[ هنا مطار مأرب الدولي هنا قناة “العربية كوميدي”! ]
لا أحد هناك يطمئنا على منتهى الرمحي، مذيعة قناة «العربية»، بعد اللقطة الأهم في تاريخها المهني، ومنذ ظهورها التلفزيوني وإلى الآن، حيث دخلت وهي على الهواء مباشرة في «نوبة ضحك»، هي أفضل من مئة مقال متخصص في كشف زيف رسالة هذه القناة، وأثبتت أن مذيع نشرة الأخبار، ليس جماداً لا يتأثر، فقد تأثرت وعبرت عن الموقف أبلغ ما يكون التعبير! كان «مراسل الصحراء» في القناة ينقل رسالته من منطقة صحراوية جرداء خاوية على عروشها، وقد أصر على أنها «مطار مأرب الدولي»، الذي شيدته المملكة العربية السعودية، ضمن خطتها لإعمار اليمن، والذي يقع على مساحة 32 كيلو متر مربع. في البداية قال إنه مطار سيشيد، لكن أخذه الحماس بعيداً، فقال إنه تم تنفيذ المرحلة الأولى، وبدأت المرحلة الثانية لمطار «مأرب الدولي»، الذي سيمثل نقلة مهمة لمنطقة سبأ ولليمن كله.
ولم ينس وهو يحيل الهواء إلى الأستوديو، من أن يذكر أنه «محمد العرب من مطار مأرب الدولي»، مع أنه كان في صحراء خاوية، ليس فيها ما يؤكد أنه في مطار دولي أو محلي، أو أن هناك عملا يتم وقد وصفه بأنه «يجري على قدم وساق»! وتنظر على «مدد الشوف» فلا تشاهد إلا رمالا، وشخصين يقفان بعيدا، من الواضح أن وقوفهما وعدم النظر في أي اتجاه آخر «لزوم التصوير»، ولا يوجد ما يؤكد أنه فعلا في «مأرب».
كان يمكنه أيضاً أن يقول إنها صورة لصحراء نجد قبل العمران، الذي تم على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز آل سعود.
وإن كان لا يصلح مع الأمر وصفه بالمطار، إلا أنه ختم أنه «محمد العرب من مطار مأرب السري»، الذي لا يُرى بالعين المجردة، خوفاً عليه من الحسد، والعين كما ورد في الأثر فلقت الحجر!
اللافت أن «محمد العرب» يملك حنجرة قوية، وصوتاً أجشاً، وأنه يؤدي رسالته في حماس منقطع النظير، حتى يكاد لفرط حماسه أن يدفع المشاهد إلى تصديق أنه يقف في برج المراقبة في مطار «مأرب الدولي»، وأن الرمال، التي يراها المشاهد هي نتاج خداع بصري، لحماية المطار من قصف الحوثيين!
وإزاء الافراط في الحماس، ورسالة الحرب هذه، كان الرد البليغ هو ما فعلته «منتهى الرمحي» بدخولها في وصلة ضحك متواصلة، حالت دون قراءتها نشرة الأخبار، فابتعدت عنها الكاميرا لتضع على الشاشة عناوين الأخبار، لكن ضحكها، رغم هذا يصل للمستمع، وهي تحاول أن تستعيد لياقتها، بدون جدوى، وتأتي بها الكاميرا من بعيد لتختم هذه النشرة، فاذا هي على حالها مستغرقة في الضحك!
