[ نائب مدير مستشفى الأمراض النفسية الدكتور فارس البركاني ]
لم يقف دوي القذائف والصواريخ وأزيز الرصاص عند حدود معاناة سكان مدينة تعز جراء الحرب للعام الرابع على التوالي والتي أسفرت عن مقتل وجرح الآلاف بل وصلت أصداؤها إلى أعماق النفس والروح، وخلفت وراءها كذلك الأمراض النفسية المختلفة التي باتت خطرا يهدد حياة العشرات.
في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية الواقع في مدينة النور شمال مدينة تعز، يعيش أكثر من 70 مريضاً يعانون أمراضاً نفسية مختلفة، تضاف إليهم معاناة قلة الخدمات والعلاجات والمستلزمات الأخرى عزتها إدارة المشفى إلى حالة الوضع الصحي المتدهور الناتج عن الحرب والحصار المفروض اللذين تمر بها مدينة تعز.
وتزداد نسبة المصابين بالأمراض النفسية يوما بعد آخر في ظل استمرار الحرب وغياب أي دور فعال للحكومة الشرعية أو المنظمات الدولية.
ويعاني الكثير من أبناء مدينة تعز اليوم من الاكتئاب الذي ينجم عن ضيق ما في ظروف الحياة اليومية بسبب الحرب التي أثقلت كاهلهم.
"الموقع بوست" زار مستشفى الأمراض النفسية والعصبية والتقى نائب مدير المستشفى الدكتور فارس البركاني الذي أكد في بداية حديثه أن " المستشفى يضم نحو 70 مريضاً يعيشون في المستشفى بشكل دائم ناهيك عن المرضى الذين يترددون على المستشفى بشكل يومي.
* كم مريض يستقبل المستشفى يوميا؟
** من 15 مريضاً الى 20 مريضاً يتردد على المستشفى كل يوم، ومنهم من يبقى في المستشفى وآخرون تكون المتابعة من وقت لآخر، بحسب خطورة الحالة ومدى استقرارها، ويرقد حالياً بالمستشفى 70 مريضاً.
*هل زادت الأمراض النفسية منذ بداية الحرب؟
**الوضع في تعز أصبح مأساويا قبل أن يكون مرعبا ومخيف وكان لا بد من تزايد الحالات النفسية، فمشاهد القصف عبر القذائف والصواريخ الذي يخلف ضحايا وأشلاء ،أكيد لها تأثير نفسي وبذات من فقدوا ذويهم أو من تدمرت مساكنهم ، كل ذلك يتسبب في أمراض نفسية قد تقضى على حياتهم بالإضافة إلى اضطرابات التكيف على الوضع فالمريض أحياناً ليس له القدرة على مزاولة أي نشاط وينتج عنه الانعزال بسبب الحرب وذلك قد يكون ناتجا عن فقدان مهم في حياته سواء كان أطفاله أو زوجته أو والده أو أشقائه أو حتى منزله بالإضافة إلى أن المرض قد يبدأ في موجات من الاكتئاب فضلاً عن القلق الذي يصاحب هذه الحالات من الخوف للتعرض لأي مكروه سواء مباشر أو غير مباشر.
*هناك معلومات تشير إلى وجود نقص كبير في الأدوية والملابس والأغذية الاساسية للمرضى في المستشفى ما صحة هذا الأمر؟
** بالفعل مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، يعيش في وضع مأساوي ويعاني من نقص في الدعم من قبل الجهات الحكومية وأيضا من قبل الجهات الداعمة المتمثلة في المنظمات والمؤسسات وغيرها، حيث إن المستشفى يعمل بدون موازنة تشغيلية منذ بداية الحرب على مدينة تعز تسلم مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في شهر نوفمبر العام الماضي مليون ريال فقط وهذا المبلغ طبعاً منذ بداية الحرب على مدينة تعز.
*بحسب كلامك أن الموازنة التشغيلية للمستشفى لم تصرف فكيف تواجهون هذه المشكلة؟
** لا أخفي عليكم تراكمت على المستشفى الديون مقابل شراء الأدوية والمواد الغذائية، الآن أصبحنا نواجه مشكلة كبيرة لم نستطع توفير الأدوية بعد تراكم تلك الديون بالإضافة إلى أن الكادر الطبي الموجود في المستشفى يشتغل مقابل مبلغ ضئيل لا يغطي تكاليف المواصلات لأنه لا يخفى عن الكل أنه خلال سنة وستة أشهر استلمنا أربعة رواتب فقط.
*كيف تغطون تلك المبالغ في ظل توقف الميزانية وانقطاع الرواتب؟
**اضطرينا في المستشفى إلى أأخذ رسوم من المترددين على المستشفى أحيانا المريض المتيسر ظروفه يدفع ألف ريال أو خمسمئة ريال وأغلبهم لا يستطيعون الدفع.
