[ الكارثة ممتدة منذ نحو 30 عاما ]
يعيش سكان قرية المسبوب بوادي أديم في مديرية الشمايتين جنوبي تعز (جنوب غربي البلاد)، كارثة بيئية وصحية منذ أكثر من 30 عاما، بسبب اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، الأمر الذي تسبب بوفاة كثير من المواطنين منذ تلك الفترة إثر إصابتهم بأمراض وأوبئة مختلفة.
وتقع قرية المسبوب، التي يعيش فيها قرابة 400 نسمة، أدنى وادي أديم الذي تطل عليه مدينة التربة من جهة الشمال، ويعتمد سكانها بشكل أساسي على عين ماء جارية أعلى المرتفع الجبلي الذي تستقر عليه مدينة التربة (مركز مديرية الشمايتين) بعد أن جفت الآبار الجوفية المحيطة بها، حيث كان السكان قد سخروا تلك العين لتوفير احتياجاتهم من مياه الشرب من خلال تجميعها في حوض إسمنتي وربطه بإمدادات تصل إلى أدنى ذلك الوادي.
تلك الكارثة البيئية والصحية مصدرها مياه الصرف الصحي الخاصة بمدينة التربة والتي تصب بشكل عشوائي من أطراف مدينة التربة على امتداد السفح الجبلي المطل على وادي أديم لتصل حتى أدنى ذلك الوادي، وقد تفاقمت تلك الكارثة مؤخراً نتيجة التوسع العمراني الذي شهدته مدينة التربة خلال السنوات القليلة الماضية.
شكوى عمرها 33 عاما
وتظهر وثيقة قديمة حصل عليها "الموقع بوست" تضرر أهالي قرية المسبوب من مياه الصرف الصحي التي تنصب من مدينة التربة باتجاه وادي أديم قبل أكثر من 30 عاما، ورفع أهالي قرية المسبوب شكوى لمحافظ محافظة تعز في العام 1986 عن حجم الأضرار التي تسببت بها تلك الكارثة البيئية والصحية، حيث أفادت الوثيقة بـ"إصابة المواطنين بالعديد من الأمراض مثل الكوليرا والأمراض الوبائية المختلفة"، مناشدةً محافظ المحافظة آنذاك "الاهتمام اللازم لإنقاذ المواطنين".
كما أشارت الوثيقة إلى قيام الأهالي بتقديم العديد من الشكاوى السابقة وصدور أوامر برفع المجاري عن المنطقة وتخصيص مكان آخر لها، إلا أنها لم تنفذ من قبل مدير أمن الحجرية، وما زالت شبكة المجاري تزداد يوماً بعد يوم حتى أصبحت المنطقة مصباً للأوساخ، بحسب شكوى الأهالي.
وتظهر وثيقة أخرى قديمة -حصل عليها "الموقع بوست"- قيام محافظ محافظة تعز آنذاك محسن اليوسفي بتوجيه مذكرة لمدير عام قضاء الحجرية جاء فيها: "تلقينا مذكرة من مكتب البلدية برقم 532/84 وتاريخ 28/4/1986 رداً لإحالتنا مذكرة الأخ نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الداخلية بشأن الشكوى المقدمة من أهالي قرية المسبوب بخصوص الأوساخ التي تتسرب من مدينة التربة إلى القرى الواقعة أسفل مدينة التربة".
وقد أرفق بالمذكرة قرار المهندس والضابط الصحي الذي يشير إلى وجود أضرار خطيرة جراء تسرب مياه الأوساخ إلى تلك القرى". وانتهت المذكرة بتوجيه محافظ محافظة تعز مدير عام الحجرية بـ"إلزام أهالي مدينة التربة بعمل بيارات مؤقتة حتى إعداد دراسة للمجاري عن طريق الجهة المختصة".
الكارثة لا زالت مستمرة
تلك الوثائق التي مضى عليها ما يزيد عن ثلاثة عقود، تكشف حجم اللامبالاة والاستهتار من قبل السلطات السابقة والمتعاقبة بحق المواطنين، فلا تعدو تلك المذكرات المتبادلة هنا وهناك كونها حبراً على ورق، فالكارثة البيئية والصحية لا زالت تفتك بأرواح المواطنين منذ ذلك الحين وحتى اللحظة.
وتظهر شكوى حديثة -حصل "الموقع بوست" على نسخة منها- استمرار تلك الكارثة البيئية والصحية بل وتفاقمها، فقد ذكرت الشكوى التي قدمها أهالي وادي أديم لمدير عام مديرية الشمايتين عبد العزيز الشيباني مطلع الشهر الحالي محاصرة مياه الصرف الصحي لأهالي قرية المسبوب من الجهات الأربع، إلى جانب الأمر الأخطر وهو اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة بين الأهالي، كما تحدثت الوثيقة عن تعرض الأراضي الزراعية في المنطقة للتلف ووفاة العديد من المواشي إثر إصابتها بالأمراض نتيجة تلك الكارثة البيئية.
