[ المهرة تُعدّ ثاني أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة ]
من الكتمان إلى العلن، ظهر الخلاف العماني الإماراتي بعد سنوات من الصراع الصامت بين البلدين، وهو ما كشفه الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان، يوسف بن علوي، في أول موقف لمسقط عن أسباب الخلافات الأخيرة بين البلدين الجارين.
في مقابلة تلفزيونية مع قناة روسيا اليوم (بثتها أمس الاثنين)، قال الوزير العماني، إن خلافات مسقط وأبوظبي نشأت على خلفية الحرب التي شنّها التحالف "السعودي الإماراتي" على اليمن، وتدهور الوضع الإنساني هناك.
وأضاف الوزير: "ليست هناك خلافات بمعنى الخلافات كما يتم تداوله إعلامياً، ولكن هناك تباين بوجهات النظر، وهذا طبيعي"، مشيراً إلى أن بلاده اختلفت مع الإمارات على مسألة حرب اليمن؛ "لأن موقفنا واضح ومُعلن، فلا ندفع ولا نتسبب بحروب ولا خلافات".
عُمان وحرب اليمن
بعدما أعلنت السعودية انطلاق "عاصفة الحزم" عام 2015، وافق كل أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي على الانضمام للتحالف، عدا عُمان؛ التي فضّلت التواجد السياسي فقط في تلك الأزمة.
وتوسطت عُمان بين الغرب والحوثيين معتمدة على نفوذها في الدخول كوسيط موثوق به في أي اتفاق لإنهاء الحرب في اليمن، وهو ما أغضب السعودية والإمارات، التي شنّت حرباً على السلطنة من خلال وسائل الإعلام التابعة لها.
وبرز وجود عُمان في الأزمة اليمنية من خلال الاستقبال المستمر لوفد الحوثيين الذي شارك في عدة مفاوضات خارجية مع الحكومة اليمنية، أبرزها مفاوضات "جنيف، والكويت، والسويد، والأردن"، واستضافتها لقاءات جمعت قيادات الحوثيين بمسؤولين أمريكيين، ورعايتها صفقات إفراج عن معتقلين يمنيين وأجانب، أبرزهم أبناء الرئيس علي عبد الله صالح، الذين كانوا في سجون الحوثيين.
وشهدت المعابر التي تربط عُمان باليمن دخول آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية، إضافة إلى معونات نفطية مجّانية وصلت إلى 180 ألف لتر من النفط يومياً، ولم تمنع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مسقط من إرسال المواد غذائية وأجهزة طبية وعقاقير.
صراع "المهرة"
بعد سيطرة الإمارات على المناطق الجنوبية باليمن، عملت أبوظبي على الدخول في صراع جديد مع عُمان، ولكن هذه المرة داخل اليمن؛ من خلال محاولتها السيطرة على مدينة "المهرة" (شرق اليمن)، والتي تعد العمق الحيوي للسلطنة.
وتمتاز هذه المدينة اليمنية بخلجانها وموانئها الطبيعية، ومناطق سياحية خلابة، ويربطها مع السلطنة منفذا (شحن، وصيرفيت) البريان، إضافة إلى علاقات واسعة مع سكانها.
وعلى الرغم من أن "المهرة اليمنية" لم تشهد وجوداً حوثياً، وكانت بعيدة عن الحرب في البلاد، فإن الإمارات نقلت صراع النفوذ باستخدام الموانئ إلى تلك المحافظة، التي من المحتمل أن تنشأ فيها مشروعات لربط دول مجلس التعاون الخليجي بخطوط سكك حديدية، وهو الأمر الذي يزيد من القدرة التنافسية للموانئ العمانية.
الأسبوع الماضي، اتهم وكيل محافظة المهرة في اليمن، بدر كليشات، الإمارات بفتح معسكرات في المهرة لتأسيس ما يسمّى بـ"النخبة المهرية"، لتقود الأمن في المحافظة التي تتسم بالهدوء وابتعادها عن مناطق الصراع باليمن.
وتقود الإمارات أجهزة أمنية يمنية تقع تحت سيطرتها، ويُديرها ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الموالي للإمارات؛ وهي (الحزام الأمني، والنخبة الحضرمية، والنخبة الشبوانية)، وأخيراً حاولت إنشاء "النخبة المهرية" في المهرة الحدودية مع عُمان.
