[ تصعيد شعبي وحكومي.. هل تحوّل الوجود الإماراتي في اليمن إلى احتلال؟ ]
بدأ اليمنيون تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية واسعة داخل اليمن وفي عدد من العواصم العالمية، للمطالبة بطرد الإمارات من البلاد وإنهاء دورها في مدن الجنوب، بعد دعمها عملية الانقلاب في عدن، واستهداف الجيش اليمني بعدَّة غارات جوية.
وقبل أيام، قالت وزارة الدفاع اليمنية: إنَّ القصف الإماراتي على عدن وأبين خلَّفَ أكثر من 300 شخص بين قتيل وجريح، فيما أقرَّت أبو ظبي في بيان بتاريخ 29 أغسطس/آب الماضي بمسؤوليتها عن الغارات الجوية، وادَّعت أنَّ القوات التي استهدفتها كانت تُشكل تهديداً لقوات التحالف.
وفجَّرت هذه الأحداث غضباً شعبياً ورسمياً يمنياً، أعاد مطالبة طرد "الاحتلال الإماراتي" من اليمن، بل المطالبة بإنهاء عمل التحالف السعودي كلياً في اليمن، بعد انكشاف أهدافه الخفية، المُتمثلة بتقسيم اليمن وتقاسم ثرواته والبحث عن النفوذ بالمنطقة.
من جهتها، طالبت الحكومة اليمنية الرئيس عبد ربه منصور هادي بتوجيه رسالة إلى السعودية تُطالب بإنهاء مشاركة الإمارات في التحالف السعودي الإماراتي.
وفي رسالة مكتوبة لهادي، أكَّد أعضاء الحكومة الاحتفاظ بحق اليمن في مقاضاة الإمارات، كما طلبت الحكومة رسمياً من مجلس الأمن عقْد جلسة طارئة بشأن الضربات الجوية الإماراتية.
غضب شعبي
وفي ردود الفعل الشعبية، نظَّم محتجون صبيحة الـ30 من أغسطس/آب، مظاهرة حاشدة في تعز، طالبوا فيها برحيل الإمارات، وأحرقوا فيها العلم الإماراتي، ورفعوا عبارات وشعارات على شاكلة "ترحل الإمارات، الوجه الآخر لإيران"، و"كفى عبثاً يا إمارات الشر" و"رحيل الإمارات مطلب يمني".
وبحسب مراقبين، فإنَّ وعياً شعبياً بدأ بالتشكَّل عبر كشف دور الإمارات "التخريبي"، وكان الوعي واضحاً في عاصمة الثورة اليمنية تعز، وهي المدينة التي تسعى الإمارات لتقويض السلطة فيها، عبر مليشيات أبو العباس التابعة لها، وعبر ألوية طارق صالح العسكرية المدعومة من قبلها.
وبات اليمنيون ينعتون التدخُّل السعودي والإماراتي بـِ"الاحتلال"، في ظل إحكام سيطرة الدولتين على صُنع القرار والمصادر الحيوية والاقتصادية لليمن، إذ أنَّ الجملة الشهيرة "يسقط الاحتلال الإماراتي" أصبحت عنوان الاحتجاجات الشعبية المستمرة مُنذ دخول الإمارات إلى عدن.
ووصف وزيرٌ بالحكومة اليمنية الوجود الإماراتي في جزيرة سقطرى بـِ"الاحتلال متكامل الأركان"، داعياً الرئيس هادي إلى اتخاذ قرار حاسم حياله، ومكاشفة الشعب اليمني بما يدور بالجزيرة الواقعة جنوبي البلاد.
وقال وزير الدولة أمين العاصمة اللواء عبد الغني جميل، في منشور على فيسبوك في 19 يونيو/حزيران الماضي: "لا يوجد هناك أيَّ مبرر يُذكر لوجود الإمارات في جزيرة سقطرى" وأضاف: "هذا يعني الاحتلال بمعنى الكلمة، احتلال متكامل الأركان".
