[ الألغام في اليمن.. مسلسل من الموت لا يتوقف ]
يحاول الطفل سالم عمر سالم البقاء متماسكا على كرسي متحرك، وهو يحاول أن يتجاوز محنته الإنسانية في مستشفى 22 مايو بمدينة عدن، العاصمة المؤقتة جنوبي اليمن، فيما كانت الجراح قد فتكت بوجهه وشوهته وأفقدته عينيه.
ويشد الطفل (12 عاما) الذي قُتل والداه بغارة جوية شنتها مقاتلة للتحالف السعودي الإماراتي قبل ثلاثة أعوام، يده ليمسك بصديقه يحيى عمر، فهو لم يعد لديه أحد من أسرته عدا صديقه هذا الذي تطوع لإسعافه إلى عدن.
يضطر يحيى لأن يترك الطفل في المستشفى ساعات ليذهب إلى عدد من الجهات الحكومية لاستكمال المعاملات الإدارية، وحينما يعود يكون الطفل قد تكور على نفسه خوفا من الضوضاء التي تحدثها المئات من مرتادي المستشفى العام.
مصير قاس
يقول يحيى للجزيرة نت إن لغما أرضيا استهدف سالم وصديقيه قبل أسبوعين في منطقة الزهاري التابعة إداريا لمحافظة تعز غربي البلاد، مما أدى إلى مقتل صديق سالم وإصابة الآخر بجروح، فيما فقد الطفل اليتيم عينيه.
ويضيف "كان الوضع مأساويا في القرية، وكان مصير سالم هو الأقسى، إذ إنه يتيم وليس لديه عائل. فقرر سكان القرية أن يجمعوا مبلغا بسيطا لنقله إلى عدن، ومن هناك قطعنا مسافة تزيد على 260 كيلومترا للوصول إلى المستشفى".
ويقول "حين وصلنا رفض المستشفى استقباله، وبعد ثلاثة أيام من التنقل بين الجهات الحكومية قبلوه، لكن عيناه كانتا قد تضررتا بصورة كبيرة، لكن لا يزال هناك أمل بسيط في تحسنهما، بحسب الطبيب المعالج".
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تزايد سقوط المدنيين بانفجار الألغام مع عودتهم إلى منازلهم وقراهم بعد انحسار المعارك، ولم تتوقف المستشفيات الميدانية في مدينتي الخوخة والمخا عن استقبال ضحايا الألغام.
ويقول محمد أحمد وهو مساعد طبيب في مستشفى المخا إن ما يحدث هو مسلسل من الموت لا يتوقف، خصوصا في المناطق النائية، ففي إحدى القرى انفجر لغم بأحد المدنيين وتُرك ينزف ساعات ثم قرر جراح محلي قطع ساقه المهشمة.
ويضيف أن "الأهالي لم يتمكنوا من نقله إلى المستشفى، ولذلك رأوا أن بتر ساقه قد يكون حلا أفضل".
حصيلة كبيرة
ولا توجد حصيلة محدثة بعدد ضحايا الألغام في اليمن، لكن مصدرا في وزارة حقوق الإنسان اليمنية يقول للجزيرة نت إن عدد قتلى الألغام يتجاوز 1200 من المدنيين، ونحو 2500 آخرين أصيبوا بإعاقات دائمة.
ويضيف أن آخر حصيلة كانت في مارس/آذار الماضي، ووصل فيها عدد القتلى المدنيين إلى 973 إضافة إلى إصابة 1615، منذ بدء الحرب مطلع عام 2015.
ويقول مدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام عارف القحطاني -للجزيرة نت- إن محافظة تعز هي الكبرى من بين محافظات البلاد التي تضررت بالألغام، حيث قتل فيها 416 مدنيا، وأُصيب 822 آخرون.
ويضيف أن الحوثيين زرعوا آلاف الألغام دون خرائط، مما صعّب من مهام نازعي الألغام.
وتقول الحكومة إن الفرق الهندسية نزعت بالتعاون مع مشروع مركز الملك سلمان للإغاثة "مسام" ومنظمات دولية، نحو 45 ألف لغم، أغلبها كانت مزروعة في مناطق مدنية.
جهود منقوصة
وتحولت مدن الساحل الغربي وبلداته ذات الطبيعة المفتوحة إلى حقول ألغام، إذ إن الحوثيين درجوا على زرع الآلاف من الألغام لمنع تقدم القوات المدعومة من الإمارات نحو مواقعهم، بحسب ما يقول الضابط في القوات الحكومية عبده الكبودي.
ويضيف الكبودي للجزيرة نت أن الحوثيين يتحصنون بحقول واسعة من الألغام ويزرعونها بطريقة عشوائية، وحين ينسحبون تبقى تلك الألغام، ومن بينها ألغام مضادة للدروع والأفراد.
ويقول إن الفرق الهندسية التابعة للقوات الحكومية تبذل جهودا لإزالة الألغام، لكن تبقى تلك الجهود غير كافية، إذ إن مئات الألغام زُرعت في الحقول والطرقات الفرعية والمنازل.
وتقول الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إليانا ديلوزيي، إن الألغام تشكل تحديا كبيرا في حقبة ما بعد الحرب، ومن المؤكد أن إزالتها ستحتاج إلى بحثها في محادثات إعادة الإعمار عندما يحين ذلك الوقت.
وأضافت للجزيرة نت أنه يجب على مَن لديهم نفوذ على الحوثيين، تشجيعهم على وقف استخدام الألغام الأرضية، كما أن من الضروري أن تستمر الجهود الرامية إلى نزع الألغام في مناطق النزاع من جانب الحكومات والمنظمات غير الحكومية.
وكانت رئيسة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن كلير هادونغ، قالت -في آخر تقرير للمنظمة- إن "الناس يعاقبون بشكل مضاعف فالألغام لا تنفجر في أطفالهم فحسب، إنما تحرمهم من زراعة حقولهم. وتفقدهم بالتالي مصدر دخلهم وقوت أسرهم".
ودعت السلطات والمنظمات المتخصصة إلى تعزيز عمليات نزع الألغام لخفض عدد الضحايا في المناطق المدنية.