[ أرشيفية ]
قال موقع ميدل إيست آي البريطاني، السبت 3 مارس/آذار 2018، إن خطة المساعدات السعودية التي أعلنتها قبل أسابيع من أجل اليمن، وراءها عدة أهداف، من بينها السياسي وأيضاً سياسة تجويع اليمنيين، ووقف شركات علاقات عامة وراء حملة إعلامية كبيرة بشأنها.
وكشف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين، في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، عن خطةٍ جديدة لتقديم "مساعدات غير مسبوقة لليمنيين".
وتُمثِّل العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن برنامج "مساعدات" جديداً بهدفٍ ظاهري هو "معالجة النقص الفوري في المساعدات، وفي نفس الوقت بناء القدرة على تحسين المساعدات الإنسانية والواردات التجارية على المدى الطويل إلى اليمن"، بحسب الموقع البريطاني.
وسيُنفَّذ ذلك بصورةٍ أولية عن طريق زيادة "قدرات الموانئ اليمنية لاستقبال الواردات الإنسانية، إضافةً إلى تلك التجارية"، وستكون جميعها مختومة بطابع تبرعات ضخمة للمساعدات بقيمة 1.5 مليار دولار. لكن ماذا قد يكون خاطئاً في ذلك؟
سياسات التجويع
وبحسب الموقع البريطاني تتمثَّل المشكلة في أن التمويل المطلوب لتلبية الاحتياجات التي تسبَّبَ بها التحالف الذي تقوده السعودية تُقدِّره منظمة الأمم المتحدة بأنه ضعف المبلغ المُعلَن عنه، بل إن المشكلة الحقيقية هي أن الخطة لن تزيد في واقع الأمر الواردات التي يعتمد عليها اليمن كلياً، بل ستُخفِضها أكثر من ذلك.
ويرجع ذلك إلى أن "التطويرات في قدرة الميناء"، التي يحيط بها الكثير من التباهي، ستُطبَّق فقط على "الموانئ التي يسيطر عليها التحالف"، مع استبعاد الموانئ خارج سيطرته، وهما: الحديدة والصليف، واللذان يجري بينهما تداول 80% من واردات اليمن.
بالنسبة لتلك الموانئ، الحيوية قطعاً، تنص الخطة صراحةً على أنها تريد تخفيضاً في تدفُّق شحنات البضائع التي تتداولها، بنحو 200 طن متري شهرياً، مقارنةً بمستويات التداول في منتصف 2017. نعم، الأمر صحيح: وكأن مستويات الشحنات الواردة في منتصف 2017 – حين كان 130 طفلاً يلقون حتفهم يومياً من جراء سوء التغذية وغيرها من الأمراض التي يمكن إلى حدٍّ كبير الوقاية منها والتي تسبَّبَت بها القيود المفروضة بالفعل على الواردات- بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التخفيضات الكبيرة، بحسب الموقع البريطاني.
واتَّهَمَ فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن السعوديين بانتهاجِ التحالف سياسة التجويع، على خلفية إغلاقهم مينائي الحديدة والصليف في اليمن، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وذكر التقرير النهائي للفريق آنذاك، أن كل موانئ اليمن كانت مُغلَقة في أعقاب الهجوم الصاروخي للحوثيين على مطار الرياض. وفي حين أن الموانئ التي يسيطر عليها التحالف سرعان ما أُعيدَ فتحها، ظلَّ ميناءا الحديدة والصليف مُغلَقَين لأسابيع.
وقال الفريق: "كان لذلك أثرٌ تمثَّل في استخدام تهديد التجويع كأداء حرب". واليوم تُصوَّر خطة "العمليات الشاملة" استدامة التوازي بين التجويع المتعمد للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين (والتي يعيش بها الغالبية العظمى من اليميين)، وتوزيع المساعدات "السخية" على الأراضي التي يسيطر عليها التحالف، بحسب الموقع البريطاني.