وتساءل في منشوره "ماذا تريدون من سقطرى؟، لا يوجد فيها حوثي، لا توجد فيها قاعدة أو داعش أو أي عناصر تخريبية على الإطلاق".
وصَّرح محمد كامل أحد منظمي وقفة احتجاجية في تعز لـِ"الاستقلال": "يتزايد الغضب الشعبي من دور الإمارات التخريبي كل يوم، حيث تظن أبوظبي بأننا نجهل أجندتها ومشاريعها، غير أنَّها أخطأت".
وتابع: "هذه تعز بلد الخمسة مليون مثقف، وعاصمة الحرية والثورة، فكما اقتلعت نظاماً كان عمره 33 عاماً، ستقتلع هذه الدويلة المراهقة ومليشياتها المسلحة (..) دخلت الإمارات ونحن يمن واحد، وتريد أن تخرج منها وقد حولتنا لخمس دويلات".
يضيف كامل: "تأخَّرت الشرعية في إنهاء دور الإمارات، وكل يوم يمر تزداد فيه الضريبة، ويجب على الشرعية أن تقوم بدورها بشكل جدي في إنهاء دور الإمارات، وإلا فسنضطر بهبتنا الشعبية لاقتلاع الإمارات واقتلاع الشرعية معها"، وفق تعبيره.
وقفات احتجاجية
في كل من واشنطن، أمام مقرِّ البيت الأبيض، ونيويورك أمام مقرِّ الأمم المتحدة، وبرلين قبالة السفارة الإماراتية، وفي إسطنبول أيضاً، نظَّم متظاهرون من أبناء الجالية اليمنية مسيرات ووقفات احتجاجية، في 31 أغسطس/آب والأول من سبتمبر/ أيلول 2019.
ونادى المتظاهرون في واشنطن برحيل الإمارات، ودعوها لمحاسبة أبوظبي على الجرائم التي نفَّذتها خلال أربع سنوات، فيما هتف المتظاهرون في شوارع نيويورك "يا ابن زايد يا كذاب.. أنتم داعش والإرهاب".
وتتزايد الاحتجاجات والمسيرات المطالبة برحيل الإمارات في عواصم أوروبية أخرى، إذ يقول الصحفي والحقوقي عبد الله الحرازي في تصريح لـِ"الاستقلال" إنَّهم يُحضِّرون لوقفة احتجاجية أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة بمحاسبة الإمارات عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في اليمن، عبر مليشياتها المسلحة التي نفَّذت اغتيالات وأقامت سجوناً سريةً واستهدفت الأبرياء.
وعن الوقفة الاحتجاجية بإسطنبول قال ياسر الشيخ رئيس الجالية اليمنية في تركيا: إنَّ "الهدف من هذه الوقفة، ومن كل الوقفات القادمة هو تعريف العالم بجرائم الإمارات وانتهاكاتها التي ترتكبها في اليمن مُنذ خمس سنوات، وتعريف العالم بدور الإمارات التخريبي وأجندتها التوسعية التي تأتي على حساب وحدة اليمن واستقراره".
يضيف الشيخ لـِ"الاستقلال": "الهدف من الحملة هو توحيد اليمنيين وتركيز جهودهم وتوجيهه لهذا العدو، وسنستمر في الضغط والتصعيد حتى نقطع يد الإمارات العابثة باليمن وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه".
حملات إلكترونية
في موازاة ذلك التصعيد الشعبي في العواصم العالمية، أطلق ناشطون يمنيون ومسؤولون حكوميون عدَّة حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة برحيل الإمارات، وقد حصلت على تفاعل واسع.