واحتدم الصراع الإماراتي العُماني، في أغسطس الماضي؛ عندما كثّف كل من الإمارات وعُمان من حملات التجنيس لأبناء المناطق اليمنية الحدودية، فقام الهلال الأحمر الإماراتي تحت غطاء العمل الإنساني بالكثير من المهام التي تخدم النفوذ الإماراتي أولاً وأخيراً.
عُمان واليمن
ويرى المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد، أن أي عبث بالجغرافيا بمدينة المهرة "اليمنية" له تأثير على الأمن الوطني لسلطنة عُمان، مشيراً إلى وجود تداخل قبلي كبير بين المهرة ومحافظة ظفار العمانية.
وأكد بن سعيد في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن بلاده لديها سياسة وصفها بـ"المستقلّة التي لا تنقاد فيها وراء الآخرين"، مضيفاً: "سياسة عُمان واضحة واكتسبت احترام المجتمع الدولي".
وأشار إلى أن السلطنة "ترفض المغامرات العسكرية غير المحسوبة، والتي تؤدي إلى مآسٍ إنسانية، كما يحدث الآن في اليمن الشقيق".
وأكد وجود خلافات حول حرب اليمن، موضحاً أن "الخلاف حول الرؤية في شن الحرب على اليمن؛ لأن السياسة الخارجية للسلطنة تدعو إلى أهمية الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية، واليمن الشقيق هو جار لعُمان".
من جانبه أكد الباحث السياسي اليمني محمد السامعي، أن عُمان "حاولت خلال فترة الحرب أن تكون قريبة من الحوثيين؛ حتى لا ينقطع خط الوصل بين المجتمع الدولي والجماعة الانقلابية"، وفق قوله.
ويضيف السامعي في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "عُمان ربما رأت أن المعركة في اليمن ستكون خاسرة بقيادة السعودية، لذلك لجأت للابتعاد عن حماقة هذا التحالف الذي لم يحقّق شيئاً حتى الآن مما أعلنه في بداية حملته العسكرية على اليمن".
وحذر السامعي من لجوء الإمارات والسعودية إلى إثارة النزاع مع عُمان عبر اليمن، قائلاً: "رغم المآخذ الجزئية على عمان فإن محاولة أبوظبي والرياض إثارة الصراع مجدداً مع مسقط في المهرة ستكون له عواقب كبيرة".
خلافات سابقة
لم تكن خلافات اليمن هي النقطة الرئيسية بين عُمان والإمارات، فقد أشارت تقارير سابقة إلى أن وجود أطماع قديمة لحكام الإمارات، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة.
في العام 2011 تمكّنت السلطات العُمانية من إحباط محاولة انقلاب للإطاحة بالسلطان قابوس بن سعيد؛ عندما اكتشفت خلية التجسّس التي تضم مدنيين وعسكريين لتثبيت نظام موالٍ للإمارات في السلطنة.
وتسعى الإمارات إلى السير نحو تنفيذ مخطط توسّعي على حساب الأراضي العُمانية، وهو ما تحاول القيام به حالياً في الحدود العمانية اليمنية.
وتتجاهل الإمارات الظهور بشكل مباشر للحديث عن صراعها مع عُمان، وتكتفي باستخدام وسائل الإعلام المختلفة المموّلة منها، وخصوصاً في اليمن، لاتهام عُمان بدعم الحوثيين، وخصوصاً عبر المنافذ البرية مع اليمن.
ومن بين تلك المواقع والصحف ما نشره موقع "اليمن الآن"، من اتهام صريح لعمان بوقوفها وراء تهريب السلاح للحوثيين.
كما حرّض الموقع في وقت سابق العُمانيين على التظاهر ضد النظام.
ويشهد اليمن حرباً طاحنة، منذ مارس 2015؛ بين القوات الحكومية المعترف بها دولياً والتي يشاركها "التحالف السعودي الإماراتي"، وبين الحوثيين الذين يسيطرون منذ نحو 4 سنوات على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى، مخلّفة كارثة إنسانية كبيرة، وانتشار الأمراض المعدية كوباء الكوليرا، في مناطق عدة من البلاد.