[ النواب الفرنسيون حذروا من سياسات ولي العهد السعودي الاستبدادية وقبضته الحديدية (رويترز) ]
استنكر عدد من النواب الفرنسيين دوامة الاستبداد التي قالوا إنها غدت نهجا للنظام السعودي بدءا باغتيال الصحفي جمال خاشقجي وليس انتهاء بالانتهاكات التي تعرضت لها ناشطات مثل لجين الهذلول، وطالبوا حكومة بلادهم بتوضيح طبيعة علاقاتها مع هذا البلد الذي يشتري منها الأسلحة ليستخدمها في حربه على اليمن.
ووقع النواب عريضة أوضحوا فيها أهمية السعودية الفريدة على المستويين الديني والاقتصادي، وسلطوا فيها الضوء على سياسات ولي العهد السعودي الاستبدادية وقبضته الحديدية التي حكموا عليها بالفشل، مؤكدين أن الوقت قد حان كي تعود السعودية لسياسة رزينة تحترم حقوق الإنسان الأساسية.
وهذا نص هذه العريضة التي نشرها الموقعون في مدونة بموقع ميديابارت الفرنسي:
لا يمكن لأي كان أن ينكر الأهمية القصوى للمملكة العربية السعودية في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام، ولأنها أرض الأماكن المقدسة للإسلام واللاعب الرئيسي في خريطة النفط العالمية فهي تتمتع بوضع فريد من نوعه على المستوى العالمي، ونتيجة لهذا الوضع أصبح استقرار هذا البلد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل المسلمين في جميع أنحاء العالم ولصحة الاقتصاد العالمي.
القبضة الاستبدادية
لا شك أن القوى الكبرى كانت ولا تزال تدرك هذا الدور المحوري للسعودية، وهو ما تجلى خلال العقود الأخيرة في دعمها هذا البلد أو حتى حمايته، لكن رغم أن هذه العناية ضرورية فإنها لا ينبغي أن تكون مرادفة لشكل من أشكال الكفالة لنظام منهمك بشكل متزايد في استبداد قمعي مثير للقلق.
والواقع أن منعطف الرياض الاستبدادي بدأ مع ظهور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فبعد أن مكنه والده -الملك الحالي للسعودية- من الوصول إلى قمة هرم السلطة دفعه طموحه الملتهب ورغبته الجامحة في الاستحواذ على كل مفاصل القوة إلى إسكات أي صوت مخالف.
وفي غضون عامين ها هو سجله في احترام حقوق الإنسان يمثل مصدر قلق، فمن خلال إقدامه على حملة تخويف واسعة النطاق شملت القبض على أفراد بارزين من عائلته بشكل غير لائق تمكن بن سلمان من فرض قبضة حديدية أراد عبرها إعادة تشييد جدار الخوف الذي كان الربيع العربي قد تسبب ولو لفترة قصيرة في تحطيمه.
أسباب الفشل
ومثل هذه الإستراتيجية محكوم عليها -حسب رأينا- بالفشل وتؤدي إلى نتائج عكسية وذلك لثلاثة أسباب على الأقل، أولا: الأنظمة التي تخنق تطلعات شعوبها وتضطهد مواطنيها -والتاريخ يثبت ذلك- محكوم عليها بالزوال.
ثانيا: لا شك أن السعوديين والسعوديات متعطشون إلى الحرية والرغبة في المشاركة في تحقيق مشروع بلدهم الوطني، وهو ما لن يتخلوا عنه، ففي مجتمع يمثل فيه الشباب ممن هم أقل من ثلاثين عاما أكثر من الثلثين وتعتبر نسبة تغلغل الشبكات الاجتماعية فيه من أعلى المعدلات في العالم واهم من يعتقد أن هذا المجتمع -والحالة هذه- سيبقى على هامش بناء المصير المشترك لبلده.
