[ الإمارات وعُمان.. صراع مكتوم في جنوب اليمن ]
في صباح الثلاثاء 14 نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2017، أفاق أهالي الغيضة بمحافظة المهرة الحدودية على صور ضخمة للسلطان العماني "قابوس بن سعيد" تملأ أرجاء المدينة حاملة إليه كلمات شكر وعرفان بالجميل لوقوفه إلى جانب المحافظة. كان الحدث جديدا من نوعه، لكن سببه لم يكن مجهولا، حيث عززت المساعدات العمانية المستمرة لأهالي المحافظة الامتنان للدور العماني في الحفاظ على استقرارها.
غير أن الحدث أقلق طرفا آخر لم يكن لتسره مشاهد تمجيد سلطان عمان في قلب مناطق الجنوب التي تراها أبو ظبي من صميم نفوذها في اليمن، حيث تلعب الإمارات دور صاحب النفوذ الأكبر في إدارة المشهد الأمني والعسكري والسياسي فيها.
شكل الحدث لأبو ظبي شبه انهيار لجهود عامين تقريبا من مساعدات أغرقت بها المحافظات الجنوبية اليمنية دون أن يمنحها ذلك الأفضلية المطلوبة على مُنازعها العماني على الحدود، وهو ما اكتشفته قبل حادثة الصور تحديدا بأيام، عندما كانت قوات "النخبة المهرية"، المدربة سعوديا على الأرجح على وشك دخول المحافظة قبل أن تعترضها السلطات المحلية وتمنعها من الدخول.
لم تكن تلك القوات المهرية هي الأولى من نوعها المدربة من قبل ما يسمى بـ"التحالف العربي" من بين أبناء محافظة ما لتولي مهام الأمن بها ، وهي تدريبات تحتل أبو ظبي الجزء الأكبر من فضاء استغلالها بجانب الرياض، لكن حسابات المهرة تحديدا تختلف عن العديد من مناطق اليمن، ليس فقط لموقعها حارسا على بوابة اليمن التجارية من الشرق والمتشاركة فيها بشكل كلي مع عمان، بل أيضا لوجود علاقة سابقة بعقود لدخول قوات "التحالف العربي" المدينة في عام 2015 ضمن عملية "عاصفة الحزم"، وهي علاقة اعتمدت بالأساس على اندفاع عماني دائم لحفظ حدودها مع اليمن ، ومنحت معه قبائل المهرة ميزات خاصة من دخول ميسر للسلطنة والخروج منها، وممارسة التجارة على حدودها، وغيرها من مزايا يصعب تجاهلها أمام وجود غير معلوم المصير أو الصلاحية لقوات التحالف في المدينة.
لا يقف الصراع بين أبو ظبي ومسقط عند حدود الحرب في اليمن، بل يسبق ذلك بعقود طويلة ظلت فيها علاقات الدولتين مشوبة بحذر تُحيطه خلافات عدة ما أن تختفي لسبب إلا ويُجددها آخر، وإن شكلت مظلة مجلس التعاون الخليجي جزءا من تلافي آثار سيئة لهذه النزاعات في المنطقة لسنوات عدة، لكن هذه المظلة على وشك الانهيار أمام دفاع كل دولة على حدة عن مصالحها الخاصة، وأمام طموح أبو ظبي الشاسعة، وسواء كان هذا داخل حدود كل منهما أم خارجها، فإن الصراع في اليمن -وتحديدا في المهرة- يبقى مرهونا بقدرة كلتا الدولتين على استكمال الطريق نحو أهدافهما هناك، وعلى مدى ما يمكن أن تذهب إليه أبو ظبي لكسب معركة السيطرة.
الكابوس
وضعت مسألة الحدود كلا من الإمارات وعمان في مأزق منذ زمن بعيد، كانت فيه الإمارات نفسها جزءا من المملكة القديمة لعُمان، قبل أن يتولى الاستعمار مهمة تقسيم أراضيها في ما بينه، ثم تركها في ما بعد تحت وطأة الصراعات القبلية على الأرض والنفوذ، وهي صراعات شكلت فيها الحدود بين الدولتين مساحة متجددة لمعارك بدأت في الخمسينيات حول "واحة البريمي"، وانتهت بشكل ما مع انتهاء الصراع حول الشريط الساحلي الممتد بطول 16 كيلومترا على حدودهما.
