[ هجمات جماعة الحوثي على المنشآت النفطية السعودية أدت إلى تعطل أكثر من خمسة ملايين برميل نفط من الإمدادات (رويترز) ]
وصف خبراء وتقارير متخصصة الهجمات على منشآت النفط السعودية بالتطور الخطير، الذي قد يهدد إمدادات الطاقة حول العالم، ويدفع أسعار النفط إلى مستويات عالية، وسط غموض بشأن قدرة الاحتياطات الإستراتيجية على تعويض النقص الذي أحدثته هذه الهجمات، وتوقعات بتأخر أمد عودة طاقة إمدادات النفط السعودية لأسابيع. فماذا عن الرابحين والخاسرين من هذه التطورات؟
وأوقفت الهجمات التي تبنتها جماعة الحوثي على بقيق وخريص نحو 5.7 ملايين برميل يوميا من إنتاج السعودية من النفط، وهو ما يمثل نصف الإنتاج السعودي و5% من إمدادات النفط في العالم، في حين لم يعط المسؤولون السعوديون جدولا زمنيا لعودة الإمدادات بشكل كامل، لكن الرياض تسارع الخطى لاحتواء التطورات.
ارتفاع الأسعار
وتوقع خبراء ومتخصصون في تصريحات للجزيرة نت أن تشهد أسعار النفط ارتفاعا حادا بدءا من غد الاثنين مع افتتاح الأسواق.
وقال الخبير ووزير النفط العراقي السابق عصام الجلبي "تحتاج الأسواق لمعرفةٍ أدق بحجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت السعودية، والمدى الزمني الذي تحتاجه أرامكو لإصلاح هذه الأضرار". وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الضرر حتما واقع لكن حجمه يتوقف على هذه المعلومات.
وتابع "نتوقع أن يكون هناك ارتفاع للأسعار من دولار إلى دولارين بشكل آني عند فتح الأسواق غدا الاثنين، لكن كلما تسربت معلومات تفيد بأن الأضرار كبيرة وأن الفترة الزمنية لإصلاح الأعطال ربما تكون أطول؛ فإن مستوى ارتفاع الأسعار سيكون أكبر أيضا".
كما توقع وزير النفط العراقي السابق أن يستمر ارتفاع الأسعار لأسابيع وليس لأيام.
عصام الجلبي وصف الخمسة ملايين برميل التي توقفت بسبب الهجمات بكونها كمية كبيرة، وأنه لا يمكن لأي طرف تعويضها، سواء من منطقة الشرق الأوسط أو غيرها.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي والمصرفي قاسم محمد قاسم في حديث للجزيرة نت إن النفط سلعة حساسة جدا والتهديد الإستراتيجي لإمدادات بهذا الحجم يخشى أن يؤثر على الأسعار تأثيرا آنيا سريعا.
أما الأثر طويل المدى -كما يضيف قاسم محم قاسم- فيعتمد على ثلاثة عوامل: سرعة تعويض الإمدادات من المخزون الإستراتيجي، وسرعة إصلاح الأضرار وعودة الإنتاج إلى مستواه الأصلي، أما العامل الثالث فيعتمد على تفاعلات السياسة الدولية وإستراتيجية المملكة للتعامل مع أسوأ الاحتمالات.
تطور خطير
ووصف المحلل المالي ومدير عام شركة نماء للاستشارات المالية طه عبد الغني الهجمات على المنشآت النفطية السعودية بكونها "تطور خطير في الحرب اليمنية وتأثيراتها على النفط".
وقال للجزيرة نت "سيكون لهذه الهجمات تأثير على ارتفاع أسعار النفط، وعلى الظروف السياسية بالمنطقة". وأضاف "توقعاتي أن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير" إذا استمر تعطل الإمدادات.
من جانبه، قال الدكتور خالد الخاطر المتخصص في السياسة النقدية والاقتصاد السياسي "سترتفع الأسعار غدا، لكن يصعب التكهن إلى أين ستصل مع عدم وضوح حجم الأضرار بعد، والتبعات الجيوسياسية المعقدة المترتبة على هذا الهجوم".
وأضاف في حديث للجزيرة نت "أعتقد أن ارتفاع الأسعار سيبقى محدودا في نهاية المطاف، فالسعودية فقدت ميزة المنتج المرجح في سوق النفط العالمية منذ فترة طويلة، وتوجد مصادر بديلة لإمداد السوق باحتياجاته من النفط".
الخاطر اعتبر أن الخطورة تكمن في أنه لم يعد هناك مكان آمن في السعودية وبمنأى من الضربات.
وقال إن المنشآت النفطية لأكبر مصدر للنفط في العالم أصبحت في مرمى الطائرات المسيرة بسهولة، وهذا سيرفع المخاطر في أسواق النفط، ويزيد حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة بأسرها، والذي بدوره قد ينعكس سلبا على تدفقات النفط منها للعالم.
