[ للعام الرابع يواظب المعلمون اليمنيون في المدارس دون رواتب للحؤول دون انهيار التعليم (الجزيرة نت) ]
لم تكن ضروب الحياة في اليمن أشد قسوة مما كانت عليه على المعلمين، إذ ظلوا خلال السنوات الأربع الأخيرة يكافحون بين تأمين لقمة العيش وقدسية المهنة بعد أن توقفت رواتبهم بصورة تامة.
ومنذ أغسطس/آب 2016 يعيش أكثر من مليون موظف يمني يعملون في القطاعات الإدارية بالعاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين دون رواتب، من بينهم 242 ألف معلم، بحسب تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
ويقيم 28% من المعلمين في مناطق سيطرة الحكومة ويتسلمون رواتبهم بانتظام، و72% من بقية المعلمين الموجودين في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين لم يتسلموا رواتبهم.
ويتراوح راتب المعلم بين 60 و80 ألف ريال (ما يعادل 100 و130 دولارا أميركيا) شاملا الحوافز والمكافآت، وهو مبلغ لا يفي بأقل متطلبات الحياة، فمتوسط إيجار المنزل يبدأ من 40 ألف ريال (66 دولارًا).
وتسببت الحرب في انهيار شامل للمنظومة التعليمية، مما يضع مستقبل مئات الآلاف من الأطفال على المحك، فجيل كامل مهدد بالأمية.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن مليوني طفل لا يزالون خارج المدارس بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون تسربوا من الدراسة منذ تصاعد النزاع في مارس/آذار 2015، وبات تعليم 3.7 ملايين طفل على المحك، حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين.
مجالات أخرى
واتجه معلمون للبحث عن مهن أخرى تؤمّن لهم دخلا يوميا بعد أن يئسوا من مطالبة الحوثيين بدفع رواتبهم.
وقبلها حاولوا فرض واقع جديد لمواجهة الأزمة، وأضربوا عن التعليم مرارا أمام تجاهل الحوثيين لمطالبهم، بل تُقابل مطالبهم واحتجاجاتهم في أحايين أخرى بالتهديد بالفصل من الوظيفة العامة.
في متجره الصغير شمالي صنعاء، يسيطر الارتباك على فيصل محمد الأستاذ السابق لمادة العلوم، وهو يحاول أن يسجّل أسعار السلع، إذ إنه جديد على مهنة التجارة ولا يملك خبرة في سوق غير مستقر مع تقلبات سعر العملة.
تحجج بالحرب
ويقول فيصل للجزيرة نت إنه اضطر إلى التخلي عن مهنته في التعليم، وأعاد افتتاح متجر لبيع المواد الغذائية، مضيفا "صبرت عاما ثم آخر، وكنت أرى الفقر في عيون أطفالي مما دفعني إلى البحث عن عمل آخر".
ويضيف "حاولنا مرارًا أن نضغط على الحكومة من أجل تسليمنا نصف رواتبنا لكنهم يرفضون في كل مرة متعذرين بالحرب والحصار الذي تفرضه السعودية والإمارات على اليمنيين".
وحذا المئات من المعلمين حذو فيصل، وفي سوق الأصبحي جنوبي صنعاء، اضطر أستاذ اللغة العربية عبد الله الشميري للعمل سمسارا في سوق العقار، وفي كل مرة يجول بأحد عملائه بين المباني، يحرص على إنشاده قصائد من الشعر الجاهلي.
ويقول الشميري للجزيرة نت "تعبت من الدين ومن توسل الناس في إقراضي".
منحة سعودية إماراتية
كانت السعودية والإمارات قد أعلنتا نهاية العام الماضي تقديم منحة للمعلمين، غير أن تلك المنحة لم يتم التوقيع عليها إلا في مايو/أيار الماضي، وجرى صرف المنحة على دورات، كان آخرها في يوليو/تموز الماضي.
ووفق تصريح للمتحدث باسم منظمة اليونيسف كمال الوزير للجزيرة نت، فإن المنظمة وزعت المنحة المالية على 127 ألف معلم وموظف، بواقع 50 دولارا على كل معلم ومعلمة.
وتكاد تكون المنحة المالية المقدمة من الدولتين اللتين تشنان حربا في اليمن هي الوحيدة للمعلمين، لكن من المؤكد أنها لا تمثل للمعلمين أي قيمة تذكر، فخمسون دولارا مبلغ زهيد جدا في مقابل ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى 400%.
ورغم المصاعب الكبيرة فإن العدد الأكبر من المعلمين في اليمن -وخصوصا النساء-لا يزالون يتمسكون بمهنة التعليم، إذ تبقى تلك المهنة بالنسبة لهم مقدسة، ولذا فضّلوا البقاء في وظائفهم في واحدة من صور التضامن المجتمعي.
ولجأ الأهالي في القرى والبلدات إلى إنشاء صناديق مالية تقدم للمعلمين مبالغ رمزية لضمان استمرارية التعليم، بينما واظب آخرون من خريجي الثانوية على التدريس، من بينهم منير مسعد الذي يعمل حدادا منذ 25 عاما، وانضم مؤخرا مدرسا للصف الأول في مدرسة النهضة في ذمار وسط اليمن.
معلمون جدد
الصحفي سلمان الحميدي كان واحدا ممن قادوا مبادرات مجتمعية في قريته، وبات واحداً من المعلمين الجدد.
ويقول الحميدي للجزيرة نت إن مخرجات التعليم الضعيفة دفعته مع آخرين إلى تبني مبادرة تطوعية للاهتمام بالتعليم، إذ إن 96 طالبا من الصف الثالث إلى السادس الابتدائي كانوا بحاجة لتعلّم القراءة والكتابة، بالإضافة إلى 120 طالبة كنّ بحاجة أيضا للتعلم بشكل عاجل.
ويضيف "قمنا بنشاط أولي لتعليم الطلاب لمحاربة الأمية داخل المدارس والتي ضاعفتها الحرب بشكل كبير، والحمد لله نجحنا بشكل كبير".
ووضع الفريق خطة لسنة كاملة، لكن للأسف لم تلق أي دعم.
كان النازحون الجدد بسبب الحرب إضافة أخرى للتعليم، ورغم جهودهم فإنها تبقى محدودة أمام التعليم النظامي، مما يجعل جيلا كاملا أميين.