[ شابت عمليات التحالف في اليمن أخطاء كثيرة ]
كأي صراع محلي، تتعقد سبل الحل مع كثرة اللاعبين غير المحليين في ساحته، ومع أن الصراع في اليمن يكاد يكون الأقل غموضا في شكل التحالفات وأهدافها، وتركيبة أطرافه قياسا إلى صراعات مماثلة في العراق وسوريا، لكن تبقى توقعات الخبراء لمستقبل الصراع مرهونة لسياقات تصاعد الحدث وتطوره على الأرض، وما يفرزه من تثبيت وقائع جديدة.
في الثورة اليمنية التي هي امتداد طبيعي في سياق موجة التغيير التي شهدتها البلدان العربية للإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، كان ثمة انسجام وتواؤم بين الطوائف اليمنية واجماع على الالتفاف حول الثورة، بصرف النظر عن موجة الانتماء الطائفي، التي عمت المدن اليمنية من أقصى شماله إلى أقصى الجنوب، من خلال نشطاء المجتمع المدني الذين استطاعوا تذويب الانتماءات الطائفية والإبقاء على الانتماء للوطن، من أجل التغيير والإطاحة بنظام علي عبدالله صالح وتشكيل حكومة تمثل الشعب.
لكن اتفاقا سعوديا أمريكيا أبقى على علي عبدالله صالح في وضع يؤهله للعب دور ضمن إطار منظومة الثورات المضادة التي عملت على وأد الثورات في ليبيا ومصر بشكل كامل، عبر إعادة إنتاج الأنظمة السابقة بأنظمة جديدة تحكمها العسكرتاريا أيضا، كما في حالة عبد الفتاح السيسي وما يراد لإعادة استنساخ هذه الحالة في ليبيا من خلال دعم الجنرال خليفة حفتر المدعوم إماراتيا، أو ما يمكن أن يحدث لاحقا في الحالة اليمنية بإعادة إنتاج نظام علي عبدالله صالح عن طريق تعويم نجله أحمد المدعوم من الإمارات.
وسبق لجماعة الحوثي أن خاضت ست حروب مع الدولة اليمنية طيلة سنوات أدت في إحداها إلى مقتل زعيمهم حسين الحوثي على يد الجيش اليمني بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واستلم قيادة الجماعة بعده الزعيم الحالي عبدالملك الحوثي الأخ غير الشقيق له الذي اتفق عام 2010 على وقف الحرب مع الجيش اليمني.
وفي أيلول/سبتمبر 2014 تحركت قوات جماعة الحوثي من قواعدها في شمال اليمن باتجاه العاصمة بدعم من بعض القبائل المحلية وجنود تابعين للجيش اليمني الذي ظل القسم الأكبر منه يدين بالولاء للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وبحلول العام 2015 أصبحت صنعاء تحت السيطرة الكاملة للحوثيين فيما غادر الرئيس هادي اليمن إلى العاصمة السعودية في شباط/فبراير 2015 قبل تشكيل التحالف العربي في 24 آذار/مارس.
اتجهت قيادة أنصار الله لفرض سيطرتها على كامل البلاد، وشكّل تحركها نحو مدينة عدن العاصمة السابقة لليمن الجنوبي والى مضيق باب المندب تهديدا مباشرا لأمن السعودية والدول المستفيدة من مرور الطاقة من الخليج عبر بوابة باب المندب، كما كان لإعلان حركة أنصار الله مناورة عسكرية في 12 آذار/مارس 2015 بمعدات عسكرية ثقيلة على مقربة من الحدود مع السعودية عاملا مهما سرّع في الإعلان عن التحالف العربي بمسمى «عاصفة الحزم» بمشاركة عشر دول بقيادة السعودية للتدخل العسكري في اليمن وكبح جماح الحركة وعودة الشرعية التي يمثلها عبد ربه منصور هادي.
جاء التدخل العربي بناء على طلب تقدم به الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي إلى قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 24 آذار/مارس 2015 وضح فيه «التدهور الشديد وبالغ الخطورة للأوضاع الأمنية في الجمهورية اليمنية جراء الأعمال العدوانية للحوثيين، والمدعومة أيضاً من قوى إقليمية هدفها بسط هيمنتها على هذه البلاد وجعْلها قاعدة لنفوذها في المنطقة»، في إشارة واضحة إلى إيران التي تدعم الحركة الطامحة «بتحرير نجد والحجاز وبقوة جاهزة لمواجهة أي هجوم سعودي والرد عليه وعدم التوقف إلا في الرياض» وفقا للقيادي في الحركة محمد البخيتي في 12 آذار/مارس 2015.
في 26 آذار/مارس 2015 أعلن تحالف تشكل بقيادة السعودية من دول عدة تدخلا عسكريا في الحرب الأهلية الدائرة في اليمن، وتحدث قادة التحالف العربي لدعم الشرعية منذ إعلانه عن مسؤوليته في حماية المدنيين وإعادة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي وإبعاد التهديدات التي تشكلها جماعة «الحوثي» عن الحدود والمدن السعودية إلى جانب التوصل إلى تسوية سياسية ترعاها الأمم المتحدة تتكفل بنزع كامل لأسلحة الحوثي.
وشابت عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية «أخطاء» في العمليات التي تنفذها طائراته باستهداف مواقع مدنية أدت إلى مقتل المئات من المدنيين الذين لم يكونوا في يوم ما طرفا في النزاع المسلح.
كما وثقت منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان عمليات «تعذيب» لمشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة في مراكز احتجاز تشرف عليها دولة الإمارات العربية المتحدة، العضو الفاعل في التحالف؛ وأشارت وكالة «أسيوشيتد برس» إلى أن أمريكيين شاركوا بشكل مباشر في التحقيقات التي أجرتها الإمارات في «سجون سرية» تابعة لها في جنوب اليمن.
وللفترة بين 26 آذار/مارس 2015 ومطلع العام 2017، وثقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» 17 غارة جوية اشتملت على استخدام قنابل «عنقودية محظورة دوليا» و61 غارة جوية «غير قانونية» تسببت في فقدان لأرواح مدنيين وتدمير ممتلكات خاصة.
وبين آذار/مارس 2015 وتشرين الأول/أكتوبر 2016 قتل 4125 مدنيا وأصيب أكثر من سبعة آلاف آخرين جراء غارات التحالف العربي حسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي أفادت في آب/أغسطس الماضي أن الغارات الجوية كانت «السبب الأكبر للخسائر» على مدار العامين 2015 و2016.
في الواقع، فإن جميع أطراف النزاع المسلح في اليمن ارتكبت انتهاكات ضد المدنيين نتيجة لهجمات عشوائية لم تسلم منها البنى التحتية المنهارة أصلا قبل النزاع.
نجم عن تدخل التحالف العربي في اليمن عدد من الأزمات الإنسانية التي شكلت عاملا مضافا إلى عوامل تعقيد مسار التسوية الأممية؛ وتشير تقارير لمنظمات دولية مهتمة بحقوق الإنسان وتعقب آثار النزاعات المحلية إلى ما يقرب من نصف مليون إصابة بوباء الكوليرا مع استمرار الحصار المفروض على اليمن وصعوبة وصول المنظمات الدولية إلى مواطن الوباء لاتخاذ التدابير لمنع تفشيه بشكل أوسع والحد من عدد الوفيات.
كما أن نحوا من 20 مليون يمني هم بحاجة إلى نوع من المساعدة الإنسانية وفقا لتقرير منظمة «يونيسيف» أما منظمة «هيومن رايتس ووتش» فوثقت في تقارير لها استخدام قوات التحالف العربي للقنابل العنقودية المحرمة دوليا والقنابل الصغيرة الخادعة التي تشكل شراكا مميتة للأطفال بشكل خاص، كما أن منظمة العفو الدولية أشارت إلى إخلال أطراف النزاع بالالتزام بالقانون الدولي الخاص بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
سيطرت الإمارات بشكل فعلي على معظم جنوب اليمن وتسعى مع قيادات موالية لها لانفصال الجنوب عن الشمال خلافا للسياسات السعودية التي تؤكد على عودة الشرعية على يمن موحد بشماله وجنوبه سياسيا وجغرافيا واجتماعيا، ولعبت قوات «الحزام الأمني» المدعومة من الإمارات الدور الأكبر في التمهيد لإعادة تقسيم اليمن الأمر الذي دفع بالرئيس اليمني الذي يمثل الشرعية لدى المجتمع الدولي والتحالف العربي لإقالة الوزير هاني بن بريك قائد قوات الحزام الأمني الذي صرح بعد ذلك انه الأقوى على الأرض.
وعملت الإمارات على تشكيل دولة داخل الدولة اليمنية من خلال دعم كل من محافظ عدن المُقال عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال شائع والوزير المقال هاني بن بريك الذين شكلوا قوة خاصة بهم بعيدا عن سلطات الحكومة الشرعية والرئاسة اليمنية ضمن توجهات دولة الإمارات في محاربة التجمع اليمني للإصلاح، بلغت ذروتها في أعقاب التفجير الذي راح ضحيته أكثر من 60 من المجندين في عدن في آب/اغسطس 2016.