شكل هذا الصراع الأخير محور أزمة اضطرت فيها كل من السعودية والكويت لتدخل عاجل قبل أن ينتهي الأمر بحرب خليجية محتملة لا تُحمد عقباها، وبينما أسس تدخلهما لاتفاق ترسيم الحدود المتنازع عليها على مرحلتين، أولاهما في عام 1996والأخرى في 2008، فإنه في مرحلة ما وسط هذا النزاع الطويل قررت الإمارات الانتهاء مرة واحدة وإلى الأبد من معركتها الحدودية، وفي عام 2005 بدأت أبو ظبي ببناء جدار حدودي فاصل بينها وبين عُمان من ناحية والسعودية من ناحية أخرى بحجة "التخلص من أزمة التهريب والاتجار بالبشر وكذا الإرهاب العابر للحدود من كلتا الدولتين إليها" كما قالت.
لم يكن الهدوء التالي للانتهاء من ترسيم الحدود بين الدولتين سوى ذلك الذي يسبق العاصفة، عاصفة بدأتها الإمارات في قلب عُمان نفسها عندما أعلن التلفاز الرسمي العماني، أواخر يناير/كانون الثاني عام 2011 عن اكتشاف "شبكة جاسوسية إماراتية تستهدف نظام الحكم في سلطنة عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري" كما قال، وقبل أن تبدأ الكويت بسلسلة جولات مكوكية سارعت من خلالها للقضاء على الأزمة في مهدها وقبل أن تتورط إحدى الدولتين في أزمة جديدة على إثرها.
شكلت تلك الكلمات المختصرة للتلفزيون العماني أقصى ما سيُعرف عن حادثة الجاسوسية حتى الآن قبل أن تُنهيها الكويت، وقبل أن يبدأ الربيع العربي إعادة تشكيل المنطقة كاملة في مجموعة صراعات بعينها، أتى فيها الصراع السني الشيعي في سوريا واليمن ولبنان على رأس قائمة صراعات حاربت فيه السعودية بجانب الإمارات ضد إيران إقليميا. وبينما كان الصراع في سوريا ولبنان بالوكالة وعبر مجموعة من الشخصيات أو الجماعات المحسوبة على رأس ما عرف بـ"التحالف السني" في المنطقة، فإن الحرب في اليمن تحديدا كانت شاهدة على تدخل كلتا الدولتين بقواتهما من جهة، ومن جهة أخرى بمعارك جانبية للمصالح وجدت فيها أبوظبي نفسها من جديد تقف وجها لوجه أمام خصمها العُماني.
فرضت الحرب اليمنية نفسها بداية لما اعتبرته كل من أبو ظبي والرياض "وقوفًا في وجه المد الشيعي المدعوم إيرانيا" في الخليج، وهو مد عرف طريقه إن جاز القول خلال معارك الحوثيين المعارضة للحكومة اليمنية السابقة بقيادة علي عبد الله صالح والمدعومة من إيران. لم يدم الأمر كثيرا على هذه الحالة، ووجدت كلتا الدولتين نفسيهما في ما بعد أمام معارك جانبية عدة وقفت في بعضها الرياض في وجه أبو ظبي، وكان على رأس هذه المعارك دعم الأخيرة للجماعات الانفصالية في الجنوب اليمني، وخاصة في منطقة المهرة، والذي أنتج خلافا داخل المحافظة مع قوات التحالف نفسها من جانب، ومع عُمان من جانب آخر.
بداية لم يكن نأي عمان عن الدخول في التحالف العربي في اليمن جديدا على سياستها البعيدة عن التحيز على طول الخط تقريبا، وإن وجدت نفسها في هذه المعركة تحديدا غير قادرة على التزام صف الحيادية طويلا أمام استمرار التدخل الإماراتي على الحدود معها في المهرة، بداية بسبب وجود مكثف للهلال الأحمر الإماراتي في المحافظة الحدودية حمل فيه آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والأدوية إلى المهرة بمديرياتها التسع، وليس انتهاء بالحديث عن تقديم المساعدة للسلطات المحلية في إعادة بناء الشرطة المهرية وقوات الأمن بها، وهي أحاديث وجدت طريقها للواقع بالفعل عبر الإشراف على تدريب نحو 2500 من المجندين الجدد من أبناء المحافظة، تخرجت منها دفعتان بـ500 مجند لكل دفعة.
