[ كنز منهوب.. لماذا يتلاعب "الحوثي" بمتاحف اليمن ويغير مقتنياتها؟ ]
منذ اجتياح صنعاء والانقلاب على الحكومة اليمنية الشرعية في سبتمبر/أيلول 2014، سيطرت جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة، وكانت المتاحف أبرز الأماكن المستهدفة، في محاولة لمحو ذاكرة اليمنيين وطمس تاريخهم.
لم تعمل جماعة الحوثي على تحييد تلك المتاحف كمؤسسات ثقافية تحفظ تاريخ البلد، بل اعتدت عليها ونهبت محتوياتها ثم هربت الكثير منها إلى خارج اليمن وعملت على بيعها.
دوافع تلك الاعتداءات تباينت بين الرغبة في الثراء والتكسب المادي، إلى محاولة طمس حقبة مهمة من تاريخ اليمن، وتغييب المقتنيات المتعلقة بالشخصيات الثورية التي أسهمت وشاركت في اندلاع الثورة اليمنية، وأنهت ألف عام من حكم الأئمة في اليمن.
تلك المتاحف حكت تاريخ الدويلات اليمنية القديمة، وسردت قصتها منذ ستة آلاف عام، وحتى قيام أول جمهورية يمنية في 26 سبتمبر/أيلول 1962، ومثلت لليمنيين مزارات سياسية وثقافية عرضت تاريخ اليمن وجولاته في السلم والحرب، وموردا سياحيا واقتصاديا مهما.
لكنها تعرضت للعبث والنهب والسرقة والاستهداف، منذ سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، ثم قيام تحالف الرياض أبوظبي بشن عملياته الجوية على المنشآت المدنية والعسكرية.
تغييب الرموز الثورية
يعتبر الحوثيون أنفسهم امتدادا لحكم الأئمة قبل الثورة وقيام الجمهورية اليمنية في سبتمبر/أيلول 1962، وبالتالي فإنهم يعتبرون ثورة سبتمبر، التي أنهت ذلك الحكم، انقلابا عليهم، وعلى أحقيتهم في الحكم، بصفتهم طائفة زيدية، تقوم أدبياتها على أن الحكم حق محصور في البطنين، أي أبناء الحسن والحسين.
لهذا فإن الثوار يُعدون، بنظر الحوثيين، انقلابيين وخونة، وبالتالي فإن الرموز الثورية التي احتوتها المتاحف اليمنية لا ينبغي أن تبقى، ويجب مصادرتها من المتاحف، وطمسها من الذاكرة الوطنية بشكل عام، بما في ذلك العلم الجمهوري و النشيد الوطني وكل ما يتعلق بالثورة والجمهورية.
لا يفصح الحوثيون، بشكل رسمي، عن موقفهم تجاه الرموز الثورية في المتاحف، لمعرفتهم بحساسية هذا الأمر وخطورته على وجدان اليمنيين؛ لتبدو ممارساتهم متسقة مع ادعاءاتهم، بأنهم إنما أتوا للحفاظ على الدولة والجمهورية، وتحسين الوضع الاقتصادي، وليس لإعادة اليمن إلى النظام الملكي الذي تم القضاء عليه قبل نحو ستين عاما، غير أن أدبياتهم قائمة على هذا الأساس.
في مقابل تغييب الرموز الثورية اليمنية، عمل الحوثيون، بشكل تدريجي، على إحلال رموز حوثية مكانها في المتاحف الخاضعة لسيطرتهم، من بينها المتحف الوطني والمتحف الحربي بصنعاء، فأزالوا مقتنيات وأسلحة الثوار اليمنيين الذين ظلوا على مدى 60 عاما رموزا وأيقونات ثورية، في وجدان الشعب اليمني وذاكرته.
