[ قوات من الحزام الأمني في عدن ]
أطبقت الإمارات العربية المتحدة بعد أزيد من 3 سنوات من إطلاق «عاصفة الحزم» التي تشنها السعودية وحلفائها، على اليمن، سطوتها شبه التامة على الوضع في الجنوب. ويتأتى النفوذ الإماراتي عبر عدد من الأدوات والكيانات والأذرع العسكرية التي أنشأتها وتديرها وفق مخططاتها.
آخر حلقة في مسلسل التدخل الإماراتي، كشف عنها وزير الداخلية في الحكومة اليمنية المعترف بها، أحمد الميسري، مهاجما سلطات أبو ظبي على خلفية سياساتها المضادة لمهام حكومته في المحافظات المحررة، وخاصة مدينة عدن جنوبي البلاد.
الميسري في تصريحات أدلى بها لقناة «بي بي اس» الأمريكية شدد قائلا إن «التحالف جاء في الأصل لمحاربة الحوثيين معنا» مؤكدا أنه «يجب على هذا التحالف أن يكون حيثما يتواجد الحوثيون». وتابع أنه «ينبغي للحكومة الشرعية أن تحكم كل منطقة بمجرد تحريرها».
ولم يخف الوزير حقيقة أصبحت متداولة بكثافة، ويعلم بها الجميع، أن الإمارات تتحكم بكل شيء في مدينة عدن من المطار، والميناء، ولا تسمح لأحد التحرك دون إذنها.
ووفقا للميسري فإنه لا يمكنه دخول عدن، دون إذن من الإمارات «كوزير للداخلية، ليس لدي سلطة على السجون (التي تديرها القوات الإماراتية المتواجدة في عدن ومحافظات أخرى)».
هذه التصريحات تعكس بشكل واضح استئثار أبو ظبي بالقرار في عدد من المحافظات وفرضها رقابة شاملة على حركة المواطنين، ومعهم المسؤولين وحتى حلفائها السعوديين وما من قرار يتخذ من دون موافقتها أو تأشيرتها.
تغلغل الإمارات جنوب اليمن كان مخططا له من أول يوم وطئت فيه قواتها المناطق التي تم تحريرها وكانت رهانها الاستراتيجي قبل أي محافظة أخرى.
وينبه تقرير للجنة الخبراء الأممية بشأن اليمن المقدم إلى مجلس الأمن مؤخرا، إلى تعاظم عدد من الكيانات العسكرية، أنشأها التحالف العربي، منذ أواخر عام 2015، وتشكل أكبر ورقة ضغط ضد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي. ويقصد التقرير بالكيانات (قوات النخب الحضرمية، والشبوانية، والمهرية، مع قوات الحزام الأمني، في عدن، ولحج، وأبين).
التقرير نبه أيضا إلى الأدوار السلبية التي تلعبها القوات «المقاتلة بالوكالة» كما وصفها، والمدعومة من دول أعضاء في التحالف، وتشكل تهديداً للاستقرار والأمن والسلام في اليمن، وستؤدي لتفكيك الدولة اليمنية ما لم تخضع لسيطرة يمنية مباشرة.
وتؤكد المعطيات الميدانية والرصد لتطور الأحداث أن هذه الكيانات المؤسسة في المحافظات الجنوبية، لا تدين بالولاء ولا تأتمر بأوامر الجيش الوطني وقياداته الموالية للشرعية، ويقوم خبراء عسكريون تابعون للتحالف بتدريبها (إماراتيون تحديدا) في مقرات داخل اليمن، كمطار الريان بالمكلا، وخارج اليمن، تحديداً في إريتريا.
السطوة الإماراتية على الوضع جنوب اليمن ترسخت مطلع 2016 بعد أسابيع قليلة من استعادة قوات التحالف للوضع ولم تكن هذه المرحلة سوى التأسيس لنفوذ يتوسع ويتطور.
ولم تكن استعادة الشرعية وما قبلها الخط الزمني الفاصل بين مرحلتين مفصليتين في تاريخ الجنوبيين، بل مجرد انتقال من قبضة الحوثيين وحلفائهم، إلى سطوة القوات الإماراتية.