شكلت التدريبات الإماراتية للقوات الأمنية المهرية على اختلافها أزمة اختلفت عن تدريب الإمارات لأي قوات يمنية في أي محافظة أخرى، وامتدت لتشكيل أبو ظبي لهذه القوات بالأساس، فقد اعتمدت أبو ظبي بشكل كبير على تغذية الطابع القبلي في عمليات التجنيد، وبما يهدف نهاية لعزلة القوى الأمنية المدربة إماراتيا نفسها عن بعضها البعض، وبما يمنح العاصمة الخليجية فرصة أفضل لفرض سيطرتها الكاملة على هذه التشكيلات دون ترك فرصة لأي تعاون محتمل بين صفوفها قد يقف بعد ذلك في وجه الإمارات أو من تضعه على رأس القيادة السياسية. بينما خدمت هذه التقسيمات القبلية مصالح الدعوات الانفصالية في جنوب اليمن خاصة دون غيرها.
لم يخف على عُمان التحركات الإماراتية بالمهرة، وإن لم تكن بحاجة لفعل حازم وقوي في حينه، لكنها هي الأخرى ردت بداية بأرطال من المساعدات الإنسانية العاجلة، اشتملت في جزء منها على معونات نفطية مجانية وصلت لـ180ألف لتر من الديزل والبترول يوميا، إضافة لقواطر غذائية وأجهزة طبية وعقاقير، وليس نهاية بمنح الجنسية العمانية لأسرتي سلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار، ومستشار الرئيس اليمني ورئيس "أول حكومة في دولة الوحدة اليمنية" حيدر أبوبكر العطاس، ومعهم 69 تقريبا من أبناء الأسرتين.
لم تكن مساعدات مسقط العاجلة هي السبب الوحيد لعدم قبول اليد الإماراتية مرة أخرى في المهرة على الأرجح، بل كان السبب سعي مسقط الدائم لترسيخ علاقة سعت بها لاحتواء أهالي المناطق الحدودية اليمنية منذ عقود طويلة، وكان هدفها بالأساس منح امتدادها الحدودي استقرارا نأى بالمنطقة كاملة عن أي صراع بالداخل اليمني، وهو استقرار خدم بالتبعية استقرار عمان نفسها بداهة.
وفرضت هذه المعادلة على أبو ظبي البحث عن ورقة أخرى تبدو ظاهريا نابعة من رغبة يمنية بانفصال المناطق الجنوبية، وبما يمنح الإمارات أفضلية على مسقط كون هذه المطالب مدعومة ومزكاة في الباطن من الداخل الإماراتي نفسه، وحملت هذه الورقة اسم "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى ساحة الانقسامات في الجنوب، وعلى رأسه كان "عيدروس الزبيدي"، الشخصية ذات الجدل الواسع في أوساط اليمن على اختلافها.
عهد الزبيدي
بدت حملة "صيد الساحرات" في السعودية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي ألقى فيها ولي العهد "محمد بن سلمان" القبض على عدد من أمراء المملكة ورجال أعمالها وبعض من حلفائها في الخارج، وعلى رأسهم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. بدت تلك الحملة غير بعيدة عن اليمن، وكان نصيبه منها -بطلب قادم رأسا من أبو ظبي لفتى المملكة الأول- احتجاز الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي بين من احتجزوا، وقبل أن تثار شكوك واسعة في الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الماضي بشأن امتلاك هادي الموجود في الرياض حينها حرية الحركة أو السفر عائدا إلى عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، من عدمه.
بدا أن الإمارات أرادت تمكين سيطرتها كاملة داخل اليمن، وإن كان هذا على غير رغبة الرياض نفسها المعارضة لتحركات أبو ظبي في جنوب حديقة الأولى الخلفية، وبما يشمل فتح الطريق أمام الجماعات الانفصالية من جديد للمطالبة بتقسيم اليمن، وهي مطالب ليست جديدة في ذاتها، إلا أنها قد تفتح جبهة أخرى لحرب لا يمكن التنبؤ بكيفية نهايتها.
لم يمنع التعارض بين الرياض وأبو ظبي استمرار الأخيرة في سعيها الداعم للجنوب، والذي تجلى واضحا في تحركاتها خلال العام الماضي، وإن بدأتها قبل ذلك بسنوات، وحملت في ما حملت من شخصيات اسم الزبيدي على رأسها، الذي تم تعيينه محافظًا لمدينة عدن أواخر عام 2015، بعد اغتيال محافظها الأسبق جعفر محمد سعد في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه.