وطال ذلك السلوك حتى متعلقات رؤساء اليمن المتعاقبين منذ تأسيس الجمهورية، حيث أزالها الحوثيون ووضعوا مكانها صورا لمؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي، الذي قتل في 2004 في إحدى معارك الدولة مع المليشيا بمدينة صعدة، كما وضعوا صورا لمقاتلين حوثيين قضوا في حرب الدولة معهم، بالإضافة إلى وضع بعض مقتنياتهم وملابسهم وسيرهم الذاتية وقصصا تحكي ما يعتبرونه بطولات وملاحم خاضوها.
عمل الحوثيون، أيضا، على استدعاء الرموز التي تمثل امتدادا سياسيا وطائفيا لهم، وتعمدوا إعادتها إلى المشهد السياسي والثقافي اليمني.
من بين ذلك أن الحوثيين أجبروا عددا من مالكي المكتبات في صنعاء، على بيع كتب قاموا بتأليفها، تمجد رموز الإمامة، وتمتدح سيرتهم، والفترة التي حكموا بها، من بينهم الإمام يحيى حميد الدين، مؤسس المملكة المتوكلية في اليمن، قبل قيام الثورة، بالإضافة إلى بيع كتب تتحدث عن مؤسس الجماعة ومنظري الحركة الحوثية، باعتبارهم أبطالا ورموزا وطنية.
تهريب وتخريب
يحتوي المتحف الحربي، الذي بناه العثمانيون بصنعاء عام 1902، على عدد من القطع العسكرية، والمعدات البدائية التي استخدمتها القوات اليمنية، على مراحل تاريخية متعددة، بالإضافة إلى مقتنيات أثرية ومخطوطات تاريخية، مثلت كنوزا ثقافية نادرة.
وقد تم ترتيب وضع المتحف، قبل سيطرة الحوثيين، بحسب التسلسل التاريخي، من العصر الحجري (6000- 3000 قبل الميلاد) ثم الفترة الإسلامية، والدويلات اليمنية المتعاقبة حتى مرحلة الوجود العثماني في شمالي اليمن، والبريطاني في جنوبي اليمن، وانتهاء بمرحلة حكم الأئمة والثورة عليها.
غير أن معظم تلك التحف والمخطوطات والأدوات تعرض للنهب والتهريب، أما المقتنيات المتعلقة بالثورة والجمهورية فقد تعرضت للتغييب والمصادرة.
وكان الحوثيون قد أغلقوا المتاحف أمام الزائرين لفترات طويلة، بحجة حماية المقتنيات من مخاطر الحرب والقصف الجوي، إلا أن الزوار فوجئوا، بعد فتحها، بغياب عدد كبير من التحف، الأمر الذي برره القائمون على المتحف بنقلها مؤقتا إلى مكان أكثر أمانا، خشية القصف والاستهداف.
غير أن تلك المقتنيات لم تعد، ووجد بعضها في متاحف عالمية، أو بأيدي تجار وكيانات دولية، كنسخة قديمة من القرآن الكريم، كتبت على جلد غزال، وجدت مع رجل أعمال إيراني، ونسخة من التوراة يعود تاريخها إلى قبل 800 عام، وجدت في إسرائيل.
وقد تحدثت عدة تقارير أن كبار المسؤولين الحوثيين بصنعاء، نهبوا قطعا أثرية ثمينة، وتماثيل برونزية بعدة أحجام، يعود بعضها لملوك يمنيين قدامى، ونقوش تاريخية نادرة، وتم تهريبها عبر سماسرة إلى خارج اليمن.
أمريكا هي المقصد!
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في يناير/كانون الثاني الماضي مقالا مشتركا لكل من مدير مؤسسة "تحالف حماية الآثار"، ديبور لير، والسفير اليمني في الولايات المتحدة أحمد عوض بن مبارك، أكدت فيه أن هناك أدلة مقنعة تقود إلى الاعتقاد أن أمريكا هي المقصد الرئيسي للمقتنيات الأثرية المسروقة؛ لأنها تعد أهم سوق في العالم للفن.
وأشار المقال إلى أن أبحاثا لتحالف حماية الآثار كشفت عن أن الولايات المتحدة استوردت خلال العقد الماضي ما قيمته 8 ملايين دولار من الفن المستورد من اليمن.