سَادَة "التحوير"
وبحسب ميدل إيست آي تُعد تلك الأساليب هي نفسها "الأساليب الوحشية" التي اتبعها البريطانيون في حرب البوير -عندما تعرَّضت الأراضي الخاضعة لسيطرة البوير لسياسات الأرض المحروقة بإضرام النيران في المزارع وقتل الماشية- ثم أُعيدَ إحياؤها من أجل الحروب الاستعمارية البريطانية في مالايا، وكينيا، واليمن أيضاً في الحقيقة في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولذلك فليس من المثير للاندهاش مشاركة بريطانيا بصورةٍ كبيرة اليوم.
لكن مثل تلك الاستراتيجية سيصعُب تسويقها بالتأكيد في هذه الأيام وهذا العصر. وبالتأكيد يبدو أن السعوديين يعتقدون ذلك، ولهذا السبب فقد وظَّفوا عدداً كبيراً من وكالات العلاقات العامة لمساعدتهم في إتمام المهمة.
وأورد تحقيقٌ استثنائي لشبكة الأنباء الإنسانية "إيرين"، أن "البيان الصحفي الذي تلقاه الصحفيون للإعلان عن خُطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن لم يرد سواء من التحالف نفسه أو مسؤولي المساعدات السعوديين"، بحسب ميدل إيست آي.
وورد البيان مصحوباً بدعوةٍ لزيارة اليمن بطريقةٍ مباشرة من وكالة بريطانية للعلاقات العامة. وكشف التحقيق أيضاً أن عرض الباوربوينت الذي استُخدِم في شرح خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن لمسؤولين أمميين رفيعي المستوى أعده نقولا نحاس، الموظف لدى شركة "بوز آلن هاميلتون" الأميركية، المُتخصِّصة في تقديم الاستشارات في مجال الإدارة، والتي تحظى بروابط ممتدة منذ أمدٍ طويل مع الحكومة الأميركية (بما في ذلك المشاركة في برنامجي مراقبة الجمهور غير الشرعيين سويفت وبريزم). وتقول شبكة إيرين إن شركة الاستشارات "لديها (حالياً) 35 وظيفة في الرياض، مدرجة على موقعها الإلكتروني، بما في ذلك "مُخَطِّط عسكري"، بحسب الموقع البريطاني.
ومن ضمن شركات العلاقات العامة المشاركة في "تسويق" الخطة الإنسانية الشاملة في اليمن، مجموعة كورفيس ومقرها واشنطن، وهي الشركة التي لطالما تعاملت معها السعودية. ووفقاً لتقرير شبكة إيرين فالشركة "سجَّلَت عائداتٍ أميركية بأكثر من 6 ملايين دولار (تلقتها) من سفارة السعودية (في أميركا)، على مدار 12 شهراً، حتى سبتمبر/أيلول 2017".
وكان سادة التحوير هؤلاء بالتأكيد مشغولين: فقد أُرسِل عملهم على الخطة إلى "مكاتب المنظمات غير الحكومية الدولية الكبرى في المملكة المتحدة، وكذلك إلى أعضاء بالبرلمان البريطاني"، وأُنشِئت حساباتٌ لخطة العمليات الإنسانية على شبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، ويوتيوب وجيميل.
حسابات وهمية
وأشار الموقع البريطاني إلى أن لدى حساب العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن عشرة آلاف متابع على تويتر، لكن تحقيق شبكة إيرين يقول إن "ما يقرب من نصف متابعي حساب خطة العمليات الإنسانية لديهم أنفسهم أقل من 10 متابعين، في حين أن نحو ألف متابع أُنشِئت حساباتهم في اليوم نفسه في 2016، وهي دلائل على أن عدداً كبيراً من البوتات أو الحسابات المُزيَّفة يُضخِّم شعبية العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن".
واستنتجت شكبة إيرين أن "كل هذا لا يزال يُغذِّي شكوكاً أنه بدلاً من محاولة حقيقية لمساعدة الشعب اليمني، فإن الخطة حقيقة تهدف أكثر إلى تمويه قضية الحديدة وتحسين صورة السعودية المحطمة، أو على الأقل تحقيق القليل من كلاهما معاً".
قد تَعتَقِد أن استراتيجيةً تهدف لتجويع أكثر شعب يعاني من المجاعة في العالم لا يزال سَيصعُب تَسويِقها، لكن الأموال لا تتحدَّث بنفسها فحسب، بل إنها أيضاً تكتِم الأفواه. و1.5 مليار دولار ليست بالقدر القليل.
استجابة الأمم المتحدة
وذكرت خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن التابعة للأمم المتحدة، التي صدرت في 20 يناير/كانون الثاني، قبل يومين فقط من الإعلان عن العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن أن: "ميناء الحديدة، الذي يُمثِّل ما بين 70 إلى 80% من الواردات التجارية في اليمن، يبقى شريان حياة أساسياً، رغم عمله بقدرةٍ مُخَفَّضة بعد تَعرُّضه لضربةٍ جوية، في أغسطس/آب 2015".
وأضاف بيان الأمم المتحدة أن "الحصار الممتد المفروض على مينائي الحديدة والصليف، في 6 نوفمبر/كانون الثاني 2017، يُهدِّد بصورةٍ كبيرةٍ شُريان الحياة ذاك بالنسبة لليمنيين"، وأنه "لا يمكن سوى لتدفق مستدام للواردات من البضائع الأساسية الضرورية أن يمنع كارثةً أكبر".
لكن الأمم المتحدة التي تفتقر إلى الأموال، وتواجه تخفيضاتٍ ضخمة في الميزانية من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المُحتَمَل أنها تشعر بالتوتر إزاء قول أي شيءٍ من شأنه أن يُهدِّد التمويل السعودي الإماراتي أيضاً، رحَّبَت رسمياً بالإعلان (عن خطة التحالف للعمليات الإنسانية الشاملة في اليمن)، رغم تعهُّد الخطة الواضح بالأساس بتضييق الحصار المُشدَّد بالفعل على مينائي الحديدة والصليف، الأمر الذي ندَّدَت به الأمم المتحدة قبل أيام قليلة، بحسب الموقع البريطاني.
تسييس المساعدات الإنسانية
واتهم الموقع البريطاني التحالف الذي تقوده الرياض بتسييس المساعدات الإنسانية، وقال لا يبدو أن وكالات الإغاثة خُدعت بتلك الخطة. فقد جاء في بيانٍ مشتركٍ بشأن خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن أصدرته عدة منظمات دولية غير الحكوميةِ، بما في ذلك منظمتا أوكسفام، وأنقذوا الأطفال.
وأضاف البيان: "نتيجة لذلك، نرى عائلات دُفِعَت إلى مجاعةٍ وأمراضٍ كان يُمكن الوقاية منها، لأنه ليس بمقدورها شراء الغذاء والمياه النظيفة. ميناء الحديدة يدير معظم واردات البلاد ولا يمكن استبداله. من الضروري أن تلتزم الأطراف المتحاربة بالإبقاء على ميناء الحديدة مفتوحاً وقيد العمل كلياً، ويتضمَّن ذلك الوصول غير المُقيَّد للإمدادات الإنسانية والتجارية"، بحسب الموقع البريطاني.
وأوضحت كارولين آنينغ، المستشارة لدى منظمة أنقذوا الأطفال أن الخُطة "هي وهمٌ؛ إذ يقولون في دعاية الخطة الجديدة إن الحصار المفروض على ميناء الحديدة رُفِع بالكامل، لكن في حقيقة الأمر ما نراه هو استمرار حظر دخول الوقود لذلك الميناء، الأمر الذي له أثر تراكمي مروع حقاً في جميع أرجاء البلد".
