[ طالبو اللجوء اليمنيون يتخذون من البلدة القديمة (وسط العاصمة عمّان) مكانا للعيش والعمل خوفا من توقيفهم وتعرضهم للسجن (الجزيرة نت) ]
أربع سنوات منذ دخول عبد الهادي إلى الأردن، لم يحصل فيها على أكثر من بطاقة "طلب إثبات لجوء" وتوقفت من بعدها ساعة الزمن بالنسبة إليه.
فبعد أن ظن أن تلك البطاقة ستحميه باعتباره لاجئا يمنيا قادما من صراع المليشيات هناك، فوجئ بتراكم الغرامات عليه، وأمسى عالقا لا يستطيع العودة خوفا من زَجّه إلى جبهات القتال -كما حدث مع أخيه الذي واجه مصير السجن من الحوثيين بسبب رفضه الانضمام لهم- ولا يستطيع الحصول على "إثبات اللجوء" بعد محاولات عديدة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إذ يحصل فيها بعد كل زيارة للمفوضية على وعود مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
معاناة عبد الهادي ورفاقه تمثل شريحة كبيرة لشبّان يمنيين فروا من تجنيد المتقاتلين في اليمن، أملا بفرصة حياة أفضل في الأردن، ليصطدموا بواقع بائس بين مماطلة المفوضية وإغلاق أبوابها بوجوههم وبين تراكم الغرامات عليهم وخطر العودة إلى جحيم الحرب. وخلف هذا الواقع تفاصيل لحقوق مهدورة عززها فقدان الحماية لهم، مما أدى إلى تعرضهم لانتهاكات يومية واستغلالهم في ظروف العمل والمعيشة والصحة.
أرقام
وفقا للناطق باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين محمد الحواري، فإن أعداد اللاجئين اليمنيين المسجلين لديها، وصل إلى 14 ألفا و665 لاجئا، لكن منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، كشفت أن عدد الجالية اليمنية الموجودة في الأردن تجاوز 27 ألفا.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، لم ينفِ الحواري تراوح أعداد اليمنيين المتقدمين لطلب إثبات اللجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى خمسمئة شخص كل شهر.
ويواجه اللاجئون اليمنيون في الأردن ضعفا في المقدرة المادية وقلة توفر المساعدات المادية والعينية، حسب ما أكدته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية.
مخاوف من السجن
واقع طالبي اللجوء اليمنيين دفع كثيرا منهم لاتخاذ منطقة وسط العاصمة عمّان (البلدة القديمة) مكانا للعيش والعمل، خوفا من توقيفهم وتعرضهم للسجن،إذ لا يركبون المواصلات العامة ولا يخرجون من محيط سكنهم.
وتعرض كثير منهم للتوقيف الأمني -بحسب عبد الهادي- لكن من اعتقل منهم استطاع إقناع رجال الأمن بالإسراع في إجراءات استخراج إثبات اللجوء، فبطاقة "طلب إثبات اللجوء" تعد مرحلة أولى بالنسبة لأي لاجئ لمواصلة عيشٍ كريم، يليها بطاقة "إثبات اللجوء"، ثم التوطين، وبعدها المضي بتقديم طلب هجرةٍ إلى إحدى الدول المانحة، كما يحلمُ عبد الهادي ومعظم طالبي اللجوء من اليمنيين في الأردن.
ولا تسمح الأردن لحمَلة الجنسية اليمنية الدخول إلى أراضيها إلا في حالات محددة مثل المرض ومرافقة المريض، وبعضهم قام بتدبر أمره عند مكاتب التأشيرات في اليمن، والدخول بصفة مريض.
تلك الشروط دفعت عبد الهادي إلى دفع 1700 دولار للحصول على تأشيرة من المكاتب السياحية بالعاصمة صنعاء، وبالنسبة له فإن هذا المبلغ يساوي أكثر من مليون ريال يمني، يستطيع من خلاله شراء سيارة أجرة هناك، لكن تحبسه عن ذاك ظروف الحرب وانقطاع الوقود وانعدام أدنى موارد الحياة.
فبعد أن فقد ثلاثة من أقربائه في أتون الحرب، وفقد وظيفته بسبب تفجير المصنع الكيميائي -على يد الحوثيين- الذي يعمل به، اتخذ قراره بالمضي في إجراءات الدخول إلى الأردن، لعله يستطيع إعالة عائلته بعد أن فقد معظم إخوته وظائفهم، لكنه شعر بخيبة أمل بعد أن أمسى عالقا لا يستطيع إكمال إجراءات اللجوء ولا يستطيع العودة لليمن، وبالكاد يكفيه المبلغ الذي يتقاضاه من العمل قوت يومه.