لا يخفى على أحد كون الزبيدي ورفيقه في حركة "المقاومة الجنوبية" "شلال شائع" -وهو الذي عُين مديرا لأمن محافظة عدن بقرار من هادي نفسه وبضغوط إماراتية في وقت تعيين الزبيدي- على علاقة وثيقة بقوات التحالف في اليمن وبالدولتين ذاتهما اللتين تواجد الزبيدي فيهما على فترات مختلفة خلال مراحل هربه من الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على اعتبار أن الرجل أحد القادة المطالبين، منذ نعومة أظافره، بانقسام اليمن وعودة الجزء الجنوبي منه إلى حدود ما قبل 1990. أما العلاقة المضطربة، والتي يُعتقد أنها السبب في تشدد الإمارات مع الرئيس هادي، فقد بدأت تفاصيلها مطلع العام الماضي، وتحديدا في فبراير/ شباط، وفي ما عُرف بعد ذلك بـ"أزمة مطار عدن".
بدأت الأزمة مع عودة "اللواء الرابع حرس رئاسي" من معاركه مع الحوثيين بمدينة صعدة الحدودية مع السعودية، وبطلب من هادي لقائد اللواء الموالي له العميد "مهران القباطي"، توجه اللواء لاستلام حراسة مطار عدن من القوة العسكرية الحامية له والمؤلفة من قوات "الحزام الأمني" الموالية للإمارات بقيادة المقدم "صالح العميري". ولا يصعب تخيل أن القوة قد رفضت تسليم المطار لقوات الحرس الرئاسي، وأن تحليق القوات الإماراتية طوال ليلة الثالث عشر من فبراير/شباط 2017 فوق المطار لمساندة القوة الموالية لها على أرضه قد هيأ الجميع للصراع القادم هذه المرة بين الإمارات والرئيس اليمني نفسه الذي أصبح النفوذ الإماراتي مهددا لوجوده وسلطاته.
وردا للصفعة الإماراتية أقال هادي بعض المحسوبين على أبو ظبي في حكومته -وعلى رأسهم وزير الدولة هاني بن بريك- في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، وفي اليوم نفسه لإقالة الزبيدي من منصبه محافظا لعدن، وكان هذا المنصب منح الأخير قوة يحسب حسابها لكونه أحد أبناء محافظة الضالع الجنوبية التي تُعد موطن انطلاق الحراك الجنوبي وتشكل مع عدن محطة رئيسية للحراك الانفصالي، لكن هذه الضربة رُدت مضاعفة إلى هادي نفسه، ليس فقط باحتجازه في الرياض بعد ذلك، بل بما سبق واستمر معه من حراك انفصالي تزعمه الزبيدي نفسه، وبعد أيام فقط من إقالته.
خرجت المظاهرات في المناطق الجنوبية تندد بإقالة الزبيدي وابن بريك بعد أيام من قرار هادي، لكنها أيضا خرجت تطالب الزبيدي بتكوين ما عرف بعد ذلك باسم "المجلس الانتقالي الجنوبي" كقيادة سياسية تمثل المناطق الانفصالية داخل اليمن وخارجها، وتسعى لتحقيق سياستها الهادفة في النهاية للعودة إلى حدود ما قبل 1990، وهي سياسة لخصها "بيان عدن التاريخي" في الحادي عشر من مايو/ أيار التالي حيث منح المناطق الجنوبية ما يشبه الحق في تقرير مصيرها بعيدا عن سلطة الحكومة اليمنية في عدن، وبما يحقق مصالح الجنوب التي بدت في النهاية مصالح الإمارات أيضا.
سقطرى
تختصر محاولات انفصال جنوب اليمن، ليس فقط الرغبة في العودة لحدود سابقة لحرب 1994 كان فيها الجنوب بالفعل غير تابع لليمن بشكله الحالي، بل يتشكل منبعها الرئيسي لسنوات طويلة سابقة من إهمال وتهميش مستمر قادت فيها حكومات علي عبد الله صالح محاولات وأد الانفصال ومنع إمكانية حدوثه بالأساس، وعلى ما يبدو فإن هذا لم يحدث بحال، لذلك فإن معاناة الجنوب استمرت بالفعل، وإن تخففت محافظتا المهرة وحضرموت تحديدا من حدتها نظرا لوجود حليف قريب في مسقط يرغب في الحفاظ على حدوده آمنة من الحرب، لكن لم يكن الحال مماثلا في منطقة أخرى تابعة للجنوب -كما اليمن- دون أن تتشارك حدودها إلا مع المحيط الهندي، هناك حيث يقبع أرخبيل سقطرى وعلى مقربة من خليج عدن، طبيعة منحت المنطقة خصوصية سياسية كونها تتحكم في حركة المرور كاملة عبر الخليج إلى المحيط الهندي.
