[ العسكريون الأمريكيون قالوا للسعودية لن تنتصري وستغرقين في اليمن وتفلسين! ]
تساءل ضابط أمريكي متقاعد عن حماقة القرار الذي اتخذته السعودية عام 2015 للتدخل العسكري في اليمن. ونقل مارك بيري في تقرير نشره موقع “ذا أمريكان كونزيرفتف”عنه قوله: “لم نتوقع غزو السعودية (لليمن) وشعرنا بالصدمة، وكنا واضحين وقلنا لهم: لن تنتصروا وستقودون بلدكم للإفلاس وتدخلون مستنقعا وكنا محقين”.
ضابط أمريكي: “لم نتوقع غزو السعودية (لليمن) وشعرنا بالصدمة وكنا واضحين وقلنا لهم: لن تنتصروا وستقودون بلدكم للإفلاس وتدخلون مستنقعا وكنا محقين”.
ويعلق بيري أن كلام الضابط الذي يقوم على فكرة “لقد حذرناكم” كان دقيقا في توصيفه للوضع الذي تواجهه السعودية في اليمن. فقرار السعودية التدخل العسكري في اليمن لسحق الحوثيين وإعادة تنصيب الحكومة الشرعية لعبد ربه منصور هادي لم يكن مفاجئا لإدارة باراك أوباما، بل وتلقاه القادة العسكريون بنوع من الاحتقار. فقد نظر الضباط الكبار في قيادة العمليات الخاصة إلى الحوثيين كقوة ضد القاعدة في اليمن، بل ودعا بعضهم إلى اتخاذ خطوات لدعمهم. وقال ضابط بارز: “الحوثيون هم وكلاء عن إيران ولكن اسميا” و”هم شركاؤنا ضد القاعدة”. ولكن تعويل البنتاغون على الحوثيين ضد القاعدة كان خارج التفكير بعد عام 2015 وحملة السعودية التي حظيت بدعم من دول عربية.
وتوقع المسؤولون العسكريون الأمريكيون بعد الحملة أن تقوم الجماعة الحوثية بتقوية علاقاتها مع إيران، وهو أمر لم تكن تريده في المقام الأول.
لكل هذا شعرت شرائح في الجيش الأمريكي أن الغزو السعودي لليمن كان قرارا خاطئا. إلا أن السناتور الراحل جون ماكين نظر للتدخل بطريقة مختلفة، ودافع عنه وربطه بقرار الرئيس باراك أوباما توقيع المعاهدة النووية مع إيران. وقال إن هناك عددا من الأسباب الجيدة التي دعت السعوديين لإخفاء التدخل عن الإدارة في حينه. وقال: “هذه الدول التي تقودها السعودية لم تعلمنا أو تحاول التنسيق معنا أو مساعدتنا في هذا الجهد لأنها كانت تعتقد أننا نقف مع إيران”.
وسخر القادة العسكريون من هذا الرأي، رغم احترامهم لكل ما يقوله ماكين. وبحسب ضابط في القيادة المركزية “السبب الذي أدى بالسعوديين لإخفاء خططهم عنها” لأنهم كانوا يعرفون ماذا ستقوله أمريكا بالضبط، وهو “هذه فكرة سيئة”. وعبر الخبير بشؤون اليمن مايكل هورتون الذي يعرف الصراع عن قرب بسبب زياراته المتكررة للمنطقة عن نفس الرأي المتعلق بعدم قدرة السعوديين: “بصراحة لا يستطيعون إدارة هذا” و”لديهم كل الدمى ولكن هناك عددا قليلا يستطيع تشغيلها؛ فضباطهم الذين حازوا على رتبهم بالترفيع وبقية الضباط لا تجربة لديهم، كما أن قواتهم تم تجنيدها من القطاعات المتدنية في المجتمع السعودي، ولو علقوا في اليمن فلا أعرف ماذا سيكون ولاء هؤلاء الجنود والضباط”.
وبدأت الحملة جيدا من خلال القصف الجوي والحصار الذي أدى في البداية لإضعاف قدرات الحوثيين العسكرية، لكنها تسببت بكارثة إنسانية ومجاعات وأمراض.
ورغم الشك في الولايات المتحدة، إلا أن الجيش الأمريكي زاد من جهوده وقدم للتحالف الذي تقوده السعودية الدعم الاستخباراتي واللوجيستي وكذا النصح إلى الضباط الإماراتيين الكبار الذين كانوا يقودون القوات المعادية للحوثيين على الأرض. إلا أن النزاع وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية علق في وحل اليمن، ولم يكن لدى مرتزقة الإمارات القدرة المشابهة للمجموعات الحوثية وقياداتها المتماسكة، ومن هنا بدأ المتمردون باستهداف حقول النفط السعودية بصواريخ سكود. وبدأ حلفاء السعودية بالخروج من التحالف وكانت الإمارات آخرهم حين سحبت قواتها في تموز (يوليو). وفي الوقت الذي عانى مرتزقة الإمارات من خسائر فادحة على الحدود السعودية بدأ الحوثيون بتوطيد علاقاتهم مع إيران، وهو ما توقعه قادة البنتاغون منذ بداية الغزو عام 2015. وأثارت مصاعب السعوديين مخاوف في واشنطن.