وكان لافتاً أنَّ ناشطين سعوديين وجدوا أثناء الحملة، حيث قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي في تغريدة ردَّ بها على الإماراتي ضاحي خلفان: "الأمر واضح يا خلفان.. هل تريدون طرد النفوذ السعودي من اليمن كله؟ يمن جنوبي تسيطرون عليه يكرس يمناً شمالياً تسيطر عليه إيران! وتريدون إسقاط الحكومة الشرعية (صديقة الرياض)؛ لكي يتحقَّق هذا السيناريو، ولا يبقى في اليمن صديق للسعودية، هذا الأمر واضح يا خلفان سجِّل يا تاريخ واشهد يا زمن".
وكتب سلمان الأنصاري مدير مركز العلاقات السعودية الأمريكية في واشنطن أنَّ المملكة هي الدولة الوحيدة المُخولة بالتصريح باسم التحالف لاسترجاع الشرعية اليمنية"، وفق تعبيره.
ودعت الحملة إلى مقاطعة الشركات والمنتجات الإماراتية، وقد حقَّقت وصولاً كبيراً، حيث بلغت الترند العالمي وتجاوزت خمسين ألف تغريدة.
رحيل التحالف
في حين طالب المحتجون برحيل الإمارات، دعا آخرون إلى رحيل التحالف السعودي، وتقود الحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان تياراً يطالب برحيل التحالف، وتقول: إنَّه لا معنى لرحيل الإمارات دون السعودية.
وكان عبدالكريم الأسلمي عضو البرلمان اليمني التابع للشرعية قد أدلى بتصريح للجزيرة مباشر قال فيه: "باعتقادي أنَّ التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن قد فشل تماماً في مهمته المُحددة بإنهاء انقلاب الحوثي وإعادة الشرعية، فقد بدأت تظهر للتحالف نوايا وأهداف أخرى غير ما هو مُعلن عنها".
ولذلك، فإنَّ المطالبة بإنهاء دور التحالف كاملاً في اليمن هو الأصوب والأجدر، خصوصاً و"نحن نعرف أنَّ جميع أطراف التحالف يعملون بتنسيق وتفاهم كامل، ولا يوجد أي خلاف بينهم، وعليه فإنَّ المطالبة بإنهاء دور طرف دون طرف غير مجدٍ، بل عليهم الرحيل جميعاً، وترك اليمنيين وشأنهم".
وكانت الإمارات قد تدخَّلت في المحافظات الجنوبية عبر قوات عسكرية ضمن قوات التحالف العربي، في يوليو 2015 ، بحُجة القضاء على الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية، لكنها مُنذ أن وصلت عملت على اعتقال أبناء المقاومة الجنوبية الذين قاتلوا الحوثي، وزجَّت بهم في السجون، وأنشأت لاحقاً تشكيلات عسكرية موازية، أسهمت بتقويض وإضعاف الشرعية، لتقود في 10 أغسطس/آب الماضي انقلاباً عسكرياً على حكومة الرئيس هادي في عدن.
ومُنذ أن انطلق التحالف بعملياته العسكرية ضد مليشيا الحوثي باليمن، في مارس/أذار 2015، حمل اسم "التحالف العربي"، لكنَّ هذه التسمية بدأت تتحوّل شيئاً فشيئاً لتقتصر على مسمّى "التحالف الإماراتي السعودي".
كما أنَّ الأمر لم يقتصر على تغيّر الاسم فقط، بل إنَّ الهدف الذي تأسّس التحالف من أجله "ضلَّ الطريق"؛ فبدلاً من قتال المليشيات المدعومة إيرانياً بدأت الرياض وأبوظبي "تقاسم الحِصص" فيما بينهما، بل واستهداف قوات الحكومة الشرعية التي انطلق التحالف بالأساس من أجل دعمها.
وعند تأسيسه كان التحالف يضم 9 دول؛ هي: السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر ومصر والأردن والسودان والمغرب، لشنِّ غارات على مواقع الحوثيين واستعادة العاصمة اليمنية صنعاء، قبل أن ينتهي إلى "التحالف السعودي الإماراتي"، ويواجه اتهامات دولية شبه يومية بارتكاب جرائم وانتهاكات.