[ الحرب أحدثت دمارا هائلا في اليمن (أسوشيتد برس) ]
تساءل موقع أوريان21 الفرنسي ما الذي تغير في اليمن بعد أربع سنوات من دخول الشعب اليمني في حرب أهلية أصبحت الآن دولية؟ وللرد على هذا التساؤل، نشر الموقع مقالا مطولا للباحثة المستقلة هيلين لاكر التي عملت وعاشت في اليمن 15 عاما.
وفي بداية مقالها قدمت الباحثة أرقاما رأتها مهمة لفهم ما يجري هناك، منها مقتل ستين ألف شخص من جراء أعمال مرتبطة بالحرب مباشرة في جميع أنحاء البلاد، معظمهم بواسطة غارات جوية شنتها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية.
ومنها موت الآلاف بسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، بما في ذلك أكثر من 85 ألف طفل دون سن الخامسة، إضافة إلى أن أكثر من عشرين مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و15 مليونا على وشك المجاعة.
وفوق كل هذا تم تسجيل أكثر من مليون حالة إصابة بالكوليرا عام 2017، مقارنة مع 380 ألف حالة فقط عام 2018، كما أن ملايين الأشخاص ليس لديهم دخل، والآلاف في المنفى بالمنطقة.
جمود مستمر
وقالت الباحثة إن الحرب التي أطلقت مارس/آذار 2015 وخطط لأن لا تتعدى أياما أو أسابيع لاستعادة الشرعية اليمنية، بعد طرد الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من صنعاء، تغير هدف هذه الحرب لتصبح جزءا من الصراع مع إيران وما زالت تراوح مكانها بعد أربع سنوات.
وأضافت -في مقالها- أن الائتلاف "حرر" حوالي ثلثي البلاد مع تحفظها على استخدام مصطلح "تحرير"، لأن الحوثيين لم يطؤوا بعض المناطق، وضربت مثالا بمعركة عدن بين قوات صالح والقوات الجنوبية عام 2015، التي انتصرت فيها قوات برية بقيادة الإمارات تشمل قوات من جنسيات مختلفة.
ومنذ خريف عام 2015، لم يتم حل الجمود العسكري بشكل كبير –حسب الباحثة- إلا في سهل تهامة على طول ساحل البحر الأحمر، حيث وصل التحالف إلى المخا عام 2017، لكنه لم يحرز أي تقدم كبير في الحديدة حتى عام 2018، وفي مناطق أخرى، استمر الجمود على نطاق واسع.
وأشارت لاكر إلى فشل المفاوضات في جولتين، وقالت إن الأمر استدعى 27 شهرا وضغطا دوليا كبيرا على السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، لكي تتم مفاوضات جديدة أجريت في السويد ديسمبر/كانون الأول 2018، وكانت سيئة التحضير.
ورأت الباحثة أن العنصر الرئيس في هذه المحادثات تأكد مبكرا أنه سينهار بالتدريج، وهو وقف إطلاق النار في الحديدة الذي كان الهدف منه منع هجوم كارثي على المدينة والميناء، وضمان انسحاب القوات من الجانبين للسماح باستيراد الغذاء والوقود اللازمين لإنقاذ ملايين الأرواح.
تفكك وشيك
واستعرضت لاكر حالة البلاد المنقسمة إلى منطقتين، "منطقة محررة" ومنطقة يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، وقالت إن الحوثيين يسيطرون سيطرة شبه حصرية على الأفراد والموارد في مناطقهم، خاصة بعد أن قتلوا حليفهم السابق الرئيس المخلوع علي صالح ديسمبر 2017، أما في المنطقة المحررة التي تقع نظريا تحت حكم الرئيس الشرعي هادي، فسلطة الحكومة فيها غائبة، والقوة الوحيدة المهيمنة عليها هي حكام محليون كاملو السيطرة.
ونبهت الباحثة إلى أن اليمن قبل الحرب كان مهددا بالتفكك الداخلي، أما الآن فقد وصلت الحال إلى مستوى التفتت الذي سيكون من الصعب للغاية إصلاحه.
وأوضحت أن المحافظات الجنوبية والشرقية يتم توفير الأمن فيها من قبل مليشيات مسلحة تتكون أساسا من عناصر جندتها ودربتها ومولتها دولة الإمارات تحت اسم "النخبة" أو "الأحزمة"، وهي تسهر على تطبيق برنامج مكافحة "حزب الإصلاح"، حسب الباحثة.
ورأت أن الإمارات -تحت غطاء قتال القاعدة في شبه الجزيرة العربية- أشركت بعض المليشيات التابعة لها في هجمات ضد الحوثيين، وأنها تعمل، بغض النظر عن الإرادة الشعبية، على تعزيز استقلال الجنوب، مما يزيد من تفكك البلاد.
