[ رعى ولد الشيخ أحمد ثلاث محاولات أساسية للسلام - فرانس برس ]
حينما عيّنت الأمم المتحدة، الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مبعوثاً إلى اليمن، كانت البلاد قد تحوّلت للتو إلى ساحة حرب شاملة، وبإعلان نيته ترك منصبه، يوم الاثنين الماضي، يبدو أن ذلك قد جاء أيضاً تماشياً مع مرحلة جديدة ترتسم ملامحها في اليمن، على أكثر من صعيد. ويذهب ولد الشيخ، الذي حاول جاهداً أن يسجّل أي تقدّم سياسي في وضع بالغ التعقيد، خارجاً بشرف المحاولة، بعد أن صمد أمام حملات إعلامية وانتقادات وُجّهت إليه من الاتجاهات كافة.
في إبريل/ نيسان 2015، بعد شهر على بدء عمليات "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية، كان اليمن أبرز مهمة سياسية صرفة بالنسبة لموظف الإغاثة الدولي، الاقتصادي إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وفي إبريل من العام الذي تلاه، وقف في افتتاح مشاورات الكويت مستشهداً خلال خطابه بآية قرآنية، أخطأ في قراءتها حرفياً، وعاد في اليوم التالي ليتدارك ذلك، إلّا أنّه كرر الخطأ ذاته. واستشهد وقتها بسورة الأنفال لحثّ اليمنيين على الحوار والتآلف.
وكان ولد الشيخ يحشد كل ما في وسعه من جهود، بما في ذلك الوعظ بالخطاب الإنساني والديني والوطني، الموجه إلى الأطراف اليمنية، لحثّها على السلام. ويقول أحد السياسيين اليمنيين الذين التقوا به عن قرب، وتحفّظ عن ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن ولد الشيخ "كان صبوراً، لكنه لم يكن يتمتّع بالخبرة الكافية في الملفات السياسية والعلاقات في الأروقة الدولية"، كما هو حال سلفه جمال بن عمر، الذي عُيّن مبعوثاً في العام 2011، وانتهت مهمته بتعيين ولد الشيخ أحمد.
بعد تعيينه مبعوثاً إلى اليمن، كان ولد الشيخ أمام المهمة الأولى المستحيلة، وهي جمع الأطراف اليمنية، الحكومة الشرعية من جهة، وجماعة الحوثيين وحزب المؤتمر برئاسة علي عبدالله صالح من جهة أخرى، على طاولة مفاوضات لإيقاف الحرب، فيما كانت الحشود والعمليات العسكرية في أوجها. وكان أوّل موعد للمشاورات أعلنت عنه الأمم المتحدة، في جنيف، هو الـ28 من مايو/ أيار2015. ولمّا لم يكن بالإمكان التوافق على صيغة المشاركة، استخدم ولد الشيخ أسلوبه بـ"التكتيك"، مستعيناً بعامل "الإحراج"، إذ لم يكن بوسعه أمام تصلّب الأطراف، سوى أن يعطي لكل طرف، على حدة، وعوداً غير حقيقية، على أمل استدراجها إلى طاولة التفاوض. وهو ما حصل في أول جولة مشاورات، إذ أقنع الحكومة بالقبول بصيغة المفاوضات، على أساس وفدين (وفد الشرعية ـ وفد الحوثيين وحزب صالح)، في حين أن الرسالة الموجهة من المبعوث الأممي إلى الحوثيين وحزب المؤتمر أبلغتهم أن الحوار سيتم على أساس أنه حوار بين القوى السياسية، وكانت النتيجة وصول الوفدين إلى جنيف، ولكن العودة من دون حتى الجلوس إلى طاولة واحدة.
ولد إسماعيل ولد الشيخ أحمد في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1960، في منطقة "بيلا"، التي تعدّ جزءاً من العاصمة الموريتانية نواكشوط. لم يكن غريباً على اليمن، إذ شغل منصب المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن بين عامي 2012 و2014. وكان شغل المنصب ذاته في سورية بين عامي 2008 و2012، كما شغل منصب نائب لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا عام 2014. وقبل ذلك، تنقّل بين العديد من المناصب الأممية على مدى ما يقرب من 28 عاماً، في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا عموماً. لكن بالنسبة لمهمته اليمنية الأخيرة، فهي الأولى من نوعها، وفي إحدى أكثر لحظات التاريخ تعقيداً في البلاد، على مختلف المستويات.
مع كل فشل جولة أو محطة سياسية، كان ولد الشيخ أحمد يجد نفسه أمام سيل من الانتقادات والاتهامات والحملات، من هذا الطرف أو ذاك، لكنه بالنسبة للحوثيين مبعوث قريب من السعودية. ورعى ولد الشيخ ثلاث محطات أساسية للسلام، عمل خلالها بنشاط دبلوماسي دؤوب، وكمقاتل من أجل التأكيد على السلام، وعلى حصول تقدّم في مساعيه. واستخدم في ذلك الأساليب كافة، بما فيها صرف الوعود التي كانت أقرب إلى "مجاملة"، كما استعان بوساطات من مختلف دول المنطقة مع الأطراف اليمنية، وكانت سلطنة عُمان بالنسبة إليه هي المفتاح المؤدي للوساطة مع الحوثيين. وبعث مرة على الأقل، رسالة رسمية إلى وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، يطلب منه التدخل لدى الحوثيين وحزب صالح، لإقناعهم بالحضور إلى المفاوضات، وهو ما نجح فيه الأخير بالفعل.