تشديد الحصار
وأعلنت الأمم المتحدة، في 9 فبراير/شباط، أن 85 ألف شخص نزحوا في 10 أسابيع نتيجة "العنف المتصاعد"، خاصة على ساحل البحر الأحمر، حيث شنَّ التحالف حملة جديدة لإحكام السيطرة على ميناء الحديدة المهم والاستراتيجي في البلاد.
ومع دخول الحملة على ميناء الحديدة مرحلة جديدة، من المتوقع أن يتواصل تصاعد هذه الحرب على السكان اليمنيين أكثر. ومنذ إطلاقه الحملة، في مطلع ديسمبر/كانون الأول، استولى التحالف وأصوله اليمنية على عدة بلدات وقرى في محافظة الحديدة، وهو الآن مستعد لأخذ المعركة إلى المدينة نفسها، بحسب الموقع البريطاني.
وذكرت صحيفة ذا ناشونال الإماراتية، في 20 فبراير/شباط، أنه خلال الأيام المقبلة "ستُنتَدَب مزيدٌ من القوات إلى الحديدة، إذ سيفتح العميد طارق محمد عبدالله جبهة جديدة في الأيام القليلة المقبلة"، وطارق عبدالله صالح هو نجل شقيق الرئيس اليمني السابق الراحل علي عبدالله صالح.
ومن شأن هذا الهجوم أن يعطل العمل في الميناء الأكثر أهمية في البلد، الذي يعتمد على الاستيراد بصورة شبه كاملة لأشهر، تاركاً الملايين عاجزين عن البقاء على قيد الحياة. وقال مارك غولدرينغ، الرئيس التنفيذي لمنظمة أوكسفام للصحف أوائل العام الماضي عندما جرى اقتراح هجوم مماثل "إذا مضى هذا الهجوم قدماً سيكون هذا عملاً متعمداً من شأنه أن يعرقل الإمدادات الحيوية- التحالف الذي تقوده السعودية لن يخرق القانون الإنساني الدولي فحسب، بل سيكون متواطئاً في مجاعة شبه مؤكدة".
وأضافت سوزي فانميغان، زميلة غولدرينغ، أن "أي هجوم على الحديدة لديه القدرة على تفجير أزمة مقلقة بالفعل لتتحول إلى استعراض كامل من الرعب، وأنا لا أبالغ في الأمر".
المجموعة الرباعية المعنية باليمن
واتهم الموقع البريطاني لندن وواشنطن بمباركة التصعيد في اليمن، وقال ليس هناك شك في أن مراقبي الحرب البريطانيين والأميركيين منحوا مباركتهم لهذا التصعيد. في أواخر 2016، شكَّلَت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات "المجموعة الرباعية حول اليمن" للتنسيق الاستراتيجي بين الدول الأربع المعتدية الرئيسية في الحرب.
وعلى مدار 2017، التقت الدول بصورة متقطعة، لكن منذ نهاية العام أصبحت اجتماعاتهم أكثر تواتراً وتعقد على مستوى أرفع.
وبحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وقبل إطلاق العمليات على محافظة الحديدة، استضاف بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني اجتماعاً مع المجموعة الرباعية في لندن، في الوقت الذي تزامن مع لقاء تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، مع الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض، على ما يبدو لإعطاء إشارة البدء لهذه الجولة الجديدة من الدمار بالنسبة للسكان المحاصرين في اليمن، بحسب الموقع البريطاني.
والتقوا بعد مرور أسبوعين، وبعد ذلك أيضاً، في 23 يناير/كانون الثاني، بتحفيز من جونسون، حيث حضر الاجتماع للمرة الأولى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون. كما حضر مسؤولون من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اجتماع "اللجنة الرباعية الاقتصادية"، والذي عُقد في السعودية في الثاني من فبراير/شباط، بينما اجتمع جونسون وتيلرسون مرة أخرى مع نظيريهما السعودي والإماراتي، لمناقشة الوضع باليمن، في بون، في 15 فبراير/شباط.