[ الريال اليمني فقد أكثر من 40% من قيمته أمام الدولار منذ منصف يوليو/تموز الماضي (رويترز-أرشيف) ]
لم يجد إبراهيم فارع بدا من أن يتمالك نفسه ويقف عقب الصلاة على رؤوس المصلين، لكنه ما لبث أن انهار باكيا وهو يحاول أن يقول لجيرانه بصوت مضطرب: "منذ يومين لا يوجد لدى أسرتي ما تأكله".
كان فارع (38 عاما) يعمل طباخا في مطعم شعبي بحي الحصبة وسط العاصمة اليمنية صنعاء، ومن خلال وظيفته كان بالكاد يؤمّن لأطفاله قوتا، لكن المطعم أغلق أبوابه منذ أسبوعين بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع وتيرة العمل.
وقد أغلقت العديد من المحلات التجارية والمؤسسات وسرحّت العاملين فيها، لتنهار الأوضاع إثر تراجع العملة المحلية لأدنى مستوياتها.
تراجع لم يتوقف
يقول عصام إبراهيم، الموظف في إحدى شركات الصرافة، إن سعر الدولار وصل إلى 790 ريالا، بينما وصل الريال السعودي إلى 205 ريالات، ليفقد الريال اليمني 15% من قيمته في يومين فقط، وهو مستمر في ذلك الانهيار، ويضيف للجزيرة نت "نحن مقبلون على مجاعة كبيرة".
ففي بلد يستورد 85% من حجم ما يستهلكه -بحسب تقديرات اقتصادية غير رسمية- فإن انهيار العملة انعكس على أسعار السلع الأساسية والوقود التي تضاعف قيمتها بنسبة 300% على الأقل، بينما ارتفع بعضها إلى 400%.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك قال قبل أسبوع إن المنظمة الدولية هُزمت في حربها على المجاعة في اليمن، محذرا من مخاطر حدوث مجاعة وشيكة فيه "تسفر عن خسارة هائلة في الأرواح".
يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه نحو 18 مليون شخص -من بينهم نسبة عالية من الأطفال- من انعدام الأمن الغذائي، كما لا يعرف 60% من سكان اليمن كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة.
ويقول مصطفى الزريقي -وهو تاجر تجزئة يبيع المواد الغذائية- إن معظم السلع الأساسية لم تعد في متناول اليمنيين.
ويضيف للجزيرة نت وهو يطلق بصره باتجاه الشارع، "تشاهد وجوه الناس ميتة من الخوف والقلق، والحركة متوقفة، جميع الناس متضررون. لا رحم الله من كان السبب في انهيار الريال".
هناك جهة معينة
لم تتضح أسباب الهزة التي ضربت الريال وجعلته يفقد 40% من قيمته منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، بعد أن استقر لنحو ستة أشهر عند سعر 480 ريالا للدولار الواحد.
لكن تصريحات وزير النقل في الحكومة اليمنية صالح الجبواني، أفصحت عن أن العملية لم تكن في سياق زيادة الطلب على العملة الخضراء، بل إن هناك جهة معينة لها سطوة في سحب العملة بتلك الكيفية.
وقال في تغريدة على صفحته بموقع "تويتر" أمس الاثنين، إن الهدف من دفع العملة للانهيار هو إسقاط الحكومة وابتزاز الرئيس عبد ربه منصور هادي، و"جاء ذلك بعد صمودنا في معركة يناير وأزمة سقطرى"، في إشارة إلى أن أبو ظبي ضالعة في الأزمة.
ففي يناير/كانون الثاني الماضي، خاضت القوات الموالية للحكومة معارك عنيفة في عدن ضد قوات الحزام الأمني الموالية للإمارات، كما أن أبو ظبي أنزلت في مايو/أيار قوة عسكرية في جزيرة سقطرى، لكن الحكومة أجبرتها على سحبها.
ويقول مصدر في غرفة تجارة وصناعة عدن للجزيرة نت إن سحب الدولار من السوق هو السبب في انهيار الريال، لكن السؤال الأهم: من الجهة التي تسحب الدولار بتلك الكيفية؟ وما مصلحتها في هذه المضاربة التي ستكون هي المتضرر الأول منها؟
ويضيف "نحن تجار ونعرف السوق. ما يحدث لعبة واضحة، أؤكد لك أن هناك جهة تستنزف الدولار من السوق، وسببت حالة من الفوضى".
ماذا عن الإمارات؟
وفي الآونة الأخيرة، يدفع تجار شيكات بملايين الريالات للصرافين، لشراء الدولار بأسعار مرتفعة، حسبما قال أنس الهدالي، وهو مالك إحدى شركات الصرافة، الأمر الذي دفع نقابة الصرافين في عدن للمطالبة بوقف بيع العملات وشرائها.
وقال بيان النقابة -الذي اطلع عليه الجزيرة نت- إن "ارتفاع أسعار الصرف والإقبال عليه غير مبرر، وإن شراء النقد الأجنبي يجري بشكل عبثي، عبر أيادٍ وجهات غير معروفة تقف وراء هذا الارتفاع دون أغراض تجارية حقيقية"، وأضاف "على الجميع الالتزام بالتوقف عن البيع والشراء".
ويؤكد المصرفي الهدالي أن الإمارات ضالعة في الكارثة الإنسانية، فهي حتى اليوم لم تقدم أي دعم للعملة المحلية، بل إنها تمنع تصدير النفط.
حلول معقدة
ويقول عضو اللجنة الاقتصادية (حكومية) أحمد غالب إن أزمة انهيار الريال أكبر من اللجنة الاقتصادية ومن الحكومة ومن الدولة، في إشارة إلى أن الأزمة بيد جهات أخرى.
وأضاف في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك أن الأزمة هي: "باختصار (أن) الدولة لا تسيطر على مرافقها ومواردها السيادية ويدها مغلولة من أي فعل، وأدوات السياسات المالية والنقدية معطلة تماما".
وتابع أن الوضع يحتاج إلى "تدخل إسعافي عاجل من الأشقاء في التحالف، ولا يعفي ذلك الدولة والحكومة من إعادة ترتيب أولوياتهما وإصلاح كثير من الاختلالات".
من جهة أخرى، قال مصدر حكومي رفيع للجزيرة نت، إن الوديعة التي أعلنت عنها السعودية مطلع العام الجاري لم تُسلّم للبنك المركزي اليمني، وإن الحكومة لم تستفد منها إلا خلال الأسبوعين الماضيين مع بدء الاعتمادات المالية لاستيراد السلع.
وأضاف مشترطا عدم ذكر هويته، إن صندوق النقد السعودي وضع اشتراطات كبيرة للاستفادة من الوديعة، مشيرا إلى أن الحلول باتت معقدة في الظرف الحالي، خصوصا مع انعدام أي مصدر لجلب الدولار إلى السوق مع وقف التصدير.