الإنجاز العسكري الكبير
هي حالة مررت بها، عند التعليق على الإنجاز العسكري الهائل الخاص بعلاج الايدز بالكفتة، وكان الأمر كله عبثياً، فقد حرص «العسكر» على أن يظهروا في الصورة لنسبة الإنجاز إليهم وإلى المصانع الحربية، وقد ظهر المخترع عبد العاطي بزي عسكري، وقد منح رتبة اللواء، وفي لحظة هذا النقل، كان معنا في الأستوديو، أحد المدافعين عن الانقلاب العسكري، الذي كان يجلس بجواري وهو يكلم نفسه، وقد دخل في حالة من الهذيان عن ثقل مهمته في الدفاع عن هذه المواقف، التي وصفها بالوصف الشعبي الدارج «بايخة»، فماذا يمكنه أن يقول؟ وكيف يدافع عن هذا المشهد الرديء، فلما أذيع ضمن التقرير أن الدكتور عصام حجي، المستشار العلمي للرئيس المؤقت «عدلي منصور» قد استقال احتجاجاً على هذا العبث. قال صاحبنا «كملت» بكسر الكاف، فلهذا كله دخلت في «نوبة ضحك»، وحاولت الخروج منها وفشلت، وتذكرت حديثا قديما للشيخ الشعراوي مفاده، عندما تضحك إذا نظرت إلى أصابعك فسوف تتوقف في الحال، وربط هذا بعملية خلق أدم، وحديث لم أعد أتذكر منه إلا النظر إلى الأظافر!
نظرت وتوقفت فعلا، لكن ليس معقولاً أن أظل هكذا، وكان «عثمان آي فرح» هو من يدير الفقرة، وهو انسان لماح وخفيف الظل وابن نكتة (أو هكذا كان في مرحلة قبل الزواج)، وإليه ينسب اختزال المشهد كله في «العلاج بالكفتة»، فقد كان حديث اللواء أركان حرب عبد العاطي عن «صباع الكفتة» من باب المجاز، لكن في اختتام التقرير سألني عن رأيي في هذا الاكتشاف بالعلاج في الكفتة، فاندفعت في ضحك هيستيري لم يكن توقف قبل السؤال.
لكني لست مذيعاً، وقد أمكن للمذيع أن يعالج الموقف في الانتقال إلى الضيف الآخر، ثم إنني لست مكلفا في قراءة نشرة الأخبار، بما يلزمه هذا من جدية، وفضلاً عن هذا فإن «الجزيرة» ليست هي الراعي الرسمي لاكتشاف العلاج في الكفتة.
وضحك «منتهى الرمحي» يمثل رداً ساحقاً ماحقاً يستهدف رسالة تبثها «العربية» وخبراً ليس عادياً، يتحدث عن انجاز سعودي جبار لصالح اليمن، فهناك خطة لإعادة اعمار هذا البلد، الذي خربه القوم في عاصفة الحزم، وأن بناء «مطار مأرب الدولي» هو جزء من هذه الخطة، فاذا بالجزء كاشف عن الكل، وإذا بالمطار وهو يجري العمل به على قدم وساق، وفي مرحلته الثانية، صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، فماذا إذن عن باقي الخطة؟!
وإذ اعتبرت أن حالة الضحك، التي انتابتني هي أبلغ رد على هذا «الاختراع العسكري»، فإن ما حدث من قبل منتهى الرمحي (على غير إرادة مني أو منها) هو قصف أرض جو، سيجعل من وجودها في «العربية» مسألة وقت، وكيف يبقون عليها وقد جعلت منهم فرجة، ومن لم يشتر يتفرج!
لعنة الجزيرة
أتمنى، بطبيعة الحال، ألا تتعرض الرمحي، لما يعكر صفو استقرارها الوظيفي، وألا تحل بها «لعنة الجزيرة»، وتبدو إلى الآن قد نجت منها، ولـ»الجزيرة» لعنة كلعنة الفراعنة، حلت في كل من عمل بها وغادرها إلا استثناءات قليلة، منها «منتهى الرمحي» التي غادرتها إلى «العربية»، و»نوران سلام» التي تركتها إلى «بي بي سي»، و«عمرو عبد الحميد» الذي يعمل الآن في قناة «تن»، وهي قناة غير مستقرة وعلى «كف عفريت» وكانت مهددة بالإغلاق، لكن الله سلم!
لقد أدخلت علينا الرمحي البهجة، ولا أستطيع أن أنكر أنني شاهدت مقطع قناة «العربية» أكثر من مرة، حيث رسالة محمد العربي «من تحت الماء»، ونوبة الضحك تعليقا عليها، وفي كل مرة أبدو وكأنني أشاهده للمرة الأولى، حتى خشيت لارتفاع صوتي من الضحك في كل مرة، أن يقول الجيران مجنون يسكن هنا!