وضع خطير وتحرك عاجل مُلح
وكشف تقرير رسمي حديث -حصل "الموقع بوست" على نسخة منه- عن خطورة الوضع الصحي الذي يعيشه أهالي وادي أديم بسبب الكارثة البيئية الناجمة عن تصريف مياه الصرف الصحي من مدينة التربة باتجاه وادي أديم، حيث أكد التقرير، والذي صدر عن اللجنة المكلفة من قبل مدير عام مديرية الشمايتين عقب شكوى الأهالي، اختلاط مياه الصرف الصحي التي تصب من أطراف مدينة التربة بمياه الشرب الخاصة بأهالي وادي أديم.
وقال التقرير بلسان أعضاء اللجنة: "شاهدنا وجود عين ماء تنبع منها المياه من الجبل بجانب طريق السيارات المؤدي إلى أسفل وادي أديم، وتتجمع مياه العين في حوض صغير ومنه تمتد أنانبيب بلاستيكية لتوصيل المياه إلى منازل المواطنين في وادي أديم لاستخدامها في الشرب وهي المصدر الرئيسي والوحيد للأهالي لمياه الشرب وتختلط مياه الصرف الصحي (المجاري) بمياه الشرب والعيون".
كما أوضح التقرير أن انصباب مياه المجاري من مدينة التربة إلى وادي أديم نتج عنه أضرار جسيمة ومنها تلوث مياه الشرب الجوفية والنابعة مما تسبب بأضرار صحية للأهالي، وأضاف أن منازل المواطنين والأراضي الزراعية قد تضررت جراء تلك الكارثة.
وحذر التقرير من خطورة استمرار تلك الكارثة، داعياً إلى عمل حلول عاجلة وسريعة لها، كما أشار إلى خطورة تشرب الجبال والصخور في تلك المنطقة بمياه الصرف الصحي كون الكثير من الصخور الكبيرة مهددة بالانزلاق والسقوط، "وقد حدث أن انزلق بعض منها سابقاً".
غلي مياه الشرب ثلاث مرات لتعقيمها
"الموقع بوست" زار المنطقة، والتقى بالأهالي لتسليط المزيد من الضوء على تلك الكارثة البيئية والصحية. يقول محمد عبد السلام الأديمي أحد أعيان قرية المسبوب بوادي أديم: "نعاني من هذه الكارثة منذ عقود، ولم تعمل السلطات المحلية المتعاقبة أي حلول أو معالجات منذ ذلك الحين وحتى الآن، بل إن الكارثة قد تفاقمت وازدادت سوءًا خلال السنوات الأخيرة، حيث ازداد تدفق مياه الصرف الصحي من مدينة التربة باتجاه وادي أديم نتيجة التوسع العمراني الذي شهدته المدينة مؤخراً، وهو ما جعل مياه المجاري تصل حتى مصدر المياه الوحيد والرئيسي لأهالي وادي أديم".
يضيف الأديمي: "لك أن تتخيل أننا نقوم بغلي مياه الشرب ثلاث مرات لتعقيمها، فليس لنا من مصدر مياه آخر، نحاول أن نعقم تلك المياه بالوسائل المتاحة، رغم علمنا أن غليها لمئات المرات لن يكون مجدياً".
واستطرد الأديمي بالقول: "هناك كثير من الأمراض والأوبئة التي أصابت الأهالي في قرية المسبوب، وهناك من توفي إثر إصابته بمرض الفشل الكلوي، كما أن هناك العديد من الأسر التي نزحت باتجاه مدينة التربة أو باتجاه مناطق أخرى هروباً من الوضع البيئي والصحي الخطير الذي بات يحاصرنا داخل منازلنا ويهدد حياتنا وحياة أطفالنا".
واستغرب الأديمي صمت السلطة المحلية في المديرية والمنظمات الدولية عن هذه الكارثة حيث قال: "إذا كانت السلطة بأجهزتها والمنظمات الدولية بإمكاناتها وبمكاتبها لم تتدخل لإنقاذ حياة الناس من خطورة هذه الكارثة فمتى وأين ستتدخل؟".
وناشد الأديمي القائم بأعمال وزير المياه والصرف الصحي المهندس توفيق الشرجبي ومحافظ محافظة تعز نبيل شمسان والمنظمات الدولية العاملة في مدينة التربة، التدخل العاجل والفوري لإنقاذ حياة السكان من تلك الكارثة البيئية والصحية التي تهدد حياتهم كل يوم.