[ ترامب مع العاهل السعودي ]
من اليمن إلى سوريا، جرّ التحالف الأميركي السعودي منذ زمن عبد العزيز آل سعود الويلات إلى الشرق الأوسط، لكنه أيضا أضر بالمصالح الأميركية. يقول داني سجورسن المحرر في موقع ديفينس ون إنه حان الوقت لتبتعد أميركا عن الرياض، حيث طبيعة النظام وأفعاله لا تتماشى مع قيم الولايات المتحدة على حد زعمه.
نص التقرير
على الرغم من لغته الرديئة، وتحليلاته السطحية، وعد دونالد ترمب في خطبه بقلب الطاولة على التوافق السائد بين كل من النيوليبراليين والمحافظين الجدد حول عقيدة التدخل العسكري، من خلال أفكار جديدة مثل أنّه ربما يتعين الآن على الحلفاء المشاركة بشكل أكبر في تكاليف التحالف مع أميركا، وأنه ربما يمكن للولايات المتحدة أن تتعايش مع روسيا، ولكن الأهم من ذلك كله؛ فكرة أن منطقة الشرق الأوسط قد تكون بمثابة ثقب أسود عملاق من الناحية الإستراتيجية.
لكن مع الأسف، بعد مرور سنة على تولي ترمب سدّة الرئاسة، يبدو أنه فيما يتعلق بهذه المنطقة، على الأميركيين توقع استمرار المقاربة الأميركية دون تغيير؛ أي إن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سوف تستمر في هذه المنطقة الخطرة والغدّارة دون وضوح في الهدف أو الرؤيا، مدفوعة فقط بزخم أحداث الماضي، ولكن أيضا، بما تريده المملكة العربية السعودية.
شراكة مصالح فقط
إن التحالف الأميركي السعودي قديم، إذ تعود بدايته إلى الاجتماع الودي بين الرئيس الأميركي في حينه فرانكلين روزفلت والملك السعودي المؤسس عبد العزيز آل سعود على متن السفينة الأميركية "كوينسي" في عام 1945. ظلت الخطوط العريضة لهذه العلاقة قائمة كما هي منذ ذلك الحين: حيث تضمن الولايات المتحدة السيادة والأمن السعوديين في مقابل استمرار تدفّق النفط والدعم الواسع للمصالح الأميركية في المنطقة. وقد تخطّت العلاقة التحالفية هذه العديد من العواصف؛ من الموجة القومية العربية بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى غزو العراق للكويت عام 1990، ثم الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول، والتي حمل معظم مرتكبيها الجوازات السعودية.
لكن هذه الشراكة كانت دائما تقوم على المصالح المشتركة لا على أي من القيم المشتركة؛ فلا تزال الولايات المتحدة دولة ديمقراطية ليبرالية تمثيلية ومتنوعة، في حين أن المملكة العربية السعودية هي ملكية مطلقة. ومع ذلك، فإن الجغرافيا السياسية هي مسألة معقدة، والولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين العالميين الرئيسيين غالبا ما ارتأوا فائدة في التعاون مع الأنظمة الفاسدة والقمعية. لكن هذه الأيام، نادرا ما تتماشى المصالح الأمنية الأميركية وتلك السعودية، في حين أن الولايات المتحدة تقترب ببطء من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة. على الرغم من ذلك، فإن الشراكة مع السعودية قد اكتسبت على ما يبدو حياة خاصة بها، مما يعني أن إدارة بعد أخرى في واشنطن ما زالت تسمح للأمراء السعوديين بجرّ العم سام إلى مستنقعات المنطقة.
الهستيريا السعودية تجاه إيران
في اليمن، ساعد القصف السعودي الشرس على خلق مساحات واسعة غير خاضعة لسيطرة أي حكومة، مما سمح لأمثال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية -وهي واحدة من أكثر فروع التنظيم دموية في العالم- أن تنمو وتتوسع بشكل كبير. لم يكن السعوديون قادرين على شن هذه الحرب من دون الذخائر أميركية الصنع وناقلات سلاح الجو الأميركي.