وهو أمر يستوجب معه أن يطلق على «العربية»، «العربية كوميدي»، ليس لهستيريا الضحك، التي استولت على المذيعة، كرد فعل، ولكن على رسالة «محمد العرب» التي تصلح أداء، وحماساً، وتزييفا، لتكون فقرة كوميدية وجزءا من مسرحية للفنان عادل إمام، فكيف تقبل قناة إخبارية أن تدمر ذاتها بمثل هذه التقارير؟
إن قناة «العربية» لا تهتم إلا بالانتصار اللحظي، ما دامت عاجزة على تحقيق انتصارات استراتيجية، ولم تعد تهمها سمعتها المهنية، فمن الواضح أنه استقر في وجدان القائمين عليها أنها لا تملك هذه السمعة التي تحافظ عليها! وفي ليلة محاولة الانقلاب في تركيا، أثبتت هي وقناة «سكاي نيوز عربية»، أنهما ألة لإنتاج الأكاذيب، ولم تضعا أي احتمال لفشل الانقلاب، وبعد ساعات اكتشف الجميع أن كل ما بثته المحطتان هو أكاذيب وإذا تخلصت القناة الثانية من عارها بحذف هذه الأخبار من أرشيفها، فقد ظلت «العربية» محتفظة بها لفترة طويلة، ربما على أساس ماذا يفيد الشاة سلخها بعد ذبحها، فهذه هي رسالتها، التي لا تحيد عنها، وهو تحقيق انتصار مؤقت ولو لحقت بها الهزيمة بعد قليل!
في يوم «فقرة العربية كوميدي»، كانت «العربية» تبث ما وصفته بالوثيقة المسربة، التي تفيد أن أربعة من مذيعي الجزيرة وأربعة من المذيعات يتقاضون عطايا مالية ضخمة من الديوان الأميري، فإذا بالأخطاء البسيطة، التي كان يمكن تداركها تكشف أنها مزورة بخفة مزور هاو، فإجمالي المبلغ المدفوع خطأ، والعنوان خطأ، والتوقيع خطأ، وبيانات الوثيقة الخاصة في الجزيرة خطأ، والأسماء الثلاثية لعدد منهم خطأ، وفي عالم الجريمة لا توجد جريمة مكتملة، لذا فقد تعاملوا مع اسم عثمان آي فرح على أنه ثلاثي، وأن والده هو «آي» وأن جده هو «فرح»، وهذا ليس صحيحاً، وكان يمكن أن يعرفوا اسمه ثلاثيا، وقد سبق له العمل في «العربية»، لكنه الأداء الذي يفتقد للحماس، الذي ذكرني بمحامي القذافي في القاهرة عندما رفعوا ضدي دعوى قضائية وطالبهم القاضي بأن الدعوى القضائية لا يجوز لها إلا أن تقتصر على الاسم الثلاثي، فألفوا اسما ثلاثياً!
وبعد دقائق من نشر ما سمي بالوثيقة المسربة، وقفت الناس على أنه التزوير البدائي لقناة لا يشغلها إلا تحقيق انتصار لحظي، ولو تحول بعد ذلك إلى فضيحة، لنكون في يوم واحد أمام فضيحتين، وهو أمر يسقط الثقة والاعتبار في التو واللحظة. والمشكلة أن «العربية» لم تعتذر لمشاهديها، ولو من أجل اكتساب مصداقية تقوم باستخدامها في ترويج ما تريد ترويجه في المستقبل، ولو أن القائمين عليها ولاؤهم لقطر لما فعلوا في تدمير القناة أكثر من ذلك!
شكراً «منتهى الرمحي» فقد أضحكتني ونشرت الضحك في المنطقة، وفي ظرف أنا فيه «عبوس قمطرير»، والشكر موصول لفخر العرب مراسل «العربية» من مطار مأرب الدولي «محمد العرب».
إنه أسبوع «العربية» بامتياز!