[ ترحيل أبناء الشمال من عدن.. "حلول" تكرس انقسام اليمن ]
شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب)، الجمعة والسبت الماضيين، أعمال تضييق وترحيل بحق أبناء المحافظات الشمالية الموجودين فيها، عقب تفجيرات استهدفت مقرًا أمنيًا ومعسكرًا للجيش الخميس، وأسقطت 49 قتيلًا، بحسب وزارة الداخلية.
يرى كثيرون أن مثل تلك الممارسات تكرّس مفهوم الانقسام وتعزز صور الكراهية بين أبناء الشعب، بينما يعتبرها آخرون خطوة مهمة لتحقيق الأمن والاستقرار في عدن وبقية المحافظات المحررة، بداعي القضاء على خلايا نائمة بين النازحين من الشمال تابعة لجماعة "الحوثي".
ويخوض "الحوثيون" منذ نحو خمس سنوات، حربًا ضد القوات الموالية للحكومة، ويسيطرون على محافظات عدة بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
أجندات إقليمية
ووفق الكاتب والمحلل السياسي أحمد الزرقة، فإن مثل تلك "الأعمال العدائية" ضد أبناء المحافظات الشمالية تعكس رغبة أطراف سياسية في تعميق الفجوة المجتمعية بين أبناء الجنوب والشمال.
ويضيف الزرقة للأناضول: "كل ما يجري في عدن اليوم لا يخدم القضية الجنوبية، ولا يساعد في تحقيق مطالب أبناء الجنوب وحل قضيتهم العادلة، فالانفصال هو قرار سياسي لا يتحقق بحملات كراهية وطرد للمواطنين".
وتدعو قوى جنوبية إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، وتتهم تلك القوى الحكومات المتعاقبة بتهميش الجنوب ونهب ثرواته.
ويتابع الزرقة: "توجد أطراف إقليمية لديها مشاريع صغيرة تغذي مثل تلك الأعمال، ولديها أجندة خاصة لتعزيز الانقسام المجتمعي".
وينفذ تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، عمليات في اليمن منذ مارس/ آذار 2015، دعمًا للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.
ويردف: "لكن تلك الأجندة لا تتناسب مع مطالب أي طرف محلي، وهي بذلك تتناقض مع مفهوم العدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، وغيرها من المواثيق الأساسية التي تقوم بموجبها الدول والحكومات".
ويزيد بقوله: "توجد مطالب عادلة لأبناء الجنوب، لكن هناك أولويات تتمثل في استعادة اليمنيين لدولتهم، ثم يُمنح الجنوبيون الحق في الاستمرار في إطار الوحدة (بين الشمال والجنوب) أو رفضها، وفق مصلحة كل الأطراف في البلاد".
خلايا حوثية نائمة
"تصرفات فردية".. بتلك العبارة يصف منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي (يطالب بانفصال الجنوب عن الشمال)، أعمال الترحيل والتضييق بحق أبناء الشمال في عدن.
ويضيف صالح للأناضول: "لا توجد توجيهات من المجلس بالترحيل، فهي تصرفات فردية يقوم بها غاضبون ومتألمون من التفجيرين الإرهابيين اللذين حصدا عشرات القتلى".
ويتابع: "تلك التصرفات غير ممنهجة وغير مقبولة، رغم ما يعتصر قلوب أبناء الجنوب من ألم لفقدانهم خيرة شبابهم".
ويرى أن "هناك إشكالية كبيرة تتسبب فيها الحكومة بتشجيعها أبناء المحافظات الشمالية على النزوح إلى عدن والمحافظات الجنوبية عامة دون مبرر، خاصة أن معظم النازحين من الشباب، وسط شكوك كبيرة بأن الكثير منهم هم خلايا نائمة لمليشيا الحوثي لتنفيذ أعمال تخدم الجماعة".
