذكرى عيد من أعياد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لا أجد مما كتبته شخصياتها ما يكفي لإشباع نهمي حول الثورة في اليمن وأحداثها منذ بدأت حتى تدخل المصريين وما آلت اليه بعد ذلك.
وفي خضم بحثي عن مذكرات تقنعني تماما وجدت مذكرات الرئيس عبد الرحمن الأرياني وقد قرأتها بشغف شديد واعتبرها أبدع وأفضل ما كتب عن الثورة اليمنية قبل وبعد وإثناء ،وحين سألت عن الجزء الثالث قيل إنه جاهز ولكنه لم يطبع ولا أتذكر الأسباب .
غلاف كتاب الثقافة والثورة في اليمن للبردوني
لكن ما كتبه القاضي عبدالرحمن الإرياني وهو أحد أبرز ثوار سبتمبر وأحد رؤساء اليمن اتسم بكثير من الإنصاف للأشخاص وللأحداث وحفل بالكثير من الخفايا لتحركات الثوار قبل الثورة واتجاهاتهم وكذلك للتدخل المصري والسعودي في الثورة بعدها وقبلها وأثناءها .
وفي الجزء الثاني من كتابه بدا الإرياني أكثر ثورية ورفضا للدور المصري الذي توغل بعد الثورة فأصبح الآمر الناهي وأصبح الرئيس عبد الناصر ومن وراءه أنور السادات وعبدالحكيم عامر الممسكون بمقاليد الحكم في اليمن ولم يكن الرئيس السلال سوى الواجهة فحسب.
كتاب ثورة اليمن الدستورية
وكانت للإرياني مواقف ورسائل ولقاءات مع جمال عبدالناصر قال فيها رأيه حول طبيعة وأداء القوات المصرية في اليمن وحكى قصصا من بينها اعتقال عبدالناصر للحكومة في القاهرة وبعدها وكذلك ما آلت إليه الأمور بعد ذلك من اتفاقات بين فيصل ملك السعودية وعبدالناصر بشأن اليمن دون علم الحكومة اليمنية آنذاك.
رسم الإرياني الأحداث والشخصيات كالزبيري والنعمان وأورد الوثائق والصور والحوارات وقدأبدع وهو يصف الشهيد الزبيري كقائد وثائر وشاعر ورسم لحظة مقتله الحزينة.
كتاب أسرار وثائق الثورة اليمنية
ما أريد أن أقوله أن قلة قليلة ممن شاركوا في الأحداث اليمنية الكبرى كتبوا مذكراتهم وحتى حين كتبوها فلم تكن بالمستوى المطلوب أوردا على مذكرات أخرى، كما ذكر الأستاذ عبدالله البردوني في كتابه الثقافة والثورة في اليمن حول كتاب تنظيم الضباط الأحرار الذي كتبه بعض الضباط ردا على كتاب عبدالله جزيلان التاريخ السري للثورة اليمنية او كتاب ثورة اليمن الدستورية الذي كتبه ضباط بينهم عبدالله السلال.
ما كتبه القاضي الإرياني يشكل نموذجا واضحا وثريا لكتابة تاريخ الثورة اليمنية وهذا مانحتاجه اليوم ليس فقط في إحياء ذكرى ثورة قريبة عمدت بدماء أبناء هذا الجيل 2011م ولكن ثورات وأحداث اليمن جميعها التي تظل شاهدا على حجم تضحيات الأمة اليمنية وآلامها.
غلاف كتاب التاريخ السري للثورة اليمنية
مما لفت نظري وأنا أقرأ مذكرات الإرياني عن الدور المصري في اليمن أنه بعد سنوات من ثورة سبتمبر أصبح تدخلا في شؤون البلاد كما يحدث اليوم من قبل السعودية والإمارات مع الفارق طبعا ،أعرف أن هذا سيغضب الكثيرين من مؤيدي دور مصر في اليمن في تلك الفترة لدعم الثورة ضد الأئمة لكن المخرجات في ذلك الوقت كما رواها الرئيس الإرياني تشبه ما يحدث اليوم ولو كنا وساستنا قرأنا التاريخ جيدا وكتبناه كما ينبغي وكما رآه من عايشه لما وقعنا في هذا الزلل العظيم وهو الاستنجاد بدولة عرفت بتآمرها على اليمن واليمنيين مثل السعودية.
ليس هذا وقت الحديث عن التدخلات الخارجية لكن التاريخ يعيد نفسه .
جمال عبدالناصر
أما التدوين والتاريخ فله مؤسساته وأقلامه وآمل يوما أن أكون جزءا من مؤسسة كبيرة تهتم بالتاريخ اليمني ماضيه وحاضره وتخليد شخوصه وأحداثه فهذا واجب على كل من يستطيع في وقت يضيع تاريخنا وينهب ويسرق على مرأى ومسمع.
أعود غدا من جديد لمواصلة مقالاتي وخواطري حول ثورة وشخوص فبراير2011م