[ غرق وكوارث وفوضى في عدن في ظل سيطرة الانتقالي الجنوبي وتواجد القوات السعودية ]
لا يكترث السكّان في عدن (جنوب اليمن) لإعلان «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المدعوم إماراتياً، الإدارة الذاتية، أو لصراعه المستدام مع ما يسمى «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي) المدعومة من السعودية، أو لعدائه البغيض مع حزب «التجمّع اليمني للإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن). لا يهتم العدنيون لادعاءات «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» بشأن التقديمات والهبات التي لم يسمعوا بها إلا من خلال الترويج والدعاية الإعلامية، فيما لا أثر لها على الأرض، ولا يشعر الناس بنفعها أبداً.
عدن، في ظل الإدارة السعودية، منكوبة على كل الأصعدة؛ الطبيعية والصحّية والاجتماعية والأمنية، فضلاً عن انتشار الجريمة والعصابات المنظّمة ومنظّمات السطو على الأملاك العامّة والخاصّة ووضع الأيادي على أراضي المدينة والبناء عليها بشكل عشوائي يهدّد السلامة العامة والبيئة والمعالم التراثية والحضارية لها. أدّت إدارة النظام السعودي لاقتصاد البلد إلى الانهيار، وهدّدت الأمن الغذائي والدوائي، وجفّفت عمداً الموارد المالية، منها تعطيل عملية إنتاج النفط والغاز وتصديرهما وإغلاق المطارات والموانئ البرّية والبحرية، والتحكّم من خلال أزلامها في تحصيل الروافد المالية للدولة (جمارك، ضرائب، رسوم المركبات والآليات) وغيرها من الموارد. تقف السعودية في المحافظات التي تسمّيها «محرّرة» في جنوب اليمن متفرّجة على الكوارث الطبيعة (السيول) وعلى انتشار الأوبئة، ومنها وباء «كورونا»، من دون أن تحرّك ساكناً.
وسط هذا المشهد، يخرج من يتاح لهم من أهالي عدن الخروج من بين المستنقعات والبرك ومخلّفات الفيضانات الأخيرة للتنديد بالسياسات السعودية، وهي احتجاجات شهدت تصعيداً مساء أمس. لا تزال المياه الراكدة والآسنة، الناتجة عن الفيضانات والسيول التي اجتاحت مدينة عدن ومديرياتها في 21 نيسان الماضي، تتصدّر على حساب ما عداها من قضايا. المستنقعات وبرك المياه الضحلة، المتّصلة بمجارير الصرف الصحّي، تنتشر في كل مكان، وقد أدّت إلى انتشار الروائح الكريهة في عموم المدينة وخلقت بيئة مؤاتية لتكاثر البعوض والحشرات الناقلة للأوبئة. وفيما كُشف أن مديري المديريات في عدن تلقّوا مبالغ مالية من حكومة هادي بهدف سحب برك المياه، إلا أن شيئاً من هذا لم يتم. ومع مرور الوقت، تجف تلك المستنقعات والبرك وتؤدي إلى كارثة أخرى هي انتشار الغبار والأتربة في الهواء، ينتج عن استنشاقها أزمة ضيق تنفّس حادّة، ولا سيما لدى أصحاب أمراض الربو وكبار السن والأطفال. وممّا يفاقم الأزمة انقطاع التيار الكهربائي عن معظم مديريات المدينة، فيما تتعرّض باقي المديريات لتقنين حاد.
وقد انتشر في عدن ومديرياتها العديد من الأوبئة والأمراض، أحصي منها أربعة: وباء «كورونا»، وحمى الضنك، ومرض الشيكونغونيا، ووباء الملاريا. وقد أحصيت عشرات حالات الوفاة بهذه الأمراض. وقال ناشطون أمس إن الوضع الصحّي في عدن خرج عن السيطرة، ونشروا أشرطة فيديو من المقابر وهي تستقبل من 6 إلى 10 حالات وفاة كل ساعتين، بينما لا يزال الإعلان الرسمي لوباء «كورونا» في عدن حالتي وفاة فقط.
وحذّرت منظّمة الصحّة العالمية، أمس، من أن «كورونا» سيظّل تهديداً كبيراً لسكّان اليمن والنظام الصحي المتعثّر، إذا لم يتم تحديد حالات الإصابة وعلاجها وعزلها وتتبُّع مُخالِطيها على النحو السليم، حتى وإن كانت حالة واحدة. وأضاف مكتب المنظّمة في إقليم شرق المتوسط، في بيان، أنه «حتى الآن، ثمّة سبع حالات إصابة مؤكدة بمرض كوفيد - 19 في المحافظات اليمنية الجنوبية، منها حالتا وفاة، وفقاً لتصريحات السلطات الوطنية، ولم يتم إبلاغ المنظمة رسمياً بأي حالات أخرى، ولكن نتوقّع أن الفيروس ينتشر بنشاط على مستوى البلد».
ووجّه القائمون على المحجر الصحي في عدن نداء استغاثة مطالبين المعنيين الحكوميين ومنظّمة الصحّة العالمية بتزويدهم بالمستلزمات الصحّية اللازمة لمواجهة تلك الأمراض. ولا يزال العديد من مستشفيات عدن، الخاصة والحكومية، متوقّفاً عن العمل بسبب غرق الطوابق السفلى بالمياه ولعدم وجود تجهيزات الوقاية والحماية للطواقم الطبّية والتمريضية. وعلى ضوء ذلك خرج محتجّون في الأحياء الرئيسية مردّدين شعارات ضد «الشرعية» و«الانتقالي» والتحالف السعودي - الإماراتي.
وتطوّع ناشطون، بتمويل من تجّار المدينة، في عملية شفط للمياه (الأمطار والمجاري)، إلا أن الكمّيات الموجودة أكبر من إمكانية المتبرّعين المحدودة. وأمس، اقتحم شبّان غاضبون مخازن وزارة الصحّة في مديرية كريتر وأخرجوا أدوات الرش من المخزن وتم تنفيذ حملات رش بجهود شبابية في المديرية.
تجدر الإشارة إلى أن «الانتقالي» أعلن منذ 10 أيام الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية، على خلفية اتهام حكومة هادي بالفساد والتقصير عن القيام بواجباتها الوظيفية تجاه المواطنين. إلا أن «الانتقالي»، وبدل أن يتفرّغ لمعالجة الكارثة الطبيعية في عدن وكيفية التصدي لوباء «كورونا»، حرّك قوّاته العسكرية في جزيرة سقطرى وفتح معركة تهدف إلى السيطرة على الجزيرة، وهي تحرّكات وضعها مراقبون في سياق خدمة الأجندة الخاصّة بدولة الإمارات.