*لماذا لم يتم تزويدكم بالأدوية من قبل مكتب الصحة بمحافظة تعز؟
**طبعاً مكتب الصحة بمحافظة تعز عنده بعض الأصناف المحددة وتأتي نادراً لا تغطي الاحتياجات التي يحتاجها المرضى وبعضها أشربة والمرضى يحتاجون إلى أقراص وهذه مشكلة كبيرة.
*ما أهمية الاهتمام بالجانب النفسي والعصبي؟
**الاهتمام بالجانب العصبي والنفسي للمرضى لا يقل أهمية عن بقية الجوانب الصحية من حيث الاهتمام بل تكون لهم الأولية أحيانا لأننا نعيش في وضع حرب وهناك تزايد في أعداد المصابين بالحالات النفسية والعصبية ومع الأسف الشديد ان الجانب الصحي في اليمن متدهور وهناك تفشي كبير للأمراض والأوبئة والحكومة عاجزة لعمل حد من انتشارها.
*ماهي أبرز الاحتياجات التي يحتاجها مستشفى الأمراض النفسية والعصبية؟
**أبرز الاحتياجات أولا نعاني من أزمة الغذاء هناك نقص كبير في التغذية للمرضى أيضاً الأدوية نفدت علينا أيضاً الكادر الطبي بدون رواتب المستشفى بدون موازنة تشغيلية أيضاً الفراشات والملابس للمرضى لأنه الكل يعلم ان المرضى النفسيين أحيانا يقطعون فراشتهم وملابسهم أيضاً المستشفى يعاني من أزمة المياه.
*ما أكبر مشكلة تواجهكم؟
** أكبر مشكلة تواجهنا هي المرضى الذين لم يكن لهم أي أقارب أو أهالي ولم يسأل عنهم أحد، ويوجد مرضى منذ سنوات لم يسأل عنهم أحد، حيث إن هناك أكثر من 30 مريضا بدون أهل ، ومرضهم النفسي مزمن وأول ما اندلعت الحرب في مدينة تعز كانت مدينة النور التي يقع فيها مستشفى الأمراض النفسية والعصبية مشتعلة بالمواجهات والطيران يضرب ولم نستطع إخراجهم وذلك انصدمت أنه ليس معهم أهالي فاضطرينا أن نبقى بجانبهم رغم أن مليشيا الحوثي كانت مسيطرة على المستشفى ومعها أسلحة بداخل المستشفى فكنا عرضة لضرب طيران التحالف وفعلاً شن الطيران عددا من الغارات الجوية على مواقع مليشيا الحوثي الانقلابية بجوار المستشفى وتساقطت نوافذ المستشفى وأصيب عدد من المرضى ولكن الحمدلله كانت إصابات بسيطة .
*من وجهة نظرك ما سبب تخلي أهالي المرضى عنهم؟
** سبب تخلي أهاليهم يرجع إلى غياب الضمير لدى بعض الأسر، أحياناً يكون طمعا في الميراث أو أحيانا أن بعض الاسر تعتبر المريض النفسي وصمة عار على الأسرة لاننا نعيش في مجتمع لا يرحم، ليتركوا أبناءهم وأشقاءهم داخل المستشفى دون سائل.
*كيف كان تعامل المليشيا الحوثية معكم أثناء سيطرتها على المستشفى؟
** طبعاً أنا واثنين ممرضين الذين بقينا بجانب المرضى أما الكادر الطبي غادر كله فحاول الحوثيون اعتقالي مرتين فقلت لهم أنا اعتقلونا وأنتم أكلوا المرضى وجيبوا لهم الأدوية وغادرت المستشفى وبعد ثلاثة أيام بعد أن أكملوا المخزون الغذائي للمستشفى وشافوا أنه لا يوجد أحد يراعي مصالح المرضى ويهتم بهم فاتصل بي الحوثيون وتعهدوا أن لا يتعرضون لي وبعدها عدت إلى المستشفى والحمد لله عدت تلك الفترة وبفترة قليلة تم تحرير المستشفى من قبل قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
*رسالة تريد توجيهها؟
** رسالتي للحكومة الشرعية ووزارة الصحة ومكتب الصحة بمحافظة تعز أن يتقوا الله في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية المريض هنا لم يلاقِ الفراش والملبس لم يلاقِ الغذاء لم يلاقِ حبة الدواء باختصار المرضى النفسيون يموتون ببطء وسط تخاذل الجهات المعنية وأضيف إلى ذلك أن المرضى النفسيين أصبحوا كشريحة مغيبة من شرائح المجتمع وسط تخاذل كبير وإهمال متعمد من قبل الجهات المختصة.