انهيار الاقتصاد
وقالت الباحثة إن الاقتصاد اليمني الذي كان ضعيفا في الأوقات العادية قد انهار، وبعد أن كان 54% من السكان تحت خط الفقر عام 2013، أصبحت هذه النسبة اليوم أكثر من 80%، كما تغيرت آليات بقاء الأسر بشكل جذري، بعد أن كان السكان قبل الحرب يعيشون على الزراعة والثروة الحيوانية، إضافة إلى الوظائف الحكومية وتحويلات المغتربين في السعودية.
أما في اقتصاد الحرب الجديد –حسب الباحثة- فترتبط معظم الدخول بالحرب، آتية من السعودية والإمارات، فضلا عن المساعدات الإنسانية الدولية في شكل مدفوعات نقدية من البنك الدولي ومنظمات دولية أخرى للفقراء.
أما التهريب –كما تقول الباحثة- والرسوم الجمركية والضرائب على البضائع العابرة، فذلك يستفيد منه "أمراء الحرب" من جميع المشارب، في حين يكون مصدر الدخل الأكثر موثوقية هو مشاركة الشباب والمراهقين في الوحدات العسكرية -مثل الحوثيين والمليشيات الجنوبية والجيش الرسمي أو غيرهم- وهذه "الوظائف" هي الوحيدة التي توفر أجورا منتظمة وتسمح للشباب بإعالة أسرهم والحصول على مكانة اجتماعية أعلى، حسب لاكر.
ومع أن النساء يشاركن في العديد من الأنشطة المجتمعية والسياسية، وسلطتهن داخل الأسرة زادت، فإن تعرضهن للعنف قد زاد أيضا، سواء في المنزل أو في أي مكان آخر، بحسب الباحثة.
أسوأ أزمة إنسانية في العالم
منذ عقود، كانت اليمن تستورد 90% من الحبوب الأساسية والوضع الإنساني كان سيئا للغاية قبل الحرب، ولذلك أدى الصراع إلى كارثة وصفتها الأمم المتحدة بشكل منهجي بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" منذ عام 2017، ولا شك في خطورة الأزمة -حسب الباحثة- بغض النظر عن موثوقية الأرقام المقدمة.
ومع أن معظم المناقشات تركز على القيود التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية، فإن معظم الواردات يتم توفيرها من قبل القطاع الخاص الذي تزداد صعوباته.
ومع أن الأمم المتحدة وصفت بعض المناطق بأنها "منكوبة"، فإنها لم تعلن عن المجاعة لأسباب مختلفة، من أهمها الخوف من تأثير ذلك على سمعة الوكالات الإنسانية التابعة لها التي جمعت ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار من خلال ندائها الإنساني لعام 2018، كما طلبت 4.2 مليارات دولار من التمويل الإنساني لهذا العام 2019.
وتمثل الأزمة الإنسانية أيضا –حسب الباحثة- فرصة لعشرات من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في اليمن، تقوم بجمع مبالغ كبيرة -باعتبارهم وسطاء بين مصادر خارجية ومنظمات يمنية متنوعة- تبرر الدول والجهات المانحة الدولية هذه الإجراءات بعدم ثقتها بالمؤسسات اليمنية.
السلام مقابل السلاح
لا تزال المشاركة الرسمية الأميركية في الحرب اليمنية مركزة على القاعدة في جزيرة العرب، وقد شنت غارات جوية ناجحة إلى حد ما أدت إلى مقتل قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحد من أنشطتها بشكل كبير، ولكن الدعم الأميركي للسعودية والإمارات من خلال مبيعات الأسلحة والمساعدة الفنية والدعم الاستخباراتي أصبح مشكلة في الكونغرس بعد مقتل جمال خاشقجي، وفق الباحثة.
وقد أدى هذا الدعم إلى التساؤل حول أخلاقية التحالف الأميركي مع السعودية، وسمح للكونغرس الجديد المنتخب نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بتبني قرارات تعارض الحرب في اليمن، وأصبحت هذه الحرب الآن جزءا من النقاش السياسي الداخلي الأميركي بين الكونغرس وإدارة الرئيس دونالد ترامب، ولكن من غير المحتمل أن يتوقف الدعم الملموس للتحالف، كما تقول الباحثة.
ومع ذلك، فإن الاختلاف بين سياسات إدارة ترامب وإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أقل أهمية مما يمكن توقعه، إذ فضل كل منهما العلاقات الوثيقة مع النظامين السعودي والإماراتي على حساب الملايين من اليمنيين، كما تلاحظ الباحثة.