وأوضح أن اليمن حذر الأمم المتحدة والعالم من هذه التجارة غير الشرعية، وقدم أدلة على قيام تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والمتمردين الحوثيين، بتقليد تنظيم الدولة في طريقة بيع المقتنيات التراثية؛ من أجل تمويل عملياتهم وشراء الأسلحة، فقد تم نهب المتاحف الكبرى مثل متحف تعز الوطني ومتحف عدن الوطني ومتحف زنجبار الوطني.
وكان بيانا للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" صدر في يناير/كانون الثاني الماضي اتهم المسلحين الحوثيين بنهب "المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية ونفائس نادرة" من مكتبة زبيد، بمحافظة الحديدة، غربي البلاد.
وقال المدير العام للإيسيسكو، عبد العزيز التويجري في بيان إن: "المخطوطات والكتب المنهوبة تمثل تراثا نفيسا يوثق تاريخ مدينة زبيد التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي".
لم تقتصر أعمال نهب الحوثيين على متاحف صنعاء، فقد طالت حتى متاحف في المناطق الجنوبية، في عدن ولحج وشبوة، بالإضافة إلى الحديدة. وكانت من أولى مهام الحوثيين بعد السيطرة على تلك المدن، هي الاستيلاء على المتاحف، ونهب الآثار والتحف الثمينة.
وقد كشفت صحيفة سبوتنيك الروسية أن الأجهزة الأمنية في محافظة عدن جنوب اليمن، أحبطت محاولة تهريب قطع أثرية إلى خارج البلاد، وأضاف أن أمن عدن ضبط 12 قطعة أثرية نادرة كانت مخبأة وسط بضاعة على أحد المراكب التجارية المغادرة إلى جيبوتي.
المتاحف في المحافظات الجنوبية هي الأخرى لم تسلم من النهب المتاحف في المحافظات الجنوبية هي الأخرى لم تسلم من النهبقام الحوثيون بنهب قطع أثرية وتماثيل برونزية بعضها يعود لثلاثة آلاف عام قبل الميلاد أغلق الحوثيون المتاحف أمام الزائرين بحجة حماية المقتنيات من مخاطر الحرب تحوي صالات المتحف على مقتنيات أثرية قديمة ومعدات حرب استخدمها الثوار في حربهم ضد الإمامة ألزم الحوثيون أصحاب المكتبات ببيع كتب تمجد رموز الحركة الإمامية والحوثية أزال الحوثيون الرموز الثورية في المتاحف ووضعوا مكانها رموزا حوثية جناح يعرض آثار الجنود المصريين الذين قضوا في ثورة اليمن إحدى صالات المتحف الحربي بصنعاء
قصف المتاحف
لم يمثل النهب والتهريب الاعتداء الوحيد على تلك المتاحف، فقد تعرضت عدد منها للقصف بطائرات تحالف الرياض وأبوظبي، من بينها متحف مدينة ذمار جنوب صنعاء، الذي تعرض لقصف جوي مباشر أدى الى تدميره بكل محتوياته وتحويله الى أنقاض، بالإضافة الى تدمير مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف، والذي كان جزءا من مبنى المتحف، ويحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية.
من ضمن الاعتداءات التي طالت المتاحف أن الحوثيين حولوها إلى مخازن أسلحة لاعتقادهم أنها أماكن آمنة لن تتعرض للقصف.
وفي هذا السياق يرى وكيل وزارة الثقافة اليمنية عبدالهادي العزعزي: أن الحوثيين تعمدوا تخزين الأسلحة فيها، وتعمدوا أن تتعرض للقصف، لتأليب الرأي العام على قوات التحالف، وللقدرة على نهب المقتنيات الثمينة، وتحميل التحالف مسؤولية قصفها والقضاء عليها.
ويعيش اليمن منذ قرابة أكثر من أربع سنوات، صراعا دمويا على السلطة بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا مدعومة بتحالف عسكري تقوده السعودية والإمارات، وبين جماعة الحوثيين المدعومة من إيران والتي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية.