[ عدن على موعد دائم مع التفجيرات والاغتيالات (رويترز-أرشيف) ]
قبل ثلاثة أعوام كان سمير عبد الرحمن يمتنع عن المرور بسيارته الأجرة (تاكسي) في خور مكسر بمدينة عدن، بسبب انتشار القناصة والمعارك الدائرة يومها بين الحوثيين والمقاومة الشعبية.
لكنه يخشى اليوم أيضا المرور في الحي ذاته، رغم أن المدينة باتت تحت سيطرة الحكومة اليمنية والقوات الموالية لما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعومة من دولة الإمارات، وهي قوات يفترض أن تعيد تطبيع الأمن.
يقول سمير إن المدينة "تشهد فوضى أمنية واضطرابات دائمة، وهي أسوأ حالا، فشارع خور مكسر الذي قدِمنا منه لن أمر فيه بعد التاسعة ليلا، حتى إن عُرض عليّ مبلغ مضاعف"، ويضيف "قبل أيام عُثر على جثث أشخاص قُتلوا على يد مجهولين".
وعلى ناصية الشارع ارتفعت لوحة عملاقة تحمل صورة "الرئيس الانتقالي الجنوبي" عيدروس الزُبيدي برفقة ضابط إماراتي يرتدي نظارة شمسية، وفي أسفل اللوحة خُط عليها عبارات تمجد الإمارات.
ما لبث سمير أن عبر أمتارا حتى أوقف سيارته ذات الصوت المزعج عند حاجز أمني آخر. اقترب شاب يرتدي عمامة تشبه التي يرتديها الضباط الإماراتيون، ويتدلى من خصره مسدس من نوعية "كلوك"، تفحّص السيارة بنظرة خاطفة ثم سمح لها بالمرور.
ورغم تلك الإجراءات المشددة في بعض الشوارع، فإن الأمن لا يزال هشا ولا تزال الاغتيالات مستمرة، فقبل يومين اغتال مسلحون شرطيا ومدنيين اثنين، فيما اغتال مسلحون خطيب مسجد مطلع الأسبوع المنصرم.
يقول بيان للمنظمة العربية لحقوق الإنسان إن 35 شخصا اغتيلوا في عدن منذ سيطرة القوات الموالية للإمارات على المدينة مطلع فبراير/شباط الماضي، عقب معارك ضد القوات الموالية للحكومة.
الأمن حلما
وبجوار مبنى صغير بحي البريقة غربي عدن، اتخذته وزارة يمنية مقرا مؤقتا لها، عثر السكان في مارس/آذار الماضي على جثة أحد المدنيين، وعلق مسؤول أمني على الحادث قائلا: "قتلوه بجوار مبنى وزارة".
يقول المسؤول الذي رفض ذكراسمه "هذه صورة لما آلت إليه الأوضاع، حيث لم يخش المسلحون الحراسة الأمنية للمقر الحكومي".
ويعزو المسؤول انهيار الوضع إلى "تعدد الجهات الأمنية والعسكرية"، وقال إن "الفوضى صنعت من كل شخص يحمل سلاحا، دولة بحد ذاته، فضلا على أن هناك قوات أمن وجيش ومقاومة، والأمن كذلك تسيطر عليه عدة جهات".
في السوق المزدحم بحي الشيخ عثمان، تحدث بائع العصائر وليد الصبري عن شجار بين شبان يزعمون انتماءهم لقوات عسكرية، وآخرين كانوا مسلحين أيضا في مطعم مجاور.
تحول العراك إلى مواجهات بالرصاص الحي بين الطرفين، لكنه لم يسفر عن سقوط ضحايا. وقال "هذه مشاهد نراها ونسمع بها بشكل شبه يومي، فالمدينة تحولت إلى فوضى".
يتفق معه سائق سيارة الأجرة سمير، قائلا "الانتقالي الجنوبي والإمارات يتعمدون أن يبقوا الوضع على ما هو عليه، حتى يجدوا لهم مبررا للبقاء كحكام لعدن".
كل ذلك جعل سكان المدينة يفقدون الثقة بالأمن تماما، حسبما يقول الناشط السياسي عبد الرقيب الهذياني أحد سكان المدينة، والذي يقول إن "المسيطرين على عدن، عصابات تمارس القتل والاعتقال بحق المدنيين، وتداهم المنازل في أنصاف الليالي، وهمها الأكبر هو كيف تنهب الناس وتستولي على الأموال، حتى أراضي المقابر لم تسلم منها".
ويضيف "منذ استعادة عدن من الحوثيين، هناك أربعمئة عملية اغتيال، وألفا معتقل في السجون دون تهم، ولا يكاد يمر يوم دون أن تُسجل انتهاكات ترتكبها تلك العصابات، وبالتالي فإنها ليست أجهزة أمن".
أما الشاب سامي أحمد أحد سكان المدينة والذي انخرط في المقاومة ضد الحوثيين، فيقول إن الوضع في المدينة "تحسن، والأجهزة الأمنية حققت نجاحا كبيرا ولا سيما في ظل الأوضاع الصعبة الراهنة".
واعتبر أن "الإنجاز الأكبر يتمثل في القضاء على نشاط التنظيمات المتطرفة، حيث توقفت التفجيرات المفخخة وزراعة العبوات والهجمات المسلحة، إثر العمل الدؤوب من قِبل قيادة الأجهزة الأمنية".