ونقلت فايننشال تايمز في وقت سابق عن خبراء تحذيرهم من احتمال وقوع ارتفاع حاد في أسعار النفط عند فتح الأسواق نتيجة الضرر الناجم عن الهجمات التي استهدفت معملين في قلب صناعة النفط بالسعودية بما في ذلك أكبر منشأة في العالم لتكرير النفط في بقيق.
ونقلت رويترز أيضا عن جيسون بوردوف المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا في نيويورك قوله "أسعار النفط ستقفز بفعل هذا الهجوم، وإذا طال أمد تعطل الإنتاج السعودي فسيبدو السحب من المخزون الإستراتيجي... مرجحا ومنطقيا".
السحب من المخزون الإستراتيجي
في حال استمر تعطل الإمدادات النفطية السعودية لفترة طويلة فقد تلجأ الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى للسحب من المخزونات النفطية الإسترايتجية لزيادة المعروض من النفط ومواجهة أية احتمالات لارتفاع غير مسبوق لأسعار الخام.
وقال وزير الطاقة السعودية الأمير عبد العزيز بن سلمان إنه سيتم تعويض جزء من الانخفاض لعملاء المملكة من خلال المخزونات.
وتملك السعودية احتياطات تبلغ نحو 188 مليون برميل، أي ما يعادل طاقة المعالجة في بقيق لمدة 37 يوما تقريبا، وذلك وفق ما ورد في مذكرة يوم السبت من رابيدان إنرجي غروب.
من جهتها، قالت الولايات المتحدة الأميركية إنها مستعدة لاستخدام الاحتياطي النفطي الأميركي الطارئ إذ لزم الأمر لتعويض أي تعطل في أسواق النفط نتيجة الهجمات التي تبنتها جماعة الحوثي.
ويبلغ الاحتياطي الأميركي، وهو الأكبر من نوعه في العالم، نحو 645 مليون برميل من النفط، وفقا لما يقوله موقع الوزارة الإلكتروني، ويتألف من 395 مليون برميل من الخام الثقيل عالي الكبريت و250 مليون برميل من الخام الأميركي الخفيف.
الرابحون والخاسرون
إذا كانت السعودية أكبر المتضررين من الهجمات على منشآتها النفطية، فإن ثمة لائحة طويلة من الخاسرين والرابحين من هذه التطورات.
السعودية
يقول الدكتور خالد الخاطر إن الأثر السلبي الأكبر سيكون على السعودية واقتصادها، من خلال زعزعة الثقة في المملكة، وفي استقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي.
ويضيف "هذه ضربة موجعة جدا ليس فقط في قلب الاقتصاد السعودي، بل في قلب المملكة بأسرها، وستكون لذلك تبعات سلبية كبيرة على الاستثمار، وعلى طرح أسهم أرامكو للبيع، وهذا سيزيد مصاعب اقتصاد المملكة المتعثر أساسا".
إيران
لم يستبعد المحلل المالي طه عبد الغني أن تخفف واشنطن عقوباتها على النفط الإيراني، لكون السعودية هي من كانت تعوض الإمدادات الإيرانية في الأسواق.
وقال "إذا تأكد تعطيل النفط بشكل طويل، فإن ذلك يمكن أن يعطي فرصة للنفط الإيراني لدخول الأسواق من جديد".
العراق ونيجريا
ويقول عصام الجلبي إن الضغوط التي مورست من جانب منظمة أوبك على العراق ونيجيريا لخفض الإنتاج التزاما باتفاق دعم الأسعار لن يصبح لها داع الآن، لكون 5.7 ملايين برميل الفاقد من النفط السعودي بسبب الهجمات أكبر بكثير مما يمكن أن تعوضه بقية الدول الأخرى.
ويضيف أن السعودية ستكون الخاسر الأكبر، ثم إيران التي توجد تحت طائلة العقوبات الأميركية.
أميركا وروسيا
قاسم محمد قاسم قال من جانبه إن الدول صاحبة الفائض ستستفيد، وهذا يشمل الولايات المتحدة وروسيا، لكن مقدار الاستفادة يعتمد على القرب من أسواق الاستهلاك ومرونة التحكم في زيادة معدلات الضخ.
وأضاف "الأمر يعتمد أيضا على تفاعلات السياسة الدولية وردود أفعالها ومدى شهيتها لاستثمار الحادث في المواقف السياسية لكبار المستهلكين، وكذلك لابتزاز مواقف من المملكة على أكثر من صعيد، السياسة الدولية ليست بريئة في التعامل مع تداعيات الحادث".
المستهلكون
يقول طه عبد الغني إن لائحة المستفيدين من هذه الأحداث ستشمل كل الدول المنتجة والمصدرة للنفط بسبب الارتفاع المتوقع للأسعار وتأثيراته الإيجابية على إيرادات هذه الدول.
ويضيف أن لائحة الخاسرين ستضم كل المستهلكين الذي سيعانون من زيادة أسعار النفط، والدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير مثل تركيا، مشيرا إلى زيادة احتمالات حدوث أزمة مالية على مستوى العالم.