[ ولد الشيخ ]
شكل قرار الدبلوماسي الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ، إعفاءه من مهمته مبعوثا أمميا في اليمن، تساؤلات عدة حول أسباب هذ الطلب الذي تقدم به في الأيام القليلة الماضية، وما مدى حدوث تغيرات على سير الأحداث المستقبلية للأزمة اليمنية مع قدوم مبعوث بريطاني جديد خلفا لولد الشيخ.
وكانت الأمم المتحدة كشفت، الأسبوع الماضي، أن ولد الشيخ بعث بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة، أعلن فيه بأنه "لا يعتزم الاستمرار في مهمته الحالية، التي تنتهي في شباط/ فبراير 2018.
طريق مسدود
وتعليقا على هذا الموضوع، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أنه من الواضح أن المبعوث الأممي السابق، ولد الشيخ، وصل إلى طريق مسدود؛ لأسباب عدة، منها "انسداد الأفق بفعل غياب الإرادة الإقليمية والدولية لدعم خارطة الطريق المتصلة بالحل السياسي للأزمة والحرب.
وتابع حديثه الخاص لـ"عربي21" أن سببا أخرا يرتبط برفض الانقلابين في صنعاء (الحوثيين وحلفائهم) لاستمرار مهمة الوسيط الدولي، إلى حد أنه تعرض لمحاولة اغتيال في آخر زيارة له إلى العاصمة التي يسيطر عليها الحوثيون.
وبحسب التميمي، فإن المبعوث الأممي أفشل، رغم أربعة قرارات بشأن اليمن صادرة عن مجلس الأمن؛ ذلك أن الحرب اتخذت مسارا مختلفا، وتحولت إلى حرب بالوكالة تلاشت معها أهداف التدخل العسكري للتحالف، وتراجعت أهمية الإجماع الدولي حول رفض الانقلاب ومواجهته.
وحول تعيين البريطاني "مارتن غريفثت" خلفا لولد الشيخ ومدى حدوث تغيرات في مسار الأزمة اليمنية، أكد السياسي اليمني أن تحريك الملف السياسي بات اليوم ينحصر تقريبا بالدور البريطاني، ويكرس لندن كطرف مؤثر في توجيه دفة الأزمة باتجاه الانفراج.
واستدرك بقوله إن ذلك يبقى طموحا، حتى وإن جرى تسمية دبلوماسي بريطاني مبعوثا جديدا للأمم المتحدة إلى اليمن.
ولفت إلى أن المبعوث الجديد سيصرف اهتمام المجتمع الدولي نحو الجانب الإنساني. وهو توجه، وفقا للسياسي التميمي، غير مريح بالنسبة للتحالف، وقد يمنح الحوثيين فرصة لالتقاط الأنفاس، في وقت تحتاج اليمن إلى حلول جذرية.
وبدى التميمي متشائما من حدوث أي تغيرات قادمة، وقال إنه لا يبدو أن تحركات وزير الخارجية البريطاني الأخيرة تؤشر إلى إمكانية التوصل إلى هكذا حلول أو مفاجآت متوقعة في المدى المنظور.
فشل ودور مؤثر
من جهته، قال رئيس موقع "الموقع بوست" الإخباري (محلي)، عامر الدميني، إن عدم تحقيق أي تقدم في العملية السياسية بين الحكومة اليمنية الشرعية والانقلاب (الحوثي)، منذ تعيين ولد الشيخ مبعوثا أمميا، كان له دور كبير في طلب إعفائه من مهمته.
وأضاف في حديث خاص لـ" عربي21" أن هناك جولات حوار عدة، وزيارات بين عواصم الدول، خلال مهمة المبعوث السابق، ولم تحقق أي نتائج يمكنها حلحلة الأزمة في اليمن. مشيرا إلى أن الوضع يزداد سوءا، والحرب مستمرة بشكل أفزع من السابق في ظل الوضع الإنساني، الذي يزداد تدهورا.
