[ يحاول الانتقالي فرض نفسه كسلطة أمر واقع بعدن (فرانس برس) ]
يواجه ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يتصدّر مطالب الانفصال في جنوب اليمن، مأزقاً مركباً، تواترت عوامله ومؤشرات برزوه في الأسابيع الأخيرة، في ظلّ تعثّر تنفيذ أبرز بنود اتفاق الرياض المبرم بينه وبين الحكومة الشرعية برعاية السعودية، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك إلى جانب جملة من التحولات، تجعل من مشروع تقسيم البلاد جنوباً وشمالاً، أبعد من ذي من قبل، فيما يواجه المجلس صعوبات، حتى بمحاولة التمسّك بسيطرته على عدن كسلطة أمر واقع فيها، على غرار ما يفعله الحوثيون في صنعاء.
وكشفت مصادر سياسية قريبة من المجلس الانتقالي لـ"العربي الجديد"، عن بروز تباينات حادة في صفوف قياداته في الأسابيع الأخيرة، كحصيلة لسلسلة من التحولات السياسية والميدانية، جنوباً، أبرزها ما يتصل بالموقف من اتفاق الرياض، الذي وضع "الانتقالي" أمام امتحان الوفاء بالالتزامات التي يقتضيها. إذ سعى المجلس إلى التمسّك بسيطرته على عدن كسلطة أمر واقع فيها، ووضع العقبات في طريق اللجنة العسكرية والأمنية المعنية بمتابعة تنفيذ الاتفاق على الأرض، الأمر الذي ألقى بظلاله على الشقّ السياسي من الاتفاق، والمتصل بتشكيل حكومة جديدة، باتت هي الأخرى مرهونة بالتقدّم على الأرض.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنّ التباينات في أوساط "الانتقالي"، تبرز بين قيادات ترى أنّ التزام الاتفاق وما يقتضيه، مسألة حتمية من شأن التنصل منها أن يضع المجلس في مواجهة مع السعوديين، الذين يشددون على التزامهم دعم "الشرعية" وعلى أهمية تنفيذ الاتفاق، وبين قيادات أخرى ترى أنّ اتفاق الرياض يناقض ما تحقّق من خطوات على طريق "الانفصال"، أو ما يصفونه بـ"استعادة الدولة الجنوبية"، وضدّ مختلف الشعارات التي تبناها المجلس الانتقالي منذ تأسيسه قبل عامين.
وألقت الأزمة الأخيرة التي يعيشها "الانتقالي"، بظلالها على الاجتماع الخاص بالقيادات المحلية للمجلس في عدن، أول من أمس السبت، الذي سعى من خلاله رئيسه، عيدروس الزبيدي، إلى تمرير رسائل حول صعوبة تحقيق "الانفصال" في هذه المرحلة، نتيجة للظرف الذي يدخل فيه "التحالف" كجهة مسؤولة عن مجمل التحولات في البلاد، مع اعتباره أنّ الانفصال هدف لا رجعة عنه. وسعى الزبيدي في السياق ذاته، إلى التأكيد أنّ "اتفاق الرياض" مثّل تطوراً نوعياً في طريق "استعادة الدولة"، وأنّ المجلس حقق انتصارات على صعيد الاعتراف الدولي به، سواء في ثنايا الاتفاق، أو في ما يتصل بمجمل اللقاءات الدبلوماسية والزيارات الخارجية التي أجرتها قياداته.
وعلى الرغم من ذلك، أشار الزبيدي إلى أنّ "المرحلة المقبلة، هي مرحلة شراكة مع الحكومة"، وقال إنهم سيشاركون "في مختلف المواقع والمواقف، على أمل أن تكون الشراكة خطوة إضافية في طريق الانفصال (غير الممكن حالياً)". وسرد في حديثه العديد من المبررات والتصريحات، التي بدت أقلّ حدة، من بيانات سابقة، صدرت عقب عودته إلى عدن من الإمارات، قبل أسابيع.
من جهته، قال وزير الخارجية اليمني، محمد الحضرمي، أمس، إنّ "اتفاق الرياض لم يأتِ لتغيير شكل الدولة أو تغذية أي مشاريع تشطيرية، بل أتى للحفاظ عليها وعلى أمنها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها". وأضاف في تصريح نشر على حساب الوزارة بموقع "تويتر"، أنّ "اتفاق الرياض أتى لتوحيد الصفوف وليس تشطيرها، أتى لمواجهة الحوثي". ولفت الحضرمي إلى أنّ "اتفاق الرياض ليس منصة عبور، بل هو خطوة هامة لاستعادة الدولة اليمنية".