وبعد أشهر من وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ فريق الأمن القومي بلقاء خبراء الشرق الأوسط بحثا عن طرق لإخراج السعوديين من ورطتهم. وترافقت اللقاءات التي قادها مستشار الأمن القومي في حينه الجنرال أتش آر ماكمستر مع تقارير أمنية تقول إن التدخل السعودي في اليمن يعرض استقرار الحكومة السعودية للخطر على المدى البعيد. وفي الحقيقة استخدم المسؤولون في العائلة المالكة حرب اليمن للقيام بحملة تسريبات تهدف لإضعاف ولي العهد محمد بن سلمان. وفي ظل هذا، توصل البيت الأبيض لنتيجتين هما “الوضع ليس جيدا للعائلة المالكة” وأن على الإدارة الأمريكية “فتح حوار مباشر مع الحوثيين”. وفي أيلول (سبتمبر)، أرسلت وزارة الخارجية ديفيد شنكر إلى الرياض للضغط على السعوديين للانضمام إلى المحادثات المنظورة بين أمريكا والحوثيين في عمان.
ما لم يقله المسؤولون الأمريكيون في تقييم أعدوه أن يد أمريكا العسكرية ضعيفة وتزداد ضعفا رغم تبجح بومبيو.
ويرى الكاتب أن هذا التاريخ يقدم سياقا لهجمات 14 أيلول (سبتمبر) التي دمرت فيها غارات صاروخية وطائرات مسيرة منشآت نفطية سعودية. وقد توصل المجتمع الأمني الأمريكي إلى أن إيران مسؤولة عن 20 غارة دمرت ناقلات نفط وعطلت إمدادات النفط لفترة مؤقتة لكنها أحدثت هزات في سوق النفط العالمي والبيت الأبيض. وفكرت إدارة ترامب لفترة قصيرة بعمل عسكري قبل أن ترسل وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الرياض، حيث أعلن عن إرسال تعزيزات عسكرية أمريكية لمساعدة السعودية على تحسين قدراتهم العسكرية وكجزء من إستراتيجية التهديد والتلويح بالعصا.
وفي الحقيقة، فإن التهديد يناقض واقع ما يجري في المنطقة. وكما قال مسؤول مدني، “فنحن لسنا الطرف الوحيد الذي يدير القطع في المنطقة”، و”أظهر الإيرانيون على مدى العامين الماضيين أنهم قادرون على ضربنا وحلفاءنا في كل الأماكن”. وبحسب المسؤول، فالولايات المتحدة وإيران تخوضان، منذ خروج ترامب من الاتفاقية النووية العام الماضي، حربا بالوكالة وبوتيرة متدنية، في العراق وسوريا واليمن والسعودية والمياه الغربية للخليج.
وضمت الهجمات ضرب الناقلات وإطلاق الطائرات المسيرة على الموانئ الرئيسية وغارات صاروخية على الرياض وهجمات في مرتفعات الجولان. وتناسقت الهجمات مع زيادة إيران دعمها لجماعاتها الوكيلة في المنطقة والتي أدت بإسرائيل للقيام بغارات جوية على سوريا ولبنان والعراق.
وفي الوقت الذي لم تقد المواجهات المتفرقة إلى مواجهة مباشرة بين أمريكا وإيران، إلا أنهما تسيران نحو الحرب. ويقول مسؤول في البنتاغون إن حسابات إيران القائمة على توسيع ساحة المعركة تعني أن أي مواجهة أمريكية – إيرانية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حلفاء إيران في المنطقة، بما فيهم حزب الله، مما يعني تعرضها وحلفاءها مثل إسرائيل للهجمات من هذه الجماعات.
ويتساءل مسؤول مدني في البنتاغون: “هل رأيت الخريطة المنتشرة على تويتر وتظهر إيران محاطة بالقواعد العسكرية الأمريكية؟ احزر ماذا؟ لقد قرر الإيرانيون حصار السعودية. وفي الوقت الذي نحاصرهم اقتصاديا قرروا عمل نفس الشيء، وكانت رسالة الأسبوع الماضي قوية وواضحة: إن لم نستطع تسويق نفطنا فسنعمل جهدنا لكي نمنعكم من تسويق نفطكم”. وما لم يقله المسؤولون الأمريكيون في هذا التقييم أن يد أمريكا العسكرية ضعيفة وتزداد ضعفا رغم تبجح بومبيو.