[ أرشيفية ]
أدى إعلان الحوثيين قبل أيام عن استهداف ناقلة نفط سعودية قبالة السواحل الغربية لليمن وإصابتها بأضرار، إلى تحركات خليجية احترازية سريعة، تمثلت في إعلان الرياض وقف مرور شحناتها من النفط عبر مضيق باب المندب بشكل فوري، تلاه بعد ساعات قليلة موقف كويتي مماثل حينما أعلن رئيس مجلس إدارة شركة ناقلات النفط الكويتية، بدر الخشتي، أن بلاده قد تتخذ قراراً بوقف صادرات النفط عبر مضيق باب المندب، وأن الأمر قيد البحث والدراسة.
وكانت جماعة الحوثي قالت الأربعاء إنها استهدفت ناقلة نفط "الدمام" السعودية قبالة السواحل الغربية لليمن، الأمر الذي أكده التحالف العربي معلنا إصابة الناقلة وحدوث أضرار بسيطة فيها.
وكثيرا ما استهدفت جماعة الحوثي في اليمن بوارج وسفن كانت تمر عبر مضيق باب المندب، خاصة السفن السعودية التي تحمل النفط الخام، فيما هددت الجماعة في أكثر من مرة بقطع طريق الملاحة التي تمر من المضيق في حال واصل التحالف العربي بقيادة السعودية عملياته ضد معاقل الجماعة التي تسيطر على عدة مناطق في اليمن لا سيما مدينة الحديدة الساحلية الاستراتيجية.
وهدد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أنه في حال لم تتمكن إيران من تصدير نفطها فإن تصدير النفط سيتوقف في المنطقة كلها، وذلك ردا على العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران.
وقال روحاني في تصريحات له مطلع الشهر الجاري: "لا يمكن أن يتم تصدير نفط المنطقة ولا ييصدّر نفط إيران".
ويعكس الموقف السعودي الفوري بوقف الملاحة في المضيق، حجم الخوف على سلامة ناقلات النفط السعودية العملاقة التي تنقل يوميا أكثر من 4 ملايين برميل من النفط عبر المضيق نحو أوروبا، وبذلك تكون أكبر المتضررين من إغلاقه. وهو ما دفع الإعلامي السعودي سلمان الدوسري، للتحذير من خطورة إغلاق المضيق على الملاحة وإمدادات النفط الدولية قائلا إنه "المحظور الذي لا يريده أحد".
وأضاف الدوسري في مقال نشره بصحيفة "الشرق الأوسط" واطلعت عليه "عربي21" أن: "استمرار الأعمال الإرهابية الحوثية، ربما يؤدي إلى إغلاق المضيق بالكامل، وهو ما يعني إجبار ناقلات البترول القادمة من السعودية، والكويت، والإمارات، والعراق إلى تغيير خط سيرها والإبحار من جهة الطرف الجنوبي من قارة أفريقيا، مما سيزيد من فترات النقل وتكاليفه، والأكثر خطورة أن العالم حينها لن يستطيع مواجهة تبعات هذا الإغلاق".
وأوضح أنه حسب تقديرات وكالة الطاقة الأمريكية، يمر بالمضيق نحو 4.8 مليون برميل نفط خام يوميا، وفي حال إغلاقه، ستزيد أسعار النفط بنحو دولارين أو 3 دولارات نتيجة زيادة تكاليف النقل البحري واستخدام المخزون الاستراتيجي، ما يعني أنها ستكون "خطوة خطيرة جدا على الاقتصاد العالمي".
لكن الدوسري اعتبر أن القرار ربما كان "ضارة نافعة"، لأنه "يذكر العالم بأن الهجمات المتتالية على ناقلات النفط، تشكل تهديدا خطيرا لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر".
وتابع: "بالإضافة إلى أن استمرار استخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق للعمليات الإرهابية وتهريب الصواريخ والأسلحة تبقى المعضلة الأكبر أمام تأمين الملاحة في باب المندب، الذي يعد أيضا طريقاً مهما لوصول المنتجات النفطية الأوروبية المكررة إلى الأسواق العالمية".
من جهته قال المحلل السياسي ياسين التميمي إن السعودية تطوعت بإيقاف تصدير نفطها عبر مضيق باب المندب لتحقق لإيران تهديدها دون أن تطلق رصاصة واحدة مباشرة باتجاه الهدف، على الرغم من ادعاءاتها المستمرة بأنها إنما تحارب إيران على الأرض اليمنية.
ورأى التميمي في مقال له نشرته "عربي21 " أنه على الرغم من أن هذا الهجوم ليس الأول من نوعه فإن يلفت الانتباه هو أن الحكومة السعودية باشرت في الاستثمار السياسي لهذا الهجوم، عبر تصعيد لافت قضى بالوقف الفوري والمؤقت لتصدير النفط السعودي، عبر مضيق باب المندب.
"لكن هذا التصعيد لم يحدث الأثر المتوقع على الصعيد العالمي، ولم يلتفت إليه أحد ولم يتفاعل معه أحد ولم يكن له تأثير حقيقي على أسعار النفط العالمية، ولم يكشف سوى عن تخبط حقيقي في التكتيكات والاستراتيجيات التي تحكم الأداء العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن". قال التميمي.
ولفت إلى أن: "السعودية تلقت ما يكفي من الصواريخ التي كسرت هيبتها ولم تحتمل وصول المزيد من هذه الصواريخ إلى عمقها الجغرافي، لذا تحرص كل الحرص على إغلاق الساحل الغربي أمام تدفق الأسلحة الإيرانية، وهي أكثر من أي وقت مضى، في أمس الحاجة إلى إقناع المجتمع الدولي بأهمية السكوت عن العملية العسكرية التي تتهيأ القوات الحكومية المدعومة من السعودية والإمارات لتنفيذها في مدينة الحديدة بهدف دحر مسلحي الحوثي من المدينة والميناء.
واعتبر أن الإعلان السعودي المفاجئ عن الوقف الفوري لشحنات النفط السعودي عبر مضيق باب المندب، "لا يهدف إلى استدعاء المجتمع الدولي عسكرياً إلى هذه المنطقة، بل هو نوعا من الابتزاز المدروس للمجتمع الدولي، على أمل التحرر من الضغوط الهائلة التي أجبرت هذا التحالف الكبير في إمكانياته العسكرية والمالية لأن ينتظر الكلمة الفصل بشأن مصير الحديدة من عبد الملك الحوثي القائد الميلشياوي الذي تخوض ميلشياته حرب استنزاف لهيبة السعودية وإمكانياتها وكرامتها".
ويقع ممر باب المندب، الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر، على مبعدة 30 كيلومترا بين اليمن وجيبوتي، ويعد أحد أهم خطوط النقل في العالم، يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، وتتحكم به كل من اليمن وجيبوتي وأرتيريا.
وشهد المضيق الاستراتيجي سابقا اشتباكات عدة في اليمن للسيطرة عليه، أفضت أخيرا إلى سيطرة المقاومة الشعبية وقوات الجيش اليمني عليه، وذلك بعد سيطرة الحوثي وقوات علي صالح لأشهر عدة.
وتُتهم إيران بأنها تمد حلفاءها الحوثيين بالسلاح والتمويل من خلال المضيق، وبأنها تريد وضع يدها بالكامل على الممر الملاحي العالمي
وزاد نفط الخليج العربي من أهمية المضيق، حيث يقدر عدد سفن النفط وناقلاته العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا، بما يعادل 57 قطعة يوميا، يحمل عددا منها حوالي .4.8 مليون برميل من النفط الخام يوميا، حيث يمثل المضيق منفذ الخليج على أسواق النفط الأوروبية والأميركية، ما جعل الدول الغربية تتسابق لتقوية حضورها في الدول المجاورة لباب المندب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويمر عبر مضيق باب المندب حوالي 8% من إمدادات النفط العالمية حسب آخر إحصائية منشورة، وأدى إلى إعلان السعودية وقف تصدير النفط عبر باب المندب إلى ارتفاع أسعار الخام.