وأخيرا، لا شك أن إستراتيجية الترويج المنتشرة في كل حدب وصوب والتي تهدف إلى تقديم بن سلمان بوصفه الرجل القوي المصلح الليبرالي قد وصلت إلى طريق مسدود منذ انتشار خبر اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والانتهاكات التي لحقت بالناشطات، بمن فيهن لجين الهذلول، مواطنة الشرف لمدينة باريس (التي ما زالت وراء القضبان حتى الآن).
تدهور الصورة
لقد تدهورت صورة بن سلمان على الساحة العالمية بشكل حاد، وقرر النظام السعودي قبل عامين تقريبا اعتقال عشرات المفكرين والليبراليين لا لشيء إلا لأنهم عبروا عن نوع من النقد للنظام القائم.
ولا شك أن القضية الأكثر رمزية بين هؤلاء هي حالة المفكر سلمان العودة الذي يعتبر أحد رجال الدين الإصلاحيين الأكثر نفوذا في العالم الإسلامي والمشهور حتى بين النخب الأكاديمية الغربية، وهو اليوم في وضع مثير للقلق.
وكما هي حال العودة لا يزال عشرات السجناء السياسيين الآخرين يقبعون في السجون في ظروف تنذر بالخطر، وقد صدر حكم بالإعدام على بعضهم، وكل شيء يدعو إلى الاعتقاد بأن الأسوأ آتٍ.
وبعيدا عن صورة بلد طوى صفحة الظلامية الدينية، ضاعفت الرياض بالفعل عمليات الإعدام هذه السنة، إذ نفذت الإعدام مؤخرا في 37 شخصا في يوم واحد، مما تسبب في موجة من السخط في جميع أنحاء العالم، ومما يعد دليلا على تحيز النظام القضائي أن معظم الضحايا كانوا من الأقلية الشيعية وبعضهم كانوا قاصرين وقت المحاكمة.
الإستراتيجية الخارجية
وإلى جانب هذه الاعتبارات الداخلية، فإن إستراتيجية السياسة الخارجية للرياض مثلت هي الأخرى تحديا، كتدخلها في لبنان، وضربها حصارا على قطر، وانتهاجها دبلوماسية هجومية تجاه إيران، كل هذه الأمور تدفع إلى الاعتقاد بأن السعودية كجهة إقليمية فاعلة هي متقلبة وسريعة الغضب بل ربما حتى غير مسؤولة.
بالمقابل، لا يمكن للحرب الضروس التي تشنها الرياض على اليمن وما يصاحبها من جرائم ضد الإنسانية إلا أن تلقي بظلال من الشك على زعامة دولة تحارب واحدة من أفقر الدول على وجه الأرض، ولا يعني هذا أبدا أننا نبرئ مليشيات الحوثيين (التي تدعمها طهران بشكل غير مباشر)، لكننا نؤكد أن هذه الحرب التي تشنها السعودية بالتعاون مع الإمارات يجب أن تتوقف دون تأخير، لأن عواقبها الإنسانية فظيعة وقد تزعزع استقرار منطقة من العالم هي بالفعل في عين العاصفة.
ولكل هذه الأسباب، حان الوقت للمملكة العربية السعودية للعودة إلى سياسة محسوبة تحترم حقوق الإنسان الأساسية، وعلى الدول الغربية -بما فيها فرنسا- تحمل مسؤولياتها في عدم التغاضي عن تجاوزات النظام السعودي الحالي المترنح، وإلا سيكون من الضروري الاعتماد على حشد المجتمع المدني العالمي الذي يظهر أكثر فأكثر من بريطانيا إلى النرويج أنه لا يمكن التضحية بالمثل العليا العالمية للعدالة والقانون والحرية من أجل العقود التجارية مهما كانت مربحة.
قائمة أول الموقعين:
كليمانتين أوتين، نائبة عن حزب فرنسا الأبية عن منطقة سين سان دينيس.
إستير بنباسا، عضو مجلس الشيوخ عن حزب الخضر في باريس.
إريك كوكريل، نائب عن حزب فرنسا الأبية عن منطقة سين سان دينيس.
سيباستيان نادوت، النائب عن منطقة هوتغارون.
ميشيل ريفاسي، نائبة عن حزب الخضر بالبرلمان الأوروبي.