ويمضى قائلًا: "لا ننكر أن هناك مواطنين متضررين وبسطاء قدموا إلى عدن لطلب الرزق والعمل، وهؤلاء مرحب بهم، لكن بشكل عام هناك إشكالية، والأمر يتطلب ترشيد وتنظيم النزوح، وإيجاد قاعدة بيانات للنازحين لضمان عدم التضييق عليهم".
اتساع الفجوة
من جهته يشدد رئيس مركز اليمن للدراسات وحقوق الإنسان، محمد قاسم نعمان، على أن "ردود الأفعال المتشنجة مضرة ومسيئة للجنوبيين ولا تخدم قضيتهم العادلة، بل تساهم في اتساع الفجوة بين أبناء البلد وتعقد الأوضاع أكثر".
ويشدد للأناضول على أن "الاعتداء على أصحاب البسطات والباعة المتجولين والتنكيل بهم ليس علاجًا للأحداث المؤسفة التي حدثت في عدن الخميس، ولا للأعمال الإرهابية التي شهدتها (محافظة) أبين الجمعة، والمعارك التي تشهدها الضالع أيضًا".
ويدعو نعمان إلى "البحث عن المسؤولين الحقيقيين عن تلك الجرائم، وليس الاعتداء على البسطاء وقطع أرزاقهم".
انتهاك للقانون
بدورها المحامية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، تعتبر أن ما يحدث في عدن هو "نتاج طبيعي للتعبئة الخاطئة والمقيتة ضد كل من هو شمالي".
وتوضح الصراري للأناضول: "كل تلك الممارسات تمثل خروجًا عن القانون وانتهاكًا للحقوق والحريات التي نصت عليها القوانين الوطنية قبل الدولية".
وتحذر من أن "من شأن تلك الأفعال تكريس الانقسام والتشظي بين أبناء الشعب، خاصة وأن الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية يرفضونها".
وترى أن "المخرج الوحيد لتلك الأزمة هو ضبط النفس والتقيد بالنظام والقانون والعمل على توحيد الجيش والأمن تحت مظلة الدولة اليمنية الواحدة".
دعوة للمغادرة طواعية
"في ظل حالة الاحتقان والغضب الكبيرة في عدن، ندعو المواطنين من المحافظات الشمالية إلى مغادرة المدينة طواعية".. بتلك العبارات يستهل رئيس تحرير صحيفة "عدن 24"، مختار يافعي، حديثه للأناضول.
ويبيّن أن "عمليات الترحيل والتضييق غير مرحب بها من كل أطياف الحراك الجنوبي، لكن لابد من تقدير الحالة النفسية للكثير من القيادات، خاصة في قوات الحزام الأمني (جنوبية مدعومة من الإمارات)، التي خسرت عشرات الشباب".
ويتابع: "أدعو إخواننا من أبناء الشمال إلى تقدير الظرف الذي يمر به الناس في عدن ومغادرة المدينة حتى تهدأ النفوس وتظهر نتائج التحقيقات الخاصة بهجومي معسكر الجلاء ومركز شرطة الشيخ عثمان وتستقر الأوضاع".
ويرى اليافعي أن "المغادرة من شأنها تخفيف الاحتقان في عدن، وهي فرصة مواتية أيضًا لأبناء الشمال لقضاء إجازة العيد في مدنهم وقراهم وبين أهاليهم".
فتنة ونعرات مناطقية
بينما تعتبر صفاء الدبعي، وهي صحفية، أن دعوات التحريض على إخراج أبناء الشمال تمثل "فتنة يجب إيقافها، حتى لا تدخل عدن في المزيد من الفوضى".
وتلفت الدبغي، في حديث للأناضول، إلى أن "الشريعة الإسلامية تحرّم الفتنة بجميع أشكالها، وتحرم إراقة الدماء".
وتختم بقولها: "على الجنوبيين أن لا ينصاعوا لدعوات الفتنة والنعرات المناطقية، في مدينة لا تحتاج إلى مزيد من الألم".