وأشار الدميني إلى أنه من المبكر التفاؤل بمهمة المبعوث البريطاني الجديد إذا ما جرى تعيينه بشكل فعلي، فالمبعوثان السابقان للأمم المتحدة في اليمن أثبتا أن تحركهما يأتي في سياق مصلحة الدول المعنية في اليمن، وليس في سياق أجندة السلام التي ترفعها الأمم المتحدة. موضحا أن هناك مرجعيات واضحة للسلام في اليمن، ممثلة بالقرارات الدولية المتعلقة باليمن، وهي التي ينبغي الانطلاق منها، ما لم تتغير لاحقا.
لكن رئيس تحرير موقع "الموقع" توقع أن يلعب "غريفثت" دورا مؤثرا، بحكم مسؤولية بلاده بالملف اليمني داخل مجلس الأمن، إلى جانب علاقاتها وتحركاتها الأخيرة في المنطقة، وهو ما يكسبه أهمية كبيرة في تحركاته.
ومع ذلك، وفقا للصحفي اليمني، فإن الأحداث تشير إلى أن خياري السلم والحرب ما زالا قائمين، وفيما يتعلق بالعلاقة بين الشرعية والانقلاب، والتطورات القادمة ستكشف أكثر إلى أين ستتجه الأوضاع، وهل نحو خيار السلام والاتفاق السلمي، أم نحو قرع طبول الحرب مرة أخرى.
إجراء فني
الناشط الحقوقي والخبير في شؤون الأمم المتحدة، محمد الأحمدي، استبعد وجود أي ارتباط بين طلب الدبلوماسي الموريتاني إنهاء مهمته في اليمن، وبين عدم التجديد له، برفض الحوثيين التعامل معه.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" إن إنهاء مهمة ولد الشيخ هو إجراء فني، وهو من طلب ذلك، تزامنا مع انتهاء عقده في شباط/ فبراير القادم. لكنه استدرك بالقول إن هذا الطلب ربما يعود لحسابات المبعوث الأممي السابق نفسه.
وحول استبداله بولد الشيخ مبعوثا غربيا وليس عربيا، ومدى خلْق ذلك أفقا جديدا لتسوية سياسية بين أطراف الصراع في اليمن، أوضح الأحمدي أن الأمم المتحدة لديها معايير في اختيار مبعوثيها، ولا اعتقد أن لديها معايير في اختيار وتعيين مهام مسؤولين خاصين للأمين العام للمنظمة، سواء كان غربيا أو عربيا.
وأشار إلى أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية البريطانية إلى المنطقة، يمكن قراءتها على أنها خطوة استباقية تمهد لبدء نشاط المبعوث الأممي الجديد "مارتن"، وربما تفسر وجود مصلحة بريطانية لإعادة هندسة المشهد السياسي اليمني بطريقة جديدة.
وكان الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ، قد عين مبعوثا لدى اليمن، أواخر نيسان/ أبريل 2015، خلفا للمبعوث السابق المغربي، جمال بن عمر، الذي عمل 4 سنوات قبل أن يعلن تنحيه منتصف الشهر نفسه من العام ذاته.
وأشرف ولد الشيخ على 3 جولات حوار بين طرفي النزاع في اليمن، اثنتان منها في سويسرا، والثالثة في الكويت، لكنه عجز عن التوصل لحل للأزمة، ما دفعه للجوء إلى طرح حلول جزئية، كان أهمها مبادرته الخاصة بـ"تسليم ميناء الحديدة" إلى طرف ثالث، مقابل إيقاف أي حملة عسكرية لقوات الشرعية المسنودة بالتحالف.
لكن جماعة الحوثي أعلنت رفضها المبادرة، ووجهت طلبا للأمم المتحدة بأن ولد الشيخ شخص غير مرغوب به، وأنهم لن يتعاملوا معه؛ لانحيازه لدول التحالف الذي تقوده السعودية.