أشرف ولد الشيخ على ثلاث محطات أساسية للمفاوضات اليمنية، الأولى في جنيف في يونيو/ حزيران 2015، والثانية في بيل السويسرية في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، أما المرحلة الثالثة والتي تعدّ الأكبر والأهم في مهمته، فكانت مشاورات الكويت، التي انعقدت لما يزيد عن ثلاثة أشهر بين إبريل/ نيسان وأغسطس/ آب 2016. وكان فشل المرحلة الأخيرة، بمثابة أكبر صدمة أدت إلى تراجع الآمال بجهود الأمم المتحدة السياسية وبقدرتها على العودة بالبلاد إلى مسار السلام بشكل عام.
إلى جانب محطات المشاورات التي انتهت بالفشل، ولا يمكن تحميل ذلك فقط للمبعوث الأممي، كانت هناك محطتان مفصليتان في عمل ولد الشيخ، الأولى هي ترجمة مبادرة وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، والتي أطلقها الأخير من جدة السعودية في أغسطس 2016، واستوعب ولد الشيخ مضامينها ضمن خطة أوسع عُرفت بـ"خارطة الطريق" أو "خطة ولد الشيخ"، إلّا أنه وفور إعلانها من قبله في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، واجه رفضاً صلباً من قبل الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية، إلى أن سقطت المبادرة مع رحيل كيري وإدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
المحطة المفصلية الثانية في جهود المبعوث الأممي، كانت في العام 2017، حينما أعلن الحوثيون وحلفاؤهم في فبراير/ شباط من العام الماضي، رسمياً رفضهم التعامل مع ولد الشيخ، وبعثوا رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، يطالبونه بتغييره. ومنذ ذلك الحين تقريباً، عجز ولد الشيخ عن تحريك المياه الراكدة يمنياً، بل إن موكبه تعرّض لإطلاق نار أثناء آخر زيارة له إلى صنعاء في مايو/ أيار الماضي، واتهمه الحوثيون بـ"الكذب"، وبأنه "مبعوث سعودي"، ومنحاز لخصومهم. كما رفضوا الخطة الأخيرة، التي تقدّم بها في ما يتعلّق بتسليم ميناء الحديدة إلى طرف ثالث، مقابل تجنبيه الاستهداف العسكري من قبل التحالف.
ويقول مصدر سياسي يمني لـ"العربي الجديد"، إنه بالنسبة لولد الشيخ، كان نائبه الأميركي، كينيث غلوك، هو كل شيء تقريباً، أو أبرز المحركين لعمل البعثة الأممية بشكل عام. وكان غلوك أيضاً أحد أبرز المحركين في فترة جمال بن عمر.
وفي أغسطس الماضي، عيّنت الأمم المتحدة غلوك نائباً لممثلها الخاص ولرئيس بعثتها في أفريقيا الوسطى، ليحلّ محله في المهمة اليمنية، الفلسطيني معين شريم، الذي كان رئيساً للقسم السياسي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وحصل شريم في أول زيارة له إلى اليمن، مطلع يناير/ كانون الثاني الحالي، على ترحيب لافت من قبل الحوثيين، الذين شنوا أعنف حملة ضد ولد الشيخ، منذ ما يقرب من عام.
وقبل إعلانه يوم الاثنين الماضي، أنه لن يستمرّ في منصبه بعد انتهاء مهمته في فبراير/ شباط المقبل، كان الأمر بمثابة تحصيل حاصل، إذ إنّ التسريبات كانت تؤكد أنه لن يتم تمديد مهمة ولد الشيخ مجدداً في اليمن، بعد أن صار طرفاً بنظر الحوثيين ورفضوا التعامل معه في الأشهر الأخيرة. وجاء الإعلان بعد يوم من اختتامه زيارة إلى السعودية، وحديثه عن تجاوب مختلف الأطراف مع جهود استئناف السلام، ليبدو واضحاً أنه طُلب منه أن يبعث رسالة الاعتذار، بعد أن اتُخذ، على ما يبدو، قرار تعيين بديل له من قبل الأمم المتحدة.
وفي كل الأحوال، كان ولد الشيخ العنوان الذي يأتي على رأس أي حديث يخص جهود السلام في اليمن، على مدى ما يقرب من ثلاثة أعوام، عرفت خلالها البلاد حرباً غير مسبوقة في تاريخها. أخفق ولد الشيخ وبذل جهوداً مضنية في طريق مستحيل. كانت الحيَل السياسية التي يستخدمها، لتقديم صورة إيجابية عن تقدّم في السلام، أضعف من أن تصمد. لا يخفى في أحاديثه وتصريحاته، الجانب العاطفي والإنساني، ومهما كانت التحفظات حول جهوده وإخفاقاته وأساليبه، إلا أنّ كل ذلك لا يتم تحميله للموظف الموريتاني، بعيداً عن الإرادة الدولية والتعقيدات المحلية والإقليمية المرتبطة بالحرب.