منح الموقع الجغرافي للأرخبيل أهمية سياسية جعلت منه محور العديد من النزاعات كان أبرزها إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والسوفيات. أما الآن وقد وقعت الجزر منذ عقود تحت سلطة اليمن، وفي المناطق الجنوبية منها، فقد شكلت المطالب الانفصالية فرصة ذهبية ليس فقط للمطالبين بالانفصال أنفسهم، ولكن لأبو ظبي أيضا، وإن بدا في النهاية أنها ليست بحاجة للانتظار، إذ شكل عام 2015 تحديدا المحطة الأولى في مشاريع مثيرة للجدل بدأتها الإمارات في سقطرى، بداية من مستشفى خليفة ومرورا ببناء عدد من المدارس ومطار سقطرى، إضافة لمشاريع تنموية وسياحية عديدة.
بدأت أبو ظبي الأمر -كما بدأته في مناطق الجنوب على اختلافها- بقائمة طويلة من "المساعدات الإنسانية" للأرخبيل، وإن تبعتها هذه المرة بإرسال 80 آلية عسكرية إلى الجزيرة بحجة تخريج دفعة من المتدربين في الإمارات وعودتهم للأرخبيل لمهام حفظ الأمن ورعاية مصالح الإقليم، وإن بدت هذه المصالح في ما بعد هي مصالح الإمارات نفسها، أو بمعنى آخر مصالح رجال الأعمال الإماراتيين الذين غمروا الأرخبيل بعد ذلك.
كانت البداية مع وصول اليمني المحسوب على الإمارات ونائب الرئيس الأسبق "خالد بحاح" إلى سقطرى في مارس/آذار 2016 متبوعة بإعلان اتفاقية تقوم بموجبها أبو ظبي بإعادة إعمار الأرخبيل، والتي بموجبها أيضا قام رجال الأعمال الإماراتيون بعمليات شراء واسعة لأراضي وشواطئ الجزيرة. وبالرغم من أن مثل هذا الاهتمام قد جذب التفات الحكومة الحالية بقيادة هادي الذي ألغى الاتفاقية كاملة في ما بعد، بل وأطاح ببحاح نفسه، فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل زاد عليه توسع مشاريع الإمارات في الجزيرة، بداية من تنفيذ مراحل إعادة الإعمار وبما يشمل بناء مطار الجزيرة وعدة مشاريع سياحية، وليس نهاية بالقاعدة العسكرية المزعوم إنشاؤها لإيواء نحو 2300 جندي يمني تقوم الإمارات بتدريبهم داخلها.
بدت تحركات أبو ظبي الواسعة في مناطق يمنية عدة مدعومة برجال محسوبين على الإمارات في كل شبر تقريبا من أراضي اليمن، فإما كانوا من قبل تابعين لها كبحاح، أو صنعتهم بمنظومة واسعة من تدريبات عسكرية قامت على تجنيد أبناء الأقاليم اليمنية على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها.
وقابل هذه التحركات مثيلاتها من عمان على حدود اليمن المشتركة معها في المهرة، لكن هذه التحركات اتخذت نطاقا واسعا من السعي للانفصال بداية، وليس نهاية بلعبة تتسع يوما بعد يوم من شراء الولاءات وتقسيم المصالح كل على حدة. أما ما لم تُحسب عواقبه في هذه التحركات التي تحكمها بالأساس مصالح دول عدة -ليس من ضمنها اليمن نفسها- فإنه لم تتوقف عند حدود استمرار التهميش والإهمال الذي تزايد بإطاحة الإمارات بأهالي البلد أنفسهم في مناطق واسعة من الجنوب لأجل إقامة قواعد عسكرية أو مشاريع خاصة كما حدث في سقطرى، بل استمر وصولًا لأزمة إنسانية متفاقمة منذ سنتين تقريبا لا تُفلح أي من المساعدات القادمة من اتجاهات عدة في احتوائها.
وفيما تتوالى النزاعات على كعكة المصالح اليمنية فإن انتهاء الحرب نفسها أو معارك المصالح هذه غير وارد في الأفق القريب على الأقل، كما هو حال محاولات إصلاح الأوضاع الإنسانية هناك أو نهاية الحرب عسكريا وسياسيا.