في لبنان، كاد السعوديون أن يسقطوا الحكومة الهشة ويغرقوا البلاد مرة أخرى في أتون حرب أهلية طائفية. وفي سوريا، دعمت المملكة لزمن طويل الجماعات الإسلامية المتضادة مع المصالح الأميركية، في الوقت الذي يضغط فيه القادة السعوديون على الولايات المتحدة لمواجهة نظام الأسد وإسقاطه. إن الجهود الأميركية على تلك الجبهة فشلت بشكل محرج.
الحقيقة غير المريحة هي أن الأسد وداعموه الروس قد انتصروا بالفعل في سوريا، لكن إصرار المملكة العربية السعودية على تنحي الأسد قد يؤدّي إلى إطالة أمد الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وهو مأزق خطير يمكن أن يتحول إلى احتلال جديد وما يصاحبه عادة من مآسي. كنت جزءا من لعبة الاحتلال الطويل كقائد فصيلة في العراق في عام 2007، وأقول إنه لا ينبغي تكرار تلك الحماقة في سوريا؛ فبهزيمة داعش، حان الوقت للانسحاب، بغض النظر عما تريده السعودية.
فالسلوك السعودي، بطبيعة الحال، مدفوع بالكراهية الشديدة تجاه إيران. وفي حين أنه يصب في المصلحة الأميركية احتواء الهيمنة الإقليمية لإيران أو الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن إيران ببساطة لا تشكل قوة عسكرية هائلة كما يدّعي السعوديون. وبعكس ما نسمعه من هستيريا صقور إدارة ترمب ومن السعودية، فإن الجمهورية الإسلامية لا تقدر على مجاراة المملكة في أي حرب تقليدية؛ ولهذا السبب تفضّل طهران استخدام الميليشيات والمتطرّفين للقتال نيابة عنها بدلا من تحدي خصومها مباشرة.
إن الطموحات النووية الإيرانية والمحاولات الدبلوماسية الأميركية لجماها عن هذه التطلعات هي أيضا من باب الاستجابة للتفوق العسكري السعودي. في الحقيقة، إن الوقوف بجانب السعودية يقوّض التقدم الأميركي نحو الأهداف الدبلوماسية المركّزة والأهداف الأوسع لكسب ود شعوب المنطقة. ففي اليمن، كما هو الحال في أماكن أخرى، فإنه عندما تقوم واشنطن بتفضيل جهة على أخرى، يصبح من الصعب التفاوض على الحلول السياسية النهائية التي تخدم مصالح الولايات المتحدة.
وبما أن القصف السعودي يوقع عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، والحصار السعودي الوحشي يساهم في المجاعة اليمنية، فإن الدعم الأميركي للسعودية يعزز من الرواية الإيرانية ويضع الولايات المتحدة على الجانب الخاسر في الحرب الإعلامية العالمية. كما أن الدخول في صفقات بيع الأسلحة الهائلة مع السعوديين، كما فعل ترمب العام الماضي، يمعن في إعطاء صورة سلبية عن الولايات المتحدة، وهذا لن يخدم جهود دعم المعتدلين في المنطقة ضد الجهاديين.
إن القلق الأميركي الوجودي الوحيد في المنطقة هو الإرهاب العابر للحدود. فلماذا تقوم واشنطن إذا بصب الزيت على هذه النار من خلال دعم حملات السعودية، والمساهمة في مجاعة حقيقية وتفشي الكوليرا في أفقر دولة عربية؟
لقد حان منذ زمن طويل وقت الابتعاد عن السياسات السعودية التي لا تتفق مع القيم والمصالح الأميركية. ما تحتاجه أميركا هو إستراتيجية متماسكة تتجنب القرارات التي تجرّ الجيش الأميركي أكثر فأكثر إلى الهاوية في الشرق الأوسط. في هذه الحالة، فإن فعل الخير هو من قبيل حسن الأداء.