[ لا تخلو أيّ مدرسة من بائع "مخلوطة" (العربي الجديد) ]
يشتهر اليمن بأطباقه الشعبية المتنوعة ذات المذاق المميّز، والمختلفة على امتداد محافظات البلد، إلى الحد الذي يجعل لكل محافظة أكلاتها الخاصة والتي وإن انتقلت إلى محافظة أخرى، تظل منسوبة لمنطقتها الأولى. أخيرًا، طرأت على سكان العاصمة صنعاء، أكلة جديدة، لعلها خاصة بطلاب المدارس، إذ لا تكاد تخلو مدرسة من بائع، يتزاحم الطلاب على شرائها منه بسعر يناسب مستوياتهم المادية الصعبة. "المخلوطة"، أكلة تهامية، انتقلت إلى صنعاء مع التصعيد العسكري للتحالف السعودي الإماراتي في محافظة الحديدة الساحلية، منتصف العام 2018، لتصبح مصدر دخل لمئات الأسر النازحة، حيث تسبب التصعيد بموجة نزوح بلغت مليون شخص، من إجمالي عدد النازحين داخل البلاد، البالغ عددهم ثلاثة ملايين و850 ألف شخص، بحسب تقرير سابق لـ"الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في اليمن".
كان محمد محلوي (30 سنة)، من أبناء مدينة الحديدة يعمل صياداً قبل إعلان التحالف الحرب على اليمن، لكنه ظل في عمله حتى أطبقت دول التحالف حصارها البحري والجوي والبري على اليمن، فباتت رحلات الصيد تحتمل العودة واللاعودة، "خاصة مع استهداف الطيران لبعض قوارب الصيادين"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، ويضيف: "اشتغلت في سوق السمك حتى اقتربت المواجهات المدينة فنزح الناس وأصاب العمل ركود كبير، فنزحنا إلى صنعاء مع جيراننا، وهنا بدأنا نبحث عن عمل يبقينا على قيد الحياة".
في صنعاء، عمل محمد سائقا لباص أجرة، فيما عمل أخوه عبد الرحمن في صناعة وبيع المخلوطة، لكن ارتفاع أسعار الغاز وتكرار أزمة المحروقات هناك أجبرته على ترك الباص واللحاق بأخيه، يقول محمد: "أصبحنا نعمل أنا وأخي في صناعة المخلوطة لأنني لم أعد أستطيع تحمل تكاليف أسطوانات الغاز كل يوم، إذ بلغ سعر الواحدة من سبعة إلى ثمانية آلاف ريال يمني (الدولار يساوي 590 ريالاً في صنعاء و700 في عدن) في الوضع العادي، وأحياناً تصل الى 12 و13 ألف ريال، فيما دخلي في عمل الباص لا يصل إلى هذه القيمة". واستقر سعر الغاز في السوق السوداء مؤخرا عند 9 آلاف ريال، وفي السوق الرسمية 5 آلاف، على الرغم من تحديد الشركة 4500 ريال. يضيف محمد أن صناعة وبيع المخلوطة مكّناه إلى حد ما من توفير المصاريف اليومية لأسرته الكبيرة، التي تقطن شقة بالإيجار مكونة من خمس غرف، وبسعر 60 ألف ريال (102 دولار). ويردف قائلاً "أما إيجار المنزل فإننا نجمعه بصعوبة، وهناك مصاريف شهرية كالدقيق تأتي بصعوبة أيضاً".
ويعاني النازحون في اليمن من صعوبات الحصول على المأوى والمأكل في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات في المحافظات التي استقبلتهم، الناتج عن جشع ملّاك العقارات وفشل الدولة في ضبط التلاعب بأسعار المساكن، بالإضافة إلى انعدام فرص العمل مع اشتداد الأزمة وارتفاع معدّلات البطالة والفقر والنزوح، وتجاهل المنظمات للمعاناة، والفساد الحاصل في توزيع السلال الغذائية، وانقطاع مرتبات الموظفين في القطاعات الرسمية منذ ثلاث سنوات، علاوة على فقدان آلاف الأسر لأعمالها في مناطق الاشتباكات والقصف.
بالقرب من مدرسة عبد الناصر للمتفوقين وسط العاصمة، يجلس أيمن البُرّْح (17 سنة)، متخذاً من سور المدرسة ظلاً من حرارة الشمس، ويعمل إلى جانب ثلاثة من أبناء الحي الذي نزح منه في الحديدة، بجهود مضاعفة قبل خروج الطلاب خلال فترة الراحة، "حتى يوفّر كمية مناسبة تكفي دون أي تزاحم من الطلاب، لأن التزاحم قد يؤخر عملنا وعودة الطلاب لإكمال يومهم الدراسي"، كما يقول في حديث إلى "العربي الجديد". ويضيف: "كنا نملك مطعماً للوجبات الخفيفة في الحديدة، لكن الحرب أخذت منا رزقنا، والحمد لله، عوضنا هنا في صنعاء ببيع المخلوطة لأن الناس يفضّلونها في أوقات كثيرة".
والمخلوطة عبارة عن أقراص متوسطة الحجم مكوّنة من الدقيق، والماء، والملح، والبهارات، والبطاطا المقلية (الشبس)، والكراث، حيث تعجن الخلطة وتوضع لساعات حتى تبداً بالتخمّر، ثم تقلى على الزيت، وتؤكل على الفلفل الهندي والبسباس ومعجون الطماطم البلدي وبعض الطبخات التي لا يحب الشيف البوح بأسرار المهنة حتى لا يسرقها منه أحد فيخسر المنافسة.
يقول صلاح النهمي، وهو طالب ثانوية عامة، إن المخلوطة من وجباته المفضلة، إذ يتناولها بشكل يومي، ويضيف لـ"العربي الجديد": "نحن في البيت نعمل ما يشابهها إلى حد بسيط ونطلق عليها اسم (لقمة القاضي)"، فيما يقول طالب آخر إنه يتناولها بين ثلاث وأربع مرات في الأسبوع، وهي مناسبة للطلاب، إذ يمكن أكلها خارج المدرسة أو داخلها، كما أنها ليست غالية الثمن.