أبو ظبي مشاركتها في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن كانت وفق حسابات استراتيجية دقيقة، تخول لها بسط نفوذها بشكل تام على المناطق الجنوبية وتحديدا محافظات عدن ولحج وما يجاورها من جزر مثل ميون وسقطرى.
واعتمدت الإمارات في تنفيذ خططها على عدد من الأدوات والوسائل، وأبرزها تشكيل قوة أمنية وعسكرية من الضباط والعسكريين اليمنيين ونشطاء الحراك الجنوبي تخدم أجندتها في اليمن. واستغلت مخابرها حالة الفراغ الأمني في عدن، ومحيطها بعد انهيار التشكيلات العسكرية والأمنية التي تتولى حمايتها أواخر عام 2015، وعلى الفور تحركت آلتها لتشكل لجانا محلية من نشطاء ومقاومين أصحاب مشارب واتجاهات متعددة بهدف حماية المدينة وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار فيها.
وسريعا تأسس الحزام الأمني في عدن ومحيطها جنوبا، وتألف في البداية من لواءين عسكريين. ووصل عدد أفراد قواتها بعيد انطلاقها إلى أكثر من عشرة آلاف جندي، قبل أن تتوسع لاحقا وتضم قيادات وعناصر عسكرية بعضها من النشطاء الجنوبيين وبعضها من عناصر الأمن السابقة.
ورغم أنها انطلقت بداية في عدن، فقد توسعت لاحقا إلى مدن ومحافظات أخرى من بينها لحج، وتعمل الإمارات على نقل التجربة وتثبيتها في جميع محافظات اليمن الجنوبية.
العديد من التقارير تعتبر أن إنشاء هذه القوة جاء بمثابة إحلال الإمارات لسلطة موازية وخارجة عن نطاق السلطات التابعة للشرعية اليمنية.
وتدخلت طائرات الأباتشي الإماراتية لقصف مواقع تابعة لقوات هادي، وحسم المعركة لصالح قوات الحزام الأمني المدعومة من طرفها. ودخلت قوات الحزام الأمني في 28 كانون الثاني/يناير 2018 في قتال مع قوات حماية الرئاسة في عدن، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. واعتبر الحادث منعرجا حاسما كشف للمراقبين كيف أن الإمارات مستعدة من أجل تنفيذ أجندتها القيام بأي خطوة ولو تطلب الأمر تجاوز الشرعية والانقلاب عليها من دون أي اعتبار لأي جهة مهما كانت.
أبو ظبي لم تكتف بتشكيل قوات موالية لها في عدن فحسب، وهي تسعى جاهدة لبسط نفوذها على مدينة الضالع وخاضت مواجهات ضد قوات الأمن التابعة للحكومة الشرعية. والعناصر الموالية للإمارات وبتخطيط مسبق تسعى جاهدة لإزاحة أي قوات مقاومة جنوبية موالية لهادي أو لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن).
واعتبر أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للخارجية إن «قوات التحالف العربي ستبقى في اليمن بعد هزيمة الحوثيين وإنهاء انقلابهم» مؤكداً «أن هزيمة الحوثيين لن تؤدي بالضرورة إلى إنهاء الحاجة للقوات التي تقودها السعودية في اليمن».
حاولت الإمارات سابقا إنشاء قوات حزام أمني في تعز على غرار القوات الموجودة بالمحافظات الجنوبية، لكنها جوبهت بالرفض من قبل السلطات المحلية والمكونات السياسية في المحافظة، علما أن قوات الحزام الأمني هي تشكيلات عسكرية مدعومة عسكريا وماديا من قبل الإمارات وتتلقى أوامرها مباشرة من قبل ضباط إماراتيين.
وتتجه الأوضاع إلى مزيد من النفوذ الإماراتي جنوب اليمن وتراجع للسعودية التي تجد يوما بعد آخر نفسها تغرق في المستنقع اليمني بمتاعب ومشاكل تواجهها مع الحوثيين.