[ الخيارات أصبحت محدودة للغاية لتوفير لقمة العيش (الأناضول) ]
مع اشتداد الأزمة المعيشية التي تجتاح اليمنيين بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو خمس سنوات، وجدت مقتنيات العديد من الأسر، من أجهزة منزلية وكهربائية وإلكترونية وأثاث، طريقها إلى أسواق الحراج (أسواق الأدوات المستعملة)، لبيعها بمبالغ زهيدة، لكنها أضحت ضرورية لمواجهة احتياجات معيشية ملحة.
وأجبرت الحرب وما رافقها من ترد للأوضاع المعيشية وغياب الخدمات وتوقف الأعمال وانقطاع المرتبات الكثير من المواطنين على البحث عن أي طرق أو وسائل للبقاء وتوفير سيولة مالية تمكنهم من الإيفاء بالتزاماتهم الضرورية اليومية.
وتتكدس في "حراج الصافية" للأدوات المستعملة الشهير وسط العاصمة اليمنية صنعاء، مختلف الأصناف والأدوات المنزلية، التي يقوم تجار وملاك المحال التجارية بشرائها من المواطنين بنصف قيمة السلعة التي لا تزال نظيفة وحديثة ولم يمض الكثير على استخدامها واستهلاكها، كما يقول التاجر عبد القادر الضبيبي.
بينما تباع السلعة المستهلكة كثيراً، حسب حديث الضبيبي لـ"العربي الجديد"، بحوالي ثلث قيمتها أو الاتفاق مع البائع على مبلغ محدد للشراء.
ويضطر مواطنون إلى بيع مقتنياتهم والقبول بالمبلغ الذي يحدده التاجر بدون أي تردد أو تذمر، حسب ما جرى للمواطن أنيس محمد (55 عاماً)، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنه وافق على بيع شاشة تلفزيونية وغسالة وفرن لصناعة المأكولات بحوالي 100 اَلف ريال رغم أن قيمتها الحقيقية تزيد على 350 اَلف ريال (الدولار حاليا يساوي 597 ريالا)، وذلك لتوفير تكاليف نقل وعلاج زوجته في أحد مستشفيات صنعاء ومتطلبات معيشية ضرورية.
وكما هي مهمة للأسر المعوزة الباحثة عن سيولة نقدية، تعد أسواق الحراج من أهم الأسواق التجارية في اليمن بالنسبة لمحدودي الدخل، الذين يجدون فيها ملاذاً مناسباً لتجهيز منازلهم.
ويؤكد جمال الكتان (38 عاماً)، أنه باع 70 في المائة من مقتنيات منزله منذ أن توقف راتبه كموظف مدني في وزارة الزراعة والري نهاية 2016 وعدم حصوله على عمل ثابت، لهذا كان مجبراً من وقت لآخر، كما يقول لـ"العربي الجديد"، على بيع بعض المقتنيات لتسديد إيجار المنزل أو لدفع فواتير المدرسة الأهلية، التي اضطر لتعليم ابنه الطالب في الصف الخامس الابتدائي فيها، رغم تكاليفها الباهظة بسبب الشلل الذي أصاب المدارس الحكومية، بعد توقف صرف مرتبات المعلمين.
ويعيش نحو 600 ألف موظف حكومي للعام الثالث على التوالي في معاناة قاسية بسبب توقف مرتباتهم وانقطاع السبل بهم لعدم وجود أي مصادر دخل أخرى تعينهم على قضاء حوائجهم، إذ يعيلون أُسراً يقدر عدد أفرادها بنحو 5 ملايين، بينما وجد نحو مليوني عامل أنفسهم على رصيف البطالة نتيجة توقف الأعمال، وفق تقديرات منظمة العمل الدولية.
ومع إطالة أمد الحرب والصراع وتفاقم الأزمات المعيشية وصلت قدرة المواطنين اليمنيين على الصمود إلى منتهاها مع غياب مصدر ثابت للدخل لمعظمهم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتردي الخدمات الأساسية، وندرة فرص العمل، الأمر الذي دفع بالكثير من اليمنيين لإيجاد أي طريقة للبقاء في وجه هذه الأزمة المعيشية، كما يقول الباحث الاقتصادي بلال أحمد.
ويضيف بلال لـ"العربي الجديد"، أن في هذه الأسواق الخاصة بالأدوات المستعملة تتجسد معاناة اليمنيين الذين تقطعت بهم السبل ولم يجدوا سوى بيع مقتنياتهم لتلافي أي انهيار أسري قد يحصل، وخصوصاً أن الخيارات أصبحت محدودة للغاية لتوفير لقمة العيش ومختلف متطلبات الحياة اليومية.