شرعنت مليشيا الحوثي عمليات تهريب الدواء في اليمن ووجهت السلطات الصحية الخاضعة لسيطرتها بتشجيع ملاك الصيدليات على توفير الدواء عن طريق التهريب لسد النقص الحاد في سوق الأدوية.
وقالت مصادر رسمية يمنية لـ "العربي الجديد"، إنه في ظل الحرب ورغم الحظر البحري والبري المفروض من قبل التحالف إلا أن تهريب الدواء يشهد انتعاشا، حيث تشيع تلك العمليات عبر السواحل الغربية والشرقية لليمن وعبر منافذ برية، وعبر المنافذ الجوية من خلال تجار التجزئة أو من يطلق عليهم "تجار الشنطة"، وكذلك عن طريق ميناء المخا الذي يعد أحد المنافذ البحرية الرئيسية.
ويقع ميناء المخا على الساحل الغربي لليمن المطل على البحر الأحمر ولا يزال تحت سيطرة جماعة الحوثيين، وتحول إلى محطة لتهريب الدواء والسجائر والكحول والمشتقات النفطية.
منافذ التهريب
وأكد مسؤولون يمنيون أن طرق التهريب تطورت في ظل الحرب حيث يبتكر المهربون وسائل جديدة لتهريب الدواء.
وأوضح نائب مدير عام مكافحة التهريب بالجمارك حسان غلاب أن أشهر عمليات التهريب تلك التي يقوم بها الأشخاص القادمون من السعودية عبر منفذ الوديعة البري.
وقال غلاب لـ "العربي الجديد" إن من بين أشهر الطرق أيضا التهريب باستخدام الدراجات النارية والسيارات لنقل الأدوية المهربة من الحدود البحرية المحاذية للحدود البرية، وهي طريقة تكثر في عمليات التهريب النشطة التي تتم عبر الحدود البحرية لدول الجوار الأفريقي (جيبوتي –الصومال- أريتريا) من خلال طريق ميناء المخا أو من الخوخة أو بالساحل المحاذي له.
وفضلا عن ذلك، تقوم عصابات بعمليات تهريب مباشرة من جوار منفذ شحن بري بمحافظة المهرة (جنوب شرق اليمن) حيث توجد طرق للسيارات على مسافات قريبة من الجمرك يستخدمها بعض أهالي البدو النشطين في مجالات التهريب المختلفة، وفق غلاب.
واعتبر نائب مدير عام مكافحة التهريب بالجمارك، أن تهريب الأدوية يؤثر سلبا على الاقتصاد اليمني المتهاوي، حيث يحرم خزينة الدولة من مبالغ كبيرة في ظل وجود عجز دائم في الموازنة العامة للدولة، فضلا عن الاختلال الكبير في مبدأ المنافسة بين التجار الذين يدفعون الرسوم الجمركية والضرائب وبين المهربين الذين لا يدفعون أية رسوم.
فقه الضرورة
وأكد صيادلة ومالكو مخازن للأدوية في صنعاء لـ "العربي الجديد" ازدهار عمليات تهريب الدواء في ظل الحرب بعد شرعنة الحوثيين لتهريب الدواء بهدف سد النقص في السوق المحلية التي تعاني شح الأدوية.
وأوضح الصيادلة أن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن اليمني يدفعه إلى شراء السلع الرخيصة الثمن، ولذا فإن المرضى يقبلون على شراء الأدوية المهربة بسبب رخص أسعارها مقارنة بالأدوية المصرحة.
ويؤكد الصيدلاني ابراهيم الكبودي أن 50% من الأدوية المهربة في السوق اليمنية مجهولة المنشأ وغير مأمونة الجودة والفعالية، وإلى جانب عواقبها الصحية فهي تضر بالاقتصاد الوطني والصناعات الدوائية.
وقال الكبودي لـ "العربي الجديد": "المتتبع للأدوية في الصيدليات يلاحظ الانتشار الكبير والتنوع في الأشكال، فقد أصبح السوق المحلي غارقا بمثل تلك الأدوية بمختلف مسمياتها وهي متداولة لدى كثير من الصيدليات وبأسعار غير محددة، وشجع على ذلك مباركة الجهات الرسمية وظروف الحرب والوضع الاقتصادي والأمني".