وأوضحت أن هناك تقاربا وهَما مشتركا آخر بين الإستراتيجيات الأميركية والسعودية والإسرائيلية -حسب الباحثة- وهو الهوس بموضوع إيران التي تعتبر بالنسبة لها جميعا التجسيد الحالي الوحيد للشر منذ أن أزالت إدارة ترامب كوريا الشمالية من هذا الوضع.
وتضيف لاكر بأنه -وباستثناء البعد الإيراني- يمكن للمرء أن يقول الشيء نفسه عن المملكة المتحدة التي تقدم دعما تاريخيا لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها الآن تواجه مشكلة التوقعات الاقتصادية التي لا يمكن التنبؤ بها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، مما يمنعها من اتخاذ أي مبادرات قد تعرض للخطر الاستثمارات المستقبلية لدول مجلس التعاون.
ففي مجلس الأمن تشارك المملكة المتحدة بنشاط، وتدعي أنها تسعى للسلام، في حين أنها تستمر في بيع الأسلحة بأضعاف مقدار مساهمتها في المساعدات الإنسانية وغيرها -كما تقول الباحثة- مشيرة إلى أن فرنسا ودولا أوروبية أخرى تتبع نهجا مماثلا.
وبغض النظر عن دعم الحكومات الغربية للتدخل في اليمن، فإن الرأي العام في هذه البلدان يعارض بشكل متزايد هذه الحرب بسبب مئات الإصابات في الغارات الجوية على المواقع المدنية (المستشفيات والأسواق وحفلات الزفاف والجنازات).
الإمارات في الخلفية
يتكون التحالف رسميا من تسع دول، لكن السعودية والإمارات هما صانعا القرار الوحيدان، غير أن الإمارات تسمح لنفسها بالبقاء في الخلفية والحفاظ على سمعتها بشكل أفضل من خلال تصويرها أن "السعودية هي التي تدير الحرب"، مما يجنبها كارثة العلاقات العامة المتصاعدة، على الرغم من تورطها في إنشاء سجون سرية وتعذيب لمواطنين يمنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، حسب الباحثة.
وأوضحت لاكر أن تدويل ما كان حربا أهلية بدأ بمبادرة من ولي العهد السعودي الحالي الأمير محمد بن سلمان، بعد شهرين فقط من تعيينه وزيرا للدفاع من قبل والده الملك سلمان الذي تولى العرش السعودي للتو وقتها.
وعلى الرغم من أن الحرب الآن في عامها الخامس وأن احتمال تحقيق نصر سريع قد نسي منذ زمن طويل، فإن موقف ابن سلمان لم يضعف، إلا أن اغتيال خاشقجي هو الذي أثر في صورته -باعتباره شابا "يحمل نفَسا إصلاحيا جديدا"- وهي صورة لا يراها ملايين اليمنيين من ضحايا قنابل طائراته أو سياساته المناهضة للهجرة.
وفي الوقت نفسه، أضافت الإمارات التي نجحت لسنوات في الترويج لصورة نظام متساهل وخيّر، إلى قوانينها الجديدة ترسانة تقضي على حرية التعبير وتبعث على السخرية، حين يسجن مشجع بريطاني لكرة القدم لارتدائه قميصا احتفالا بفريق مشارك، ووجهت إليه تهمة دعم قطر التي تؤدي إلى عقوبة سجن طويلة، حسب الباحثة.
السلام ليس غدا
تقول لاكر إنها لسوء الحظ، ستقوم بنشر مقال جديد بعد عام دون أي تغيير كبير آخر غير الزيادة في عدد الوفيات والدمار، مشيرة إلى أن التفكيك الحالي لاتفاقية ستوكهولم ديسمبر/كانون الثاني 2018 يوضح أن أيا من صناع القرار المشاركين في القتال ليس على استعداد لوضع حد لمعاناة ملايين اليمنيين.
وتشير الباحثة إلى أن تركيز الأمم المتحدة على الحديدة -وإن كان مبررا بالخوف من كارثة إنسانية- لن يمنع التحالف من استئناف هجومه العسكري فيها، كما أنه يصرف الانتباه عن الجوانب الأخرى من الديناميكيات التي يمكن أن تقدم حلولا أفضل تسهم في الحد من القتال على الأقل.
وتؤكد هيلين لاكر -في نهاية مقالها- أنه مع تلاشي تأثير اغتيال خاشقجي، سيتضاءل ضغط الإدارة الأميركية على النظام السعودي لإنهاء تدخله في اليمن وستواصل الإمارات إستراتيجيتها، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع وتفكك البلاد، في وقت دخل فيه ملايين اليمنيين عامهم الخامس من المعاناة والجوع والمرض والقتال والقصف الجوي، والمجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة دون أن يحرك ساكنا.