في السياق، تأتي التحولات التي شهدتها محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد، في الأشهر الأخيرة، وإحكام قوات الشرعية سيطرتها الكاملة على مديرياتها، كعامل محوري، في ما وصل إليه المجلس. فبعد أن كان يركّز خطابه على الحديث عن حشد قواته للزحف باتجاه وادي حضرموت، الخاضع لسيطرة قوات موالية للشرعية، تحوّل إلى موقع المدافع، بحشد قواته إلى أبين، البوابة الشرقية لعدن، في محاولة لمنع قوات الشرعية من التقدم باتجاه الأخيرة.
وفيما اعتبر الزبيدي أنّ ما شهدته شبوة، من خسارة السيطرة فيها للإمارات والتشكيلات التابعة لها تحت مسمى "النخبة الشبوانية" في أغسطس/ آب الماضي، كان أمراً "مخططاً له"، بدا واضحاً أنّ جملة التحولات المتصلة بالمحافظة، تقصم ظهر المجلس. إذ تحدثت مصادر محلية في شبوة عن استقالات في صفوف قياداته بالمحافظة، بالترافق مع أزمة مع وجهاء فيها، أبرزهم الشيخ صالح بن فريد العولقي. كذلك، اتهمت قوات الأمن في شبوة، الموالين لـ"الانتقالي"، باحتجاز ناقلات مشتقات نفطية بأطراف عدن، للضغط على قيادة المحافظة، ومطالبتها بالإفراج عن "أسرى" من أنصار "المجلس"، وهو ما يعني الكثير، على صعيد فرز المواقف في الأوساط المحلية جنوب اليمن، تجاه "الانتقالي".
سياسياً، مثّل اجتماع بروكسل، الذي نظمه "المعهد الأوروبي للسلام" حول اليمن، قبل أيام، واستضاف العديد من الشخصيات الجنوبية اليمنية، من ممثلي قوى مختلفة، ضربة أخرى لحلفاء أبو ظبي، الذين أعلنوا أنهم رفضوا المشاركة في الاجتماع، مبررين موقفهم بأنه جاء بعد التواصل مع مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، ونفي الأخير الرعاية أو الترتيب لأي اجتماع في بلجيكا. وقال نزار هيثم المتحدّث باسم المجلس إنّ الأخير "يشجع ويدعم أي لقاءات يمكن أن تخدم توحيد الصف باتجاه استعادة السيادة وبناء الدولة الجنوبية المدنية"، وإنه "ينظر للقاءات التي يُنظمها المعهد الأوروبي للسلام ولغيره من المراكز والمنظمات على أنها عبارة عن اجتهادات واختيارات شخصية نحترمها، ولكنها غير مُلزمة في نتائجها، ولا سيما حينما يكتنف هذه اللقاءات الغموض وعدم الوضوح في الرؤى والأهداف لبعض المدعوين".
الجدير بالذكر، أنّ جانباً من المدعوين، شخصيات محسوبة على المجلس، منها الشيخ صالح العولقي، فيما أظهر الاجتماع تناقضاً بين خطاب المجلس، الذي يقول إنه نجح في إقناع العالم بالتعامل معه كممثل لـ"الجنوب"، وبين غيابه عن لقاء على هذا النحو. وينطبق الأمر ذاته، بالنسبة إلى اتفاق الرياض، الذي من المقرّر أن يدخل فيه المجلس كشريك في الحكومة كأحد المكونات، ولكن مع تمثيل بصورة أو بأخرى لمختلف التيارات في المناطق الجنوبية لليمن، ما ينفي عنه صفة الممثل الحصري للجنوب.
إلى ذلك، فإنّ مجمل التطورات، بما في ذلك الالتزامات التي قطعها المجلس في اتفاق الرياض، وصولاً إلى الوضع الذي فرضته تغيّرات السيطرة على الأرض، بمحافظة شبوة على نحو خاص، وجعلت من نفوذ المجلس محصوراً في عدن ومحيطها، كلها تجعله في مأزق إضافي، أمام رغبة التحوّل إلى "سلطة أمر واقع" في عدن، على غرار سلطة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في صنعاء. إذ إنّ ذلك يضعه في موقف صعب أمام الجانب السعودي الراعي للاتفاق، ويفتح الباب على مزيد من الانشقاقات، على أساس ينسف فكرة "الانفصال" القائم على حدود شطري ما قبل توحيد اليمن. كذلك فإنه يعزز، من جهة أخرى، التقسيم جنوباً، بإبعاد عدن عن حضرموت مركز الشرق. كل ذلك يضاف إلى كون خسارة المجلس بمغادرة داعميه الإماراتيين، لن يكون بمنأى عن تبعاتها، وإن كان ذلك يحدث بالتدريج، كما تشير العديد من التطورات.