ويشير تقرير صادر عن الهيئة اليمنية للأدوية والمستلزمات الطبية إلى أن اليمنيين ينفقون على الأدوية المصنعة محلياً والمستوردة من خمسين بلداً عربياً وأجنبياً نحو 117 مليون دولار سنوياً.
وتفيد إحصائيات لمنظمات طبية مدنية أن سوق تهريب الأدوية كان يشكل ما نسبته 60% من حجم سوق الدواء اليمني لكن التقديرات تشير إلى ارتفاع الدواء المهرب إلى 80% من مجموع سوق الدواء خلال فترة الحرب.
نقص الدواء
وقال أحمد العديني مالك صيدلية بصنعاء، لـ "العربي الجديد"، إن الحرب أفضت إلى شح الدواء في السوق وارتفاع أسعاره، فضلا عن انعدام العديد من الأصناف المهمة خصوصا الأدوية المنقذة للحياة، وهي عوامل دفعت أصحاب الصيدليات وشركات الأدوية إلى تهريب الأدوية لتغطية النقص.
وأدت الاضطرابات في اليمن إلى زيادة إقبال المرضى على شراء الدواء من الصيدليات بدون استشارات طبية، وحسب منظمة الصحة العالمية فإن المرضى في اليمن يواجهون قيودا في الحصول على الخدمات الصحية منذ تصاعد النزاع، حيث انخفضت أعداد الاستشارات الطبية في المرافق الصحية بنسبة 40%.
وقالت منظمة الصحة العالمية، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن النظام الصحي في اليمن انهار، مشيرة إلى أن ملايين اليمنيين تعرضوا للخطر بفعل الحرب.
صناعة متهالكة
ولا يزال مصنع الأدوية التابع للشركة الدوائية الحديثة بصنعاء يعمل رغم الحرب والصعوبات في توفر المواد الخام، وهو واحد من ثلاثة مصانع يمنية لإنتاج الدواء لا تزال مستمرة في العمل، فيما توقفت 4 مصانع أخرى بشكل كامل لوقوعها في مناطق الاقتتال المحلي أو بجانب معسكرات تتعرض لغارات طيران التحالف العربي.
وأوضح مدير المبيعات في الشركة عبد الله شرف أن رأسمال الشركة يبلغ سبعة ملايين دولار وأنها تنتج أكثر من 70 صنفا دوائيا من خلال خمسة خطوط لإنتاج الشراب الجاف، الأقراص، الكبسولات، الفوارات والمطهرات توزع في جميع المحافظات وعدد من دول الجوار.
وقال شرف لـ "العربي الجديد": "أدت الحرب إلى تخفيض إنتاج المصنع للنصف ولم يعد قادرا على العمل بكامل طاقته الإنتاجية بسبب صعوبة وصول العمال وعدم توفر المواد الخام".
وتقتصر صناعة الدواء في اليمن على المضادات الحيوية بأنواعها والأدوية المعالجة للحرارة والمنشطات الجنسية والمسكنات.
وأدت الحرب إلى توقف 70% من صناعة الدواء المحلية، نتيجة مخاطر الحرب وصعوبة وصول المواد الأولية المكونة للأدوية بحسب رئيس الاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية إحسان الرباحي.
وقال الرباحي لـ "العربي الجديد" إن معظم مصانع الدواء توقفت فعليا، فيما لا تعمل تلك التي لم تتوقف بنصف قدراتها الإنتاجية، ما يكبد هذه المصانع خسائر مالية باهظة. وتشير التقديرات الأولية إلى خسائر تبلغ 50 مليار ريال (حوالى 232 مليون دولار) منذ 2011.
واعتبر الرباحي أن توقف الإنتاج المحلي لا يشكل فارقا كبيرا بالنسبة لسوق الدواء حيث إن الناتج المحلي لا يغطي سوى 5% من احتياجات السوق، وأن اليمن يعتمد على استيراد ما يقارب 95% من الأدوية التي يحتاج إليها.
وأكد الرباحي أن تداعيات الحرب أدت إلى تسريح العشرات من الموظفين والعمال في مصانع الأدوية.