وفاة الوالد
ولم يستطع عبد الهادي العودة إلى اليمن لحضور مراسم دفن والده الذي قضى في حادث سير قبل ستة أشهر، وإلقاء نظرة أخيرة عليه قبل أن يوارى جسده التراب، فقد تراكمت الغرامات عليه لأكثر من ألفي دولار، أي بمعدل دولارين كل يوم يمكث فيه بالأردن.
وبعد أن قصد سفارة بلاده في العاصمة عمّان، قامت بدورها بإعطائه طلب استرحام لوزارة الداخلية الأردنية، تطلب منها إعفاءه من الغرامات المتراكمة عليه، وهو أقصى ما يمكن أن تفعل له السفارة، لكن سرعان ما تراجع عن هذه الخطوة بعد أن علم باحتجاز الحوثيين لأخيه الأكبر ورميه بالسجن، بسبب رفضه القتال معهم في الجبهات، وهو لا يريد مواجهة المصير نفسه.
ظروف المعيشة
يقيم عبد الهادي مع عدي وصلاح في غرفة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ويعانون من أمراض مثل التهاب المفاصل وأزمة "الربو" سببها قلة التهوية والرطوبة، فلا مطبخ متوفرا ولا ثلاجة أو مروحة تقيهم حر الصيف، ويتناوب ثلاثتهم على غسل ملابسهم بأيديهم، وغالبا ما يقوم بهذه المهمة العاطل منهم عن العمل.
ويقول عدي (28 عاما)، إن هذه الغرفة أفضل من السابقة، وهم سعيدون للحصول عليها بسعر 212 دولارا للشهر الواحد، ناهيك عن دفع فواتير الماء والكهرباء التي تصل إلى 50 دولارا على أقل تقدير.
عدي الذي جاء إلى الأردن بداية مطلع عام 2017 لا يجد عملا منذ ستة أشهر، ويضيف أن رفاقه في السكن يدفعون عنه تكاليف المعيشة، إلى أن يجد عملا يعيل به نفسه.
تعرض للتمييز
وبعد أن ملّ انتظار موافقة المفوضية على طلبه باللجوء، حاول عدي أن يبدل وضعه في الأردن من طالب لجوء إلى مقيم، ليتراجع عن ذلك، نظرا لكلفة إخراج التصريح والإقامة -بعد مكوثه قرابة عامين- التي تصل إلى 1419 دولارا.
وبعد أن أعرض عن تلك المحاولة، عاد لمراجعة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، عَلّه يحرك عجلة اللجوء لكن دون جدوى، ويحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع اليمنيين في الأردن لسفارة بلاده المعنية برعاية شؤون اليمنيين ومساعدتهم، ومفوضية اللاجئين، والحكومة الأردنية.
وبالرجوع للناطق الإعلامي في وزارة العمل الأردنية محمد الخطيب، أكد أن تكاليف إصدار تصريح عمل للوافد اليمني تساوي 738 دولارا للسنة الواحدة.
وبالمقارنة مع تكاليف إصدار تصريح عمل اللاجئ السوري، فإن الأخير لا يدفع سوى رسوم إصدار لا يتجاوز عشرين دولارا للسنة الوحدة، ويبرر الخطيب ذلك بسبب اهتمام المجتمع الدولي بدعم اللاجئ السوري وإعفائه من دفع الرسوم بقرار من مجلس الوزراء الأردني، دون غيره من الجاليات الأخرى في الأردن.
استغلال
"في كثير يمنيه في وسط البلد، لسان حالهم لا تشكيلي لأبكيلك" بهذه العبارات المحلية يعبر صلاح (25 عاما) عن يوميات حياته في الأردن، إذ يعمل لأكثر من 16 ساعة في اليوم وبنظام المياومات (العمل بنظام اليوم الواحد)، وسط ظروف قاسية، وبراتب لا يتجاوز أربعمئة دولار للشهر.
ولا يستطيع الصمود في العمل الذي يحصل عليه أكثر من بضعة أشهر، بسبب تعرضه للإهانة من أرباب العمل، ومنعه من الجلوس والتحدث بالهاتف، والوقوف لساعات تفوق معدل العمل الرسمي في الأردن وهو ثماني ساعات لليوم، ويعزو صلاح تعرضه للاستغلال من أصحاب العمل بسبب وضعه القانوني، بصفته طالب لجوء لا أكثر.
وأقصى طموح صلاح وعدي وعبد الهادي الحصول على هجرة خارج الوطن العربي بعد أن كانوا يطمحون لإكمال دراسة الماجستير وتأمين مستقبلهم قبل أن يفاجؤوا بواقع بائس بدد آمالهم بحياة كريمة، وتوقفت حياتهم منذ أن أوقفت مفوضية اللاجئين طلب إثبات اللجوء، إلى أجل غير مسمى.