[ تثير سياسة فرنسا في الوطن العربي الكثير من الانتقادات ]
سواء كان ذلك في ليبيا أو سوريا أو اليمن، تثير السياسة الخارجية الحالية لفرنسا -التي تتأرجح بين الواقعية والدفاع عن وضع "بلد حقوق الإنسان"- الكثير من الانتقادات والغموض.
وذكر الكاتب جهاد جيلون -في مقال نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية- أنه بعد مضي بضعة أيام على الهجوم الذي شنه اللواء خليفة حفتر على العاصمة حاول إجراء مقابلة مع شخصيات رسمية من طرابلس، قبل أن يجري اتصالا هاتفيا بالسياسي الليبي عبد الحميد الدبيبة.
وأشار إلى أن الدبيبة -الذي لا يخفي طموحاته السياسية- عمل سابقا ضمن إدارة القذافي، كما أنه لا يتعاطف مع الإسلاميين الذين يتخذون من مصراتة معقلا لهم، ورأيه حول الأزمة الحالية والمشير حفتر -بالنسبة للكاتب- أهمية كبرى.
وكشف الكاتب أنه خلال حواره مع الدبيبة، طلب الأخير توضيحات حول موقف فرنسا تجاه الأزمة، وتساءل عن "دور هذا البلد في ليبيا، وسبب دعمه لحفتر". وأكد أن الليبيين لا يريدون "نظاما عسكريا أو قذافيا جديدا".
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية المعارك في طرابلس، طالت باريس انتقادات واسعة بسبب دعمها لمن وصفه المقال بسيد الشرق الليبي الذي تتعاون معه فرنسا خاصة على الصعيد الاستخباراتي.
وأورد الكاتب أنه في طرابلس -التي تعالت فيها الأصوات المرحبة بفرنسا بعد الدور الذي لعبته في إسقاط نظام القذافي سنة 2012- خرج متظاهرون ليبيون مرتدين سترات صفراء يحتجون ضد فرنسا، ويدوسون على صور الرئيس إيمانويل ماكرون بأقدامهم.
من عاصمة الحقوق لدولة الأمن
وأكد الكاتب في حواره مع المسؤول الليبي أن "أولوية فرنسا في ليبيا تتمثل في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، ولهذا فهي تعتقد أن حفتر أفضل مرشح لمكافحة هاتين الظاهرتين".
وأشار إلى أن فرنسا لا تعد الجهة الوحيدة التي تدعم حفتر، حيث تلعب روسيا ومصر والسعودية الدور نفسه متسائلا عن "السبب الذي يجعل الانتقادات تطال فرنسا فقط".
وذكر الكاتب أنه بالنسبة للدبيبة فإن الليبيين "لا ينتظرون شيئا من هذه الدول، أما فرنسا فهي دولة ديمقراطية يجب عليها مساعدة ليبيا على النهوض من جديد وليس الغرق في الحرب".
وعلى غرار الدبيبة، هنالك الكثير من الشخصيات في العالم العربي التي لم تستوعب بعد موقف باريس. وفي حقيقة الأمر، من طرابلس وصولا إلى صنعاء، تولي فرنسا أهمية كبرى للأمن على حساب أي اعتبارات أخرى.
حرب اليمن وسوريا
ويتطرق الكاتب بمقاله للأزمة اليمنية، حيث تطارد السلطات الفرنسية تهم من قبل منظمات حكومية ببيع الأسلحة للتحالف السعودي الإماراتي الذي تورط في جرائم حرب واضحة. رغم أن هذه الاتهامات لا تطال باريس لوحدها، فإنها تبقى على رأس قائمة الذين تشوههم الانتقادات بسبب دورها في اليمن.
وفي سوريا، وبعد أن كانت فرنسا أول البلدان التي أدانت دوليا نظام الأسد، يبدو أنها بدأت اليوم تستوعب انتصار محور "دمشق موسكو طهران" بعد تفوقه عسكريا على خصومه بالميدان. ولا يشغل بال باريس في الأزمة السورية -التي لم تنته بعد- سوى الإرهابيين الفرنسيين الذين يمكنهم العودة للبلاد في يوم من الأيام، لذلك أصبح منهج السياسة الفرنسية تجاه العالم العربي محتكرا على مكافحة الإرهاب "وانعدام الاستقرار".
رهينة موقفها
وتساءل الكاتب عن ضرورة إلقاء اللوم على سياسة باريس المرتكزة على منطق القوة من عدمه، وإلى أي مدى يمكن السماح لها بالبقاء في موقع المتفرج في ظل وقوع اليمن بين أيدي الحوثيين.
وأشار إلى أن غموض سياسة ماكرون الخارجية يلخص مدى معاناة الدبلوماسية الفرنسية، لأنه إذا لم يغير تلك السياسة فإن فرنسا ستبقى رهينة موقفها باعتبارها دولة ديمقراطية تحترم القانون الدولي. لذلك، فهي لا تستطيع أن تدعم حفتر بالكامل، ولا حكومة السراج التي تحظى باعتراف أممي، كما أنها لا تستطيع استئناف أو تطبيع العلاقات بصفة كاملة مع دمشق.
وأضاف أن كلا من السعودية والإمارات وروسيا أضحوا شركاء لفرنسا يكتسون موثوقية أكبر خلال الأزمات، ولكنه أكد أن "أبناء شعبه لا ينتظرون شيئا من روسيا أو من غيرها".
وخلص إلى أن جزءا أساسيا من مشاكل فرنسا في ليبيا يتمثل في عدم تقديمها موقفا واضحا، حيث ينتظر منها الكثير قبل أن تتحمل عواقب سياستها الخارجية.