[ مليشيا الحوثي واستهدافها أرامكو النفطية ]
يعتقد مراقبون يمنيون أن استهداف الحوثيين المصالح النفطية السعودية يقوي من شوكة جماعة الحوثي من جهة، ويقدم مبررا إضافيا للتحالف الذي تقوده الرياض لمواصلة حصار اليمن والسيطرة على موانئه ومطاراته من جهة أخرى، في حين يظل الخاسر الأكبر هو الشعب اليمني الذي تتفاقم أوضاعه يوما بعد آخر.
واستهدف الحوثيون قبل أيام ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، وهو ما اعتبرته الرياض تهديدا للملاحة الدولية، وقد تزامن ذلك مع تهديد جماعة الحوثي بتنفيذ ضربات أخرى للمنشآت النفطية داخل المملكة.
ويؤكد المدير التنفيذي للمؤسسة العربية للدراسات الإستراتيجية محمد الفقيه أن السعودية -ومعها التحالف- ضخّمت كثيرا من حدث استهداف جماعة الحوثي ناقلةَ نفط تتبع المملكة الأسبوع الماضي، وذلك بغرض استخدامه مطية لتشديد الخناق على اليمن واليمنيين وحرمانهم من حقهم في حياة كريمة بعيدا عن الامتهان والتبعية.
ويقول للجزيرة نت "إن استهداف الحوثيين ناقلة النفط السعودية حدث بالفعل، والتهديدات التي أطلقتها الجماعة بضرب منشآت نفطية صحيحة، لكن الهالة الإعلامية التي رافقت هذا من جانب التحالف كانت كبيرة جدا حتى يجد (التحالف) مبررا لإطباق الحصار على اليمنيين".
ويضيف "إن القول بأن محاولات الحوثيين تشكل تهديدا للملاحة الدولية أمر مبالغ فيه.. إنه تهويل إعلامي أكثر منه واقعا فعليا على الأرض".
ويستطرد الفقيه "إذا كان التحالف جادا بهذا الأمر فقد كان بإمكانه دعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لتحرير محافظة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون حاليا كي يضمن عدم تهديدهم للملاحة الدولية".
واستهدف الحوثيون الثلاثاء الماضي ناقلة نفط سعودية قبالة سواحل الحديدة، وأفادت القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي بأن ناقلة النفط السعودية التي هاجمتها جماعة الحوثي أمس كانت الناقلة "أبقيق".
وإثر ذلك أعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح اليوم أن الهجوم الذي نفذه الحوثيون على ناقلة نفط سعودية لن يكون له أثر على إمدادات الخام.
لكن المتحدث الرسمي باسم التحالف العقيد الركن تركي المالكي اعتبر هذه الضربة "تهديداً خطيرا لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية بمضيق باب المندب والبحر الأحمر، مما قد يتسبب أيضا بأضرار بيئية واقتصادية".
ذرائع
ويعتبر الفقيه أن التحالف يسعى إلى إطباق الحصار على اليمن تحت مبررات عدة، فهو يبحث عن أي ذريعة لتنفيذ خطته لإذلال الشعب اليمني.
ويشير في هذا الصدد إلى أن التحالف سبق له أن استخدم ذريعة ما قال إنه تسرب للأسلحة عبر الحدود مع سلطنة عمان ليحكم سيطرته على المنفذ البري الوحيد لليمنيين باتجاه السلطنة والذي يبعد عن مربع الصراع بأكثر من 750 كيلومترا، مؤكدا أن كل المناطق الحدودية للسلطنة تخضع لسلطة الحكومة الشرعية وبإشراف غير مباشر من التحالف.
وفي الوقت ذاته يقول الفقيه إن الإمارات تسيطر على مطار الريان-حضرموت بحجة إعادة الشرعية ومحاربة الحوثيين هناك، في حين يبعد هذا المطار عن بؤرة المواجهة مع جماعة الحوثي بأكثر من ألف كيلومتر.
ويعتقد الفقيه أن التحالف لم يحقق الأهداف التي جاء من أجلها (استعادة الشرعية)، بل تحوّل إلى تقويض ومنع عودة رئيس الجمهورية والحكومة والتدخل في شؤونها وتشكيل مليشيات مسلحة خارج إطار الدولة، إضافة إلى السيطرة على الموانئ والممرات البحرية بما يساهم في تفاقم الأزمة اليمينة وزيادة معاناة الشعب اليمني.
ويقول إن الحوثيين يقومون بمناورات لا ترقى إلى مستوى الحصار المطبق من قبل التحالف، كما قال إن الحوثيين يعانون الخرف السياسي.
وتعهدت جماعة الحوثي في وقت سابق بالاستمرار في استهداف شركة أرامكو النفطية، والتأثير على مشروع "نيوم" الاقتصادي الذي يعوّل عليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لجذب المستثمرين الأجانب.
وقال رئيس ما تسمى اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي -وقتها- إن جماعته مستمرة في قصف شركة أرامكو والمنشآت الحيوية السعودية لتكون هناك قوة ردع لما وصفه "بالعدو المتغطرس".
وقالت جماعة الحوثي إنها أطلقت صاروخا بالستيا قبل أيام على خزانات شركة أرامكو في مدينة جازان بالسعودية.
انتصار
من جهته اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء عبد الباقي شمسان أن الضربات التي وجهها الحوثيون، سواء بإطلاق صواريخ نحو الداخل السعودي أو استهداف ناقلة نفط سعودية أو التهديد بضرب منشآت نفطية داخل المملكة، تخدم الطرفين الحوثي والتحالف في آن واحد.
ويقول للجزيرة نت إن الحوثيين يرغبون بهذه الضربات في لفت أنظار المجتمع الدولي إلى أنهم قوة رئيسية في المشهد اليمني، وأنهم قادرون على تهديد أمن الملاحة البحرية بجانب القدرة على حشد الجماهير حولهم، أما التحالف فيسعى إلى استغلال هذه الضربات لتخفيف الضغط الأخلاقي والسياسي خاصة بعد مرور ثلاث سنوات على التدخل باليمن دون تحقيق أي انتصار.
ونفذ التحالف الذي تقوده السعودية آلاف الضربات الجوية التي استهدفت الحوثيين لكن كثيرا ما أصابت مناطق مدنية.
وأطلق الحوثيون عددا من الصواريخ على السعودية بما في ذلك العاصمة الرياض خلال الأيام القليلة الماضية، وقالت السلطات السعودية إنها اعترضت الصواريخ.
وبدا عبد الباقي شمسان مقتنعا بأن ضربات الحوثيين هي محاولة من جانبهم لجلب المجتمع الدولي إلى اليمن من باب الرغبة في حماية الملاحة الدولية، ومن ثم تحقيق انتصار سياسي على التحالف من خلال قبول العالم بالحوثيين قوة أولى باليمن.
ويعبر عبد الباقي عن اعتقاده بأن السعودية والإمارات ترغبان في إطالة أمد الحرب باليمن لتحقيق هدفين أساسيين، الأول يتمثل في عدم إعطاء حركات الإسلام السياسي فرصة لتصدر المشهد من خلال إنهاكهم بمعارك مع الحوثيين، أما السبب الثاني فهو استكمال السيطرة على الموانئ والممرات البحرية من قبل الإمارات.
ويقول إنه رغم مرور ثلاث سنوات، فإنه لا أحد من الطرفين -جماعة الحوثي والتحالف- حقق أهدافه، مؤكدا أن الخاسر الأكبر هو اليمن والشعب اليمني.