[ السفر بالنسبة اليمنيين أصبح عبئا كبيرا بسبب القيود ]
14 ساعة كاملة اجتاز فيها جمال داود وزوجته مع نحو 50 مسافرا عشرات النقاط والحواجز الأمنية، في رحلة سفر مضنية من العاصمة صنعاء إلى عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد).
تناوب الزوجان على حمل طفلهما المريض بمشاكل في القلب في حضنيهما طوال الرحلة، لكن المقعد المهترئ في حافلة النقل الجماعي كان يهتز في المطبات الترابية، ليوقظ الطفل من نومه ويبدأ في نوبة بكاء.
يحاول الأب هدهدة طفله محمد (4 أعوام) ليعود للنوم، وبشعور العاجز يقول للجزيرة نت "الله ينتقم ممن كان السبب، في الوضع العادي (قبل اندلاع الحرب) كنت سأسافر من صنعاء إلى الهند مباشرة بدلا من خوض هذه الرحلة المتعبة".
ولأجل أن يسافر الزوجان بطفليهما للعلاج، اضطرا للسفر إلى عدن، ومن هناك يستقلان طائرة الخطوط اليمنية في رحلتها إلى الهند، مع استمرار إغلاق مطار صنعاء من قبل التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ أغسطس/آب 2016.
وألقت الحرب الدائرة منذ مطلع 2015 بثقلها على حرية تنقل اليمنيين، تضاف إلى مآس أخرى كانهيار الوضع الإنساني وتوسعة رقعة الفقر وانتشار الأوبئة.
ويسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية الغربية، بينما تسيطر القوات الموالية للحكومة اليمنية على المحافظات الشرقية، أما المحافظات الجنوبية فتخضع لسلطة قوات "الحزام الأمني" الموالية للإمارات. ولذلك أُغلقت معظم الطرقات الرابطة بين المدن.
ومن بين نحو 15 طريقا رئيسيا تربط بين سيطرة الأطراف الثلاثة، بات مسموحا لليمنيين بالتنقل في ثلاثة منها فقط، وهي الطريق الرابط بين صنعاء (وسط اليمن) وعدن (جنوب)، والآخر يربط بين صنعاء ومأرب (شرق)، والثالث بين صنعاء وتعز (جنوب غرب)، بالإضافة إلى طرق فرعية تربط بين مأرب وعدن.
حواجز وتفتيش
بيد أن الطرق المفتوحة تحمل للمسافرين اليمنيين من المآسي ما لا يمكنهم وصفه. فقد فرض أطراف الصراع مئات الحواجز والنقاط الأمنية على طول الطرق، وكل طرف يمنع المسافرين القادمين من الطرف الآخر، ولا يسمح له بالتنقل إلا بعد عملية استجواب وتفتيش دقيقين.
ففي مناطق سيطرة الحوثيين، تخضع المركبات لتفتيش دقيق، وتخف بالنسبة للأشخاص إلا في إحدى النقاط على المدخل الجنوبي لصنعاء، حيث يجبر الحوثيون كل الركاب على الترجل من الحافلة وتخضع النساء للتفتيش من قبل عناصر نسائية حوثية.
ويتحقق المسلحون من وثائق كل المسافرين، وإذا ما كان مسافر شابا فإنه يخضع لتحقيق حول وجهته والغرض من سفره.
لكن إجراءات التفتيش تكون أثقل عند دخول المناطق الخاضعة لقوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، فهناك يمنع العبور، ما لم يكن الشخص مسافرا إلى الخارج عبر مطار عدن، ويحمل جواز وتذكرة السفر.
ويقول أطراف النزاع إن تلك الحواجز تمنع تنقل المسلحين والأسلحة إلى الطرف الآخر، لكن المسافرين يقولون إن تلك الإجراءات والقيود المفروضة في طريق سفرهم عقبات وإذلال وعقاب.
وكان رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر وجه في يناير/كانون الثاني الماضي بتسهيل مرور المسافرين في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة، لكن سلطات الحزام الأمني لم تلتزم بتوجيهاته.
تصنيف سياسي ومناطقي
وفي الطريق الرابط بين عدن ومأرب، يصنف المسافرون وفق هويات سياسية، فالقادمون من مأرب إلى عدن يُصنفون لدى قوات الحزام الأمني بأنهم جنود موالون "للإخوان"، وهم في طريقهم لإشاعة الفوضى في المدينة.
أما المسافرون من صنعاء وتعز إلى عدن فيصنفون بأنهم شماليون لا يحق لهم دخول أراضي الجنوب إلا عند إبراز الهويات كاملة، وتحديد الغرض من السفر، وإذا لم يكن الغرض مقنعا